المحتوى الرئيسى

حسن راتب يكتب:‏ كيف نواجه «ثقافة حب الموت»؟

05/12 03:39

أتعجب كثيرًا من الذين يستبدلون بثقافة حب الحياة، واستشراف المستقبل، وتحفيز الآمال الحقيقية، واستنهاض الهمم فى نفوس الناس، ثقافة «حب الموت»، وتثبيط ‏الهمم، ونشر اليأس، وتحقير كل نجاح يتحقق، وكل تطور يحدث، وكل إبداع ينشد. وللأسف الشديد، فإن تلك الثقافات وإن كانت تبدو غريبة، ومصدر تعجب، إلا أنها ‏تنتشر وبقوة فى تلك الظروف، التى تتسم بالأحداث المتلاحقة، وأبرزها على الإطلاق ما يحاك بالدولة المصرية من مؤامرات خارجية وداخلية، تهدد أمنها، وبالتالى ‏فإنها تؤثر سلبًا على استقرارها.‏

وأعتقد أن هذا الأمر ليس جديدا، ويعكس بوضوح ما يطلقون عليه اسم «الشرق الأوسط الجديد»، وعلى وجه الخصوص عملية التقسيم، تحت زعم ما يسمى الفوضى ‏الخلاقة، ونشر الخلافات العنصرية والصراعات العرقية، وما يترتب عليها من أشكال التناحرات المذهبية والفتن الطائفية، وهى أمور نجحت، للأسف الشديد، فى بعض ‏دول المنطقة، فانهارت على إثرها، رغم أنها كانت حتى وقت قريب قوية ومتماسكة، مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق.‏

كيف نواجه «ثقافة حب الموت»؟

لم يعد يخفى على أحد أن نجاح عملية إسقاط مصر فى هذا المخطط «الجهنمى»، كان بمثابة الجائزة الكبرى لهذه المؤامرة، وفضلا عن ذلك، هناك عدة خطوات أخرى، منها التآمر على أمنها المائى، ‏والعبث بمنابع النيل، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بإثيوبيا، ومن جهة أخرى، إقامة قواعد أجنبية لتركيا فى البحر الأحمر، كل ذلك بالإضافة إلى المؤامرات الداخلية، التى تتنوع فى أشكالها، من تطرف ‏وإرهاب، وانتشار جماعات إسلامية متطرفة، تحت زعم الدين، والدين منهم براء، فتلك الجماعات تنتهج أعمالًا تخريبية، تزعزع الأمن والاستقرار، وتدعو إلى نشر ثقافات غريبة على مجتمعنا، وهى ثقافات ‏بعيدة كل البعد عن قيم ومبادئ ديننا الحنيف.‏

هذا بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الضخمة، التى تواجه الأمة، التى تتمثل فى ازدياد معدلات السكان، وتلك المعدلات تفوق كافة المعدلات العالمية فى هذا الشأن، مع ضعف شديد فى الإنتاج والعجز ‏فى ميزان المدفوعات، وذلك تزامنًا مع عمليات إصلاح اقتصادى حقيقية وملموسة على أرض الواقع، بعدما تم ترك هذا الاقتصاد فترة من الزمان دون إصلاح، ما تسبب فى تفاقم الأزمة بشكل كبير، ‏وتراكمت المشكلات بصورة تدعو إلى الأسف والأسى.‏

وفى تقديرى، فإن مصر لم تقع فى فخ تلك الفوضى الخلاقة، لسبب جوهرى يتمثل فى أن الله، سبحانه، سخر لهذه الأمة جيشًا قويًا، قوامه خير أجناد الأرض، كما وصفهم رسول الله، صلى الله عليه ‏وسلم، وبالطبع، من حسن الطالع لهذه الأمة أن على رأس هذا الجيش زعيما وطنيا، ساقته الأقدار فى هذه الظروف الصعبة، ليواجه كل تلك التحديات الخارجية والداخلية، بجسارة ورباطة جأش، وبكل ‏حكمة واقتدار، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أبعد مصر بحكمته عن كل الصراعات التى عاشتها المنطقة، ما أثار حفيظة المتآمرين على مصر فى الداخل والخارج.‏

ولما كانت الرغبة فى التنمية والاستقرار لتلبية مطالب واحتياجات مجتمع وآمال وطموح زعيم، فإن كل هذه التحديات تتطلب وعيًا كاملًا بكل هذه الظروف والصعوبات، وكيفية مواجهتها، ولا يمكن أن ‏يحدث هذا إلا بثقافة تدرك بوعى تام هذه المتغيرات المتلاحقة، وتواجه الآثار الاجتماعية المترتبة على عملية الإصلاح، ومتطلبات التنمية، فكلنا على يقين تام بأن فاتورة الإصلاح هى ثمن العلاج، لذا ‏يمكننى القول بشكل قاطع إن الثقافة الآن لم تعد نوعا من الرفاهية الفكرية، أو خطوات كمالية، أو نوعا من وجاهة المجتمع، بل أصبحت ضرورة ملحة، من أجل استكمال مسيرة التنمية ومواجهة التحديات.‏

ويدعونى ذلك إلى المطالبة بضرورة إنشاء مجموعة وزارية ثقافية، تضم وزارات: الثقافة، والشباب والرياضة، والأوقاف، والتربية والتعليم، والتعليم العالى والبحث العلمى، والتضامن، على غرار ‏المجموعة الوزارية الاقتصادية، بحيث تكون هذه المجموعة الثقافية على مستوى عال من الخبرة، وتجمع بين المنهج العلمى والممارسة التطبيقية، من أجل تحقيق متطلبات وآمال شعب وطموح زعيم.‏

وفى تقديرى، فإن هاتين المجموعتين ستكونان جناحى التنمية والاستقرار، فى مواجهة التحديات، خلال المرحلة المقبلة، ومن هنا، نستطيع القول إن العمل الثقافى فى هذه المرحلة يتطلب تضافر جهود ‏مشتركة، من أجل إعداد خطة عمل شاملة، تتحمل فيها كل جهة المسئوليات المنوطة بها، فى ظل منظومة عمل، وفقا لبرامج زمنية محددة، وذلك من أجل مواجهة كثير من الآفات والعلل المجتمعية، التى ‏ترتبت على انتشار ظواهر التطرف والإرهاب، وصولًا للهدف الأساسى، وهو إرساء مجموعة من القيم فى المجتمع، تستهدف تعظيم دور الانتماء والولاء، ونشر قيم التضحية والإيثار وإنكار الذات، وتضع ‏يدها على تحديات المرحلة وترسم الخطوط الرئيسية لكيفية مواجهتها.‏

وهنا يبرز دور الإعلام، بمختلف أدواته، من كلمة مكتوبة ومسموعة ومرئية، وذلك لسبب بسيط، وهو أن «التسويق الثقافى» إحدى أهم وسائل نشر هذه الثقافة، بكل أنشطتها المختلفة، وكل هذا يجب أن ‏يتبلور وينصهر فى بوتقة واحدة، تتمثل فى خطة عمل، تتضمن برامج زمنية لإنجازها، وتصاحبها أدوات قياس الأداء، فى كل مرحلة لها، حتى يتم إنجاز معدلات نجاحه وتعظيم بعض النجاحات ومعالجة ‏بعض الإخفاقات، وعلى الجانب الآخر فإن أهم ما ينبغى أن نهتم به أيضا هو مشاركة المجتمع المدنى فى العملية الثقافية، فتلك المشاركة تعتبر من أهم متطلبات الخطة الاستراتيجية.‏

ويأتى على رأس هذه المؤسسات الجمعيات الأهلية، التى تشمل ٥٠ ألف جمعية، تضم ٢٥ مليون عضوية، والاتحادات التعاونية، التى تضم ١٨ مليون عضوية، بالإضافة إلى النقابات، التى تمثل قطاعا ‏مهما فى المجتمع، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدنى، غير الهادفة للربح، فالمشاركة فى العملية الثقافية جزء لا يتجزأ من رفع الوعى العام، وأيضا المساهمة الفعالة فى تكاليف العملية الثقافية، فليس من ‏المعقول أن تتحمل الدولة كل هذا، ومن خلال رؤيتى لتلك المسألة فإن دفع المؤسسات والهيئات بالمساهمة بدور تثقيفى سيجد ترحيبا تاما من المهتمين، على غرار «الدول المتقدمة»، والمساهمة المجتمعية ‏جزء لا يتجزأ من خطة التنمية.‏

وعلى سبيل المثال، فإن قصور الثقافة، المنتشرة فى جميع أنحاء مصر، من المنطقى أن نبحث عمن يتولى الإنفاق عليها، من مؤسسات المجتمع المدنى أو رجال الأعمال، مع وضع اسم المشارك ‏‏«برعاية»، كنوع من التشجيع له، ونحن فى هذا الصدد نتطلع لأن يساهم المجتمع المدنى فى حركة التنمية الثقافية، فلا يمكن بأى حال من الأحوال للدول أن تحقق تنمية شاملة ومتكاملة فى جميع نواحى ‏الحياة، إلا بمساهمات حقيقية من أبنائها، فهم الهدف والوسيلة، ولعل كبرى الجامعات فى العالم وهى جامعة هارفارد، تعتمد على الإعانات وتبرعات المؤسسات المحلية، إلى جانب جهود كثيرة مشتركة، ‏مطلوبة الآن، فى جميع المجالات، من أجل تلبية نداء الوطن، وبالطبع فإننا سوف نكون فى هذه الحالة يدا بيد مع الزعيم والرئيس، من أجل إعادة بناء مصر الحديثة فى شتى المجالات.‏

ما دفعنى للمشاركة وطرح تلك المفاهيم، هو لقائى بوزيرة الثقافة، التى أثارت إعجابى ومعظم الأجهزة المعاونة لها، من قصور ثقافة وهيئة الكتاب ورئيس الأوبرا، وكذلك هيئة المسرح وقطاع الفنون ‏التشكيلية، ورئيس دار الكتب والوثائق المصرية، من خلال صالون «المحور» الشهرى، الذى طرحت فيه الدكتورة إيناس عبدالدايم رؤى الوزارة، وكيف تستشرف المستقبل، وشرح كل رئيس هيئة وقطاع ‏نبذة مختصرة عما تم، وما تتطلع «الثقافة» إلى استكماله، وكان شرحا بسيطا، دون إسهاب أو ملل أو اختصار مخل، ما أعطى صورة كاملة ورؤية شاملة، مع حماس كثير ممن تقع على عاتقهم المسئولية ‏شكرا لكل من ساهم بجهد أو بفكر أو بمال أو بإخلاص، لهذا الوطن الغالى، ولهذه الأمة العظيمة، وكما قال الله، جل شأنه، فى محكم آياته «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض» ‏صدق الله العظيم.‏

قال الناقد الدكتور صلاح السروى، إنه لم يصدق كثيرًا مسألة أن هناك جيلًا كل عشر سنوات، وهذا رغم أن هناك كتابات مهمة وخلاقة جاءت في لحظات وحقب مفصلية وفارقة فيما يخص الوهج السياسى، وكذلك النكبات ولحظات ...

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل