المحتوى الرئيسى

منطقتي | الانقطاع المفاجئ لـ "صبرى أبو علم"

05/08 23:37

لو كان له نفس حظ الشارعين المجاورين له؛ طلعت حرب وقصر النيل، لكان على شارع «محمد صبرى أبو علم»، أن يمتد واصلا كنظيريه إلى ميدان التحرير، لكنه على عكسهما، لا يعبر ميدان طلعت حرب بل يتوقف عنده، كما لا يعبر ميدان محمد فريد بل يبدأ منه، هكذا بين الميدانين، فريد وحرب، وبين شارعي قصر النيل وهدى شعراوى، يقبع شارع صبرى أبو علم متواضعا وتاركا لشارع محمود بسيوني أن يكمل المسير بدلا منه حتى ميدان عبد المنعم رياض، هذا الانقطاع ليس في الشارع فحسب بل حتى في لافتاته التي انقطع اسم صاحبها الأول في بعضها فصار «صبرى» بدلا من «محمد صبرى»، تماما كما انقطع عمر صاحبها نفسه، فمات في عز نشاطه وتوهجه السياسى والوطنى قبل أن يكمل الرابعة والخمسين.

على الرغم من أن أرقام الشارع تبدأ رسميا من ميدان محمد فريد، وأنه يُحسب إداريا على عابدين تارة وعلى باب اللوق تارة، إلا أن بدايته الشائعة هى من ميدان طلعت حرب، فإذا كنت قادمًا من التحرير ثم أعطيت ظهرك لتمثال باني الاقتصاد المصرى الحديث، فإن أمامك ثلاث خيارات، أقصاها يسارًا طلعت حرب (الشارع) وأوسطها «قصر النيل»، فإن دخلت أقصاها يمينًا فأنت في شارع صبري أبوعلم.

على يسارك مبنى صيدناوي المهيب الذي أخذته مؤخرا –كغيره – إحدى شركات القطاع الخاص، على يمينك ممر مقهى البستان الشهير بمثقفيه وحكاياته، وما أن تعبر زحام الآكلين أمام المطعم الشعبي ذي الطابقين حتى يبدأ إلى يمينك السور العريض لمبنى كنيسة الأرمن، المحبب لرسومات الغرافيتي الثورية ربما لأنها تنجو من الطمس عليه، ينتهي السور والرصيف فتعبر مدخل شارع يوسف الجندي القادم من شارع الشيخ ريحان عبر باب اللوق، ينتهي  المدخل الضيق للشارع فيبدأ الرصيف مجددا ليطل مسجد يكاد – في مشهد تقليدي – يلامس الكنيسة، وبعد العبور السريع من أمام «دار الثقافة الجديدة» حصن إصدارات كتب اليسار، يطل على الرصيف  الآخر مدخل شارع القاضي الصالح معلنا بدء «منطقة البورصة»، التي أغلقتها الحكومة لتصبح منطقة تجارية فصارت تجمعا للمقاهي ثم أغلقت المقاهي وصار ممرًا هادئًا ومظلمًا، ثم يقطع شارع محمد مظلوم الطريق واصلا بين شارع شريف وباب اللوق وعابرا صبري أبو علم، قبل الوصول إليه بمسافة قصيرة يطل فرع صغير من شارع الفلكي، الذي لا ينتهي –كما يظن الكثيرون – في باب اللوق.

وما أن يطل- يمينا –  المبنى الهائل لوزارة الأوقاف بعد شارع محمد مظلوم، ويطل على اليسار فرن المخبوزات الشهير على ناصية شارع شريف، حتى يتبدل «صبري أبو علم»، تنقطع فيه مجددا أجواء وسط البلد لتبدأ أجواء عابدين، وعلى الناصية اليسري تظهر نسخة من شارع «البطل أحمد عبد العزيز» غير نسخة المهندسين، ويتلوه شارع لبطل آخر هو «جواد حسني»، ثم يصير «أبو علم» عابدينيا تماما، فتطل النواصي الشعبية، وتبدأ المقاهي ذات الكراسي الخشبية لا البلاستيكية، ثم يطل تمثال محمد فريد فوق ميدانه، ومداخل محطة مترو أنفاق محمد نجيب، معلنة بداية القصور العابدينية  الملكية المهيبة، التي تكاد تنسيك أنك كنت – قبل خطوات قليلة – بين  الباشوين صبري أبو علم وطلعت حرب.

عرفت أجيال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية جريدة «صوت الأمة»  كصوت معارض شرس أو مشاغب، ورأت في صفحتها الأولى وتحت عنوانها رسوم ملونة لكبار رؤساء وزعماء الأمة المصرية، لكن الغريب أن تلك الرسوم تخلو من صورة صاحب الجريدة الأصلي، صاحب امتيازها في إصدارها الأول «محمد خليل أبو علم» الشهير بصبري أبو علم، القائد الوفدي الكبير، أو كما يحب الوفديون تسمية زعمائهم: القطب الوفدي.

لم يكن سهلا، سوى لقطب مثل صبري أبو علم، أن يجلس على مقعد مكرم عبيد أشهر سكرتير لحزب الوفد في تاريخه، لكن أبو علم فعلها ونجح فيها، كما قاد المعارضة في مجلس الشيوخ رجلا بعد أن قاد مظاهرات الطلبة ثم ثورة 1919 شابًا، وتولى مقعد نقيب المحامين يوما، ويوما آخر مقعد وزير العدل، وأعد القانون الذي ألغى الامتيازات الأجنبية عام 1936، وأعد وأصدر قانون استقلال القضاء أثناء توليه مقعد العدل بين 1942 و1944، وبين هذا وذاك اختير «أميرًا للحج» في إحدى قوافله وتلقّى التكريم الرسميّ  في الحجاز كما كان مكرما بنشاطه الهائل في مصر، وفي 13 من أبريل 1947، بعد أن أتم لتوه عامه الرابع والخمسين، ينقطع فجأة عمر صبري أبو علم، ويبقى أثره في «الوفد» وفي القضاء، وفي الشارع المعروف بوسط البلد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعلمني بمتابعة التعليقات بواسطة البريد الإلكتروني.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل