المحتوى الرئيسى

جيل من الآخر

05/13 03:15

هو يتحدث إلى هاتفه المحمول أكثر مما يتكلم مع أفراد أسرته، يأمره ببصمة الصوت فيطيع فورا وينفذ الأمر، ولا يتكلف غالبا عناء لمس الشاشة، إلا إذا كان مضطرا، لأنه لا توجد وسيلة شفهية بديلة. الأهل يشتكون فى كثير من الأحيان أنهم لا يعرفون ما يدور فى رئوس أولادهم، الذين ينتمون للجيل الذى يرمز إليه بالإنجليزية بآخر حرف من حروف الأبجدية اللاتينية، فيقال عنه (Z generation). وفى العالم كله، هناك دراسات تحاول فهم هذا الجيل الذى ولد بعد سنة 1995 أو تحديدا من 1998 إلى الآن، وذلك لأسباب تسويقية وتجارية واجتماعية، حتى يتسنى لهم مخاطبته باللغة التى يستسيغها، وإلا فسيخيب ظنهم ولن يتواصلوا معه.

لقد ولد هؤلاء بعد سقوط جدار برلين، وأحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وبعضهم بعد الربيع العربى. لم يعرفوا العالم بدون أزمات وإرهاب. متطلبون، عمليون، مستقلون، لديهم الكثير من المعلومات بسبب الإنترنت الذين لا يتخيلون أن هناك حياة سبقت بدونه، لكنهم أيضا أبناء الكساد الاقتصادى السائد منذ أن فتحوا عيونهم، فلم يشهدوا حتى أيام التمدد والتوسع الاقتصادى. الموبايل هو الامتداد الطبيعى لأجسادهم، مثله مثل اليد أو القدم، فهم أبناء عصر الرقمنة، منذ أن وجدوا على الأرض كان سكانها يستخدمون الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية إلى ما غير ذلك، وبالتالى اختلفوا عن سابقيهم من جيل الثمانينات وبداية التسعينات الذى اكتشف كل هذه الأدوات تدريجيا وكان محركا أساسيا لثورات وانتفاضات العالم العربى الحالمة بالتغيير.

جيل الألفية الثانية إيقاعه أسرع بكثير، قد اعتاد ردود الفعل اللحظية من الأجهزة التى تحيط به، فهو قليل الصبر، قليل التركيز، لا يحب الاستمرار فى متابعة عمل أو شيء واحد لمدة تطول عن 10 أو 15 دقيقة. وبالطبع هو أميل لمشاهدة فيديوهات وبرامج اليوتيوب عن ما يعرضه التليفزيون، الذى يمل من إعلاناته وتكراره ونشرات أخباره، ما يجعله عرضة لتصديق المعلومات الكاذبة أو المضللة أحيانا، لكن لديه من الكم ما يسمح أيضا بالغربلة.

يختلف مع أخيه الأكبر الذى ولد فى بداية التسعينات مثلا، ولا يحب فرض سطوته عليه، فهو متمرد رافض للسلطة الفوقية بطبعه وثقافته، أخذ على فكرة المشاركة والتشارك، لذا فعند قيادته داخل البيت أو المؤسسة أو المجتمع، يجب التعامل بحذر، لأنه لن يقبل سوى أن يكون شريكا نديا، مثله مثلك، والحكم بينكما هو مدى الخبرة وليس المعلومات، والصورة التى تصدرها له، وإلا سيكون ناقدا نزقا ولاذعا، لأنك غير مقنع له. لا يجب أن نفسر سلوكه على أنه قلة احترام وعدم اكتراث، بل علينا محاولة فهم هذا الجيل المتمحور حول نفسه لدرجة النرجسية أحيانا.

لا يفضل الوظائف التقليدية، بل قد يعمل قبل إنجاز دراسته والحصول على شهادة. يسوق سلع على الإنترنت أو يصمم برنامجا ويبيعها لكبرى الشركات الدولية، وهو ربما لم يخرج من بلده قط، ولم يركب طائرة، ويعيش فى حى شعبى بسيط. يحلم بعضهم أن يؤسس شركته الخاصة، الصغيرة أو المتوسطة، ويبدع ويحلق، وأنت لا تفهم لماذا لا يسلك الطرق التى سلكتها أنت أو حتى أخيه الأكبر. تخاف وتحاول أن تمنع، ولكنه يجرب ويفشل أحيانا وينجح أحيانا، دون خوف من الفشل، فهو يعتبر كل المحاولات الفاشلة بمثابة بحث عن الذات، وما أن وجد ضالته قد يغير وجه العالم، فانتظره و تمهل بانتظار النتيجة.

تفيد أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لسنة 2017 بأن نسبة الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة هى 23.6% من مجموع سكان مصر، أى 21.7 مليون نسمة، من بينهم 9.2% يعانون من الأمية. ومع هذا لا توجد دراسات اجتماعية ونفسية جدية تتناول هؤلاء على المستوى المحلى. نحاول أن نمنع وصولهم إلى هذا الموقع أو ذاك على الإنترنت، ونحجب بعض الصحف والفيديوهات، وهو يتحايل ويصل لما يريد. لا يواجهك ربما، لكنه يسخر فى سره من ديناصورات القرن الفائت ويعتبرهم «أضحوكة السنين«. يتركك تلعب بعيدا عن ملعبه، ظنا منك أنك تسيطر، ولا يكتفى بسؤال «لماذ؟« الذى كان يؤرق الجيل الذى سبقه وثار، بل هو يفعل ما يريد بإمكانياته الرقمية التى تفوق إمكانياتك، ولا يوجه حديثه إليك، بل لمن سينفذ رغباته ويساعده على الفور، لأنهم يتكلمون لغة واحدة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل