المحتوى الرئيسى

بلد المناضلين الغرباء.. «أستشهد تحتك وتعيشى إنتى»

05/13 15:37

رحلة البحث عن «عبدالرحمن محمود عبدالرحمن»، سائق عربة الصحافة الفورد موديل 56، تطرقت لها المخرجة «إنعام محمد على» فى فيلمها «حكايات الغريب»، عن سائق عربة الصحافة الذى دخل مدينة السويس، 22 أكتوبر، أى قبل معركة السويس، وحصار الـ101 يوم، بيومين، الذى شهدته مدينة السويس من قبل الإسرائيليين على خلفية أحداث الثغرة التى وقعت بعد انتصارات حرب أكتوبر.

«عبدالرحمن» الذى جسد شخصيته الفنان «محمود الجندى» هو «عبدالعزيز»، سائق العربة الذى اعتاد التوجه يومياً إلى مدينة السويس لتسليم الجرائد إلى كشك عم حسن السودانى، الكشك الذى أنشأه عام 1954 وكان شاهداً على أحداث العدوان الثلاثى على مدن القناة ونكسة 1967 وحصار الـ101 يوم الذى تعرضت له المدينة، ويبعد خطوات معدودة عن مسجد الشهداء، الذى كان بمثابة انطلاق الشرارة للدفاع عن المدينة ضد احتلال العدو الإسرائيلى بعدما تسلل إلى السويس، وتصدى له أبطال منظمة «سيناء العربية» ومعهم أهالى السويس.

«حسن»: الشيخ «سلامة» نادى الأهالى من ميكروفون الجامع وطلب منهم الانضمام للمقاومة الشعبية ضد العدوان الإسرائيلى وتم توزيع سلاح عليهم للدفاع عن المدينة

حقائق كثيرة تناولها فيلم «حكايات الغريب»، وارتبط بعضها بكشك عم حسن السودانى، بوصفه مكاناً شاهداً على أحداث سطرها نضال أهالى المدينة الباسلة، وهو أمر لم يكن غريباً إذن أن يكون كاتب قصة الفيلم هو الكاتب الصحفى «جمال الغيطانى»، الذى كان وقتها مراسلاً حربياً لمؤسسة «أخبار اليوم» فى السويس، ويذهب بشكل يومى إلى كشك عم حسن السودانى ليلتقط الجرائد ويطلع عليها، بحسب حسن محمد خير، الذى تولى إدارة كشك الجرائد بعد وفاة حماه الحاج حسن السودانى.

أمام كشك الجرائد يجلس «حسن» ليتذكر حكايات والد زوجته حول ما كان يدور داخل المدينة الباسلة، خاصة مع حلول ذكرى معركة السويس 24 أكتوبر كل عام: «حمايا رفض يقفل كشك الجرائد ويهاجر، فضل قاعد فى السويس، وكانت عربية الجرائد تيجى له مخصوص لأنه كشك الجرائد الوحيد فى السويس اللى كان شغال». ويضيف الرجل الأربعينى: «السويس كان لسه فيها ناس، وفيه واحد من أهالى السويس كان حاصر أسماءهم تقريباً كانوا 5 آلاف مواطن حصرهم الكاتب حسين العشرى فى كتابه، منهم موظفو البترول والمقاومة الشعبية وقيادات الجيش وموظفو التموين والمستشفى العام وغيرهم من المؤسسات الحيوية، عشان كده حمايا رفض يسيب السويس، الناس فى السويس كانت كلها عارفة بعضها».

وعن ذكر الحاج حسن السودانى فى فيلم «حكايات الغريب»: «من الطبيعى أنهم يجيبوا اسم الحاج حسن السودانى لسببين: السبب الأول أنه صاحب كشك الجرائد الوحيد اللى كانت عربية الجرائد تيجى له مخصوص، السبب الثانى إن الكاتب الصحفى جمال الغيطانى كاتب قصة الفيلم كان يعمل مراسلاً حربياً لمؤسسة أخبار اليوم، وكان كل يوم يتردد على الحاج حسن السودانى عشان يشوف الجرائد».

أما واقعة سائق عربة الصحافة الذى تم ذكره فى فيلم «حكايات الغريب»، فيقول حسن: «قصة حقيقية وبالفعل هما كانوا بيجوا كل يوم من القاهرة عشان يوصلوا الجرائد، ومفيش حد فى السويس هيقدر ينسى قصتهم لأنهم لما وصلوا السويس ووجدوا الحصار تركوا عربية الصحافة وانضموا للمقاومة الشعبية فى الدفاع عن أهالى السويس رغم أنهم من القاهرة»، مضيفاً: «العربية كان بيكون فيها سواق ومرافق، الاتنين انضموا للمقاومة فى الدفاع عن السويس».

«أنور»: «الصعايدة والشراقوة» بنوا السويس على أكتافهم وزرعوا الأرض فى الجناين.. والمدينة تحتاج إلى شخص عنده قدرة على التحمل.. وشركات البترول جاذبة للأغراب

مكان «الكشك» فى قلب مدينة السويس وعلى بعد خطوات من مسجد الشهداء، جعل الحاج حسن السودانى على مقربة من معايشة الأحداث كشاهد عيان، وجعله ينقل ما شاهده من روايات لأولاده وأزواجهم.. ما زال «حسن»، زوج الابنة، يتذكر حكايات «السودانى»: «صباح يوم 24 أكتوبر لقينا ناس جاية وبتصرخ (العدوان الإسرائيلى دخل من الأدبية والجناين، العدو سيطر على شركة المعامل والنصر للبترول، وبيطلبوا من أهالى السويس إنهم يسلموا نفسهم فى الاستاد)».

ويضيف «حسن» بعدما اكتست ملامحه بجدية تامة: «المسجد كان ساعتها المكان الوحيد اللى فيه ميكروفون ويقدروا من خلاله يجمعوا الناس، ساعتها الشيخ حافظ سلامة نادى على أهالى السويس وطلب منهم يتجمعوا ويلتفوا حول المسجد، وإنهم هينضموا للمقاومة الشعبية، وبالفعل تم توزيع سلاح على الأهالى وتعاونوا مع المقاومة الشعبية فى الدفاع عن مدينة السويس، والإسرائيليين لم يستطيعوا دخول المدينة فقاموا بحصارها لمدة 101 يوم».

حصار السويس وبطولات الأهالى وأسماء شهدائها لم يغب عن فيلم «حكايات الغريب»، حيث استطاع «الغيطانى» أن ينقل واقع السويس بجدارة خلال فيلمه، فنقل ما سجله وشاهده إلى قصة سينمائية كتب نصها وحوارها محمد حلمى هلال وأخرجتها إنعام محمد على، ليفسر لنا لماذا ارتبطت «السويس» ببلد «الغريب» وحكاياته. فالفيلم أراد توصيل رسالة وهى أن «عبدالرحمن» سائق عربة الصحافة ليس هو الغريب الوحيد الذى انضم لصفوف المقاومة فى السويس ولا يهم إن تغير اسمه من «عبدالرحمن» إلى «الغريب» أو العريف حسن أو خلف، فكلهم انضموا إلى مقاومى وشهداء السويس، فهناك من رأى «عبدالرحمن» مع أبطال منظمة «سيناء العربية» مرة مع إبراهيم سليمان وآخر رآه مع السيد أحمد أبوهاشم، والاثنان ضحيا بدمائهما من أجل السويس.

«الغيطانى» وثق وقائع المدينة الباسلة فى «حكايات الغريب» وكشك «حسن السودانى» يشهد الحرب والمقاومة

ربما أجاب الفيلم عن سبب تسمية السويس «بلد الغريب»، وإن وُجدت أسباب أخرى جعلت المدينة الباسلة بلداً للغريب أيضاً، يرجعها أنور فتح الباب، الباحث فى التاريخ، إلى عدة أسباب، يأتى على رأسها «سيدنا الغريب» ومقامه «مسجد سيدى الغريب»، الذى تعود روايته الشعبية إلى «عبدالله بن يوسف بن يعقوب»، قائد جيوش الفاطميين فى معركتهم ضد «القرامطة» الذين اعترضوا طريق الحجاج، فخرج «عبدالله» وحاربهم فى السويس وانتصر عليهم وانتهت الحرب باستشهاده، ومن هنا تحول إلى ولى وبطل شعبى لأهالى السويس وتم بناء مسجد كبير له.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل