المحتوى الرئيسى

"لتهزمه، العب على طريقته"... اللاجئون السوريون بين فكَّي "المرأة الذئب" وأرودغان

05/08 15:40

"أعدكم من هنا بأن اللاجئين السوريين في تركيا سيتناولون إفطار شهر رمضان في 2019، برفقة إخوانهم في سوريا". كلمات قالتها ميرال أكشنار، المرشحة لانتخابات الرئاسة في تركيا.

قطعت السيدة وعداً بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في أول خطاب في إطار حملتها الانتخابية، بمدينة مرسين، مُعتبرة أن وجودهم "في تركيا ترك أثراً سلبياً على اقتصاد البلاد نتيجة سياسة أرودغان الخاطئة".

تصريحات أكشنار، المعروفة بـ"المرأة الذئب"، أثارت تساؤلات حول مصير نحو 3.5 ملايين لاجىء سوري كانوا قد فروا من نيران الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم منذ سبع سنوات، تزامناً مع تصاعد مشاعر الكراهية ضد اللاجئين، لا سيما في ظل تعثر الاقتصاد التركي.

في الشهور الماضية، تجاهل الرئيس التركي رجي طيب أردوغان انتقادات وسخرية أكشنار من سياساته وسياسات حزبه الحاكم. لكن حديثها عن اللاجئين دفعه للمرة الأولى للتعليق على دعوتها إلى ترحيلهم، هي التي قالت في تصريح سابق: "لكي تهزمه، عليك أن تلعب على طريقته".

إلى جانب أردوغان، يتنافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا ستة مرشحين مُحتملين، أبرزهم أكشنار ومحرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري.

في وقت سابق من هذا العام، وقفت أكشنار قرب تمثال لأتاتورك، في مدينة جيرسون على ضفاف البحر الأسود، موجهةً انتقادات ساخرة إلى حزب أردوغان الحاكم. وقتذاك، كانت تخطب في جمع من المزارعين، فيما رُفعت لافتة ضخمة حاملةً عبارة: "أنقذينا أيتها المرأة الحديدية".

ألهبت أكشنار حماسة الراغبين في رحيل أردوغان، بينما تذهب آراء إلى القول إن الرئيس التركي سيجد طريقة ما لعرقلة تقدمها في الانتخابات التي فاجأ المعارضة بدعوته إلى إجرائها في 24 يونيو المقبل، أي قبل موعدها المقرر عام 2019.

جذبت السياسة الفتاة الصغيرة عندما انتُخبت ليلى أتكان عمدة لمدينتها، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. وبعد حصولها على درجة الدكتوراه في التاريخ، تركت منصبها كرئيسة قسم في الجامعة، عام 1994، ودخلت مضمار السياسة وفازت بمقعد في البرلمان بعد ذلك بعام، ممثلةً حزب الطريق الصحيح العلماني المحافظ.

وبعد بضع سنوات من دخول البرلمان، أصبحت أكشنار إحدى أبرز علامات السياسة في تركيا. عُيّنت وزيرة للداخلية في حكومة ائتلافية برئاسة رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان، في فترة شهدت عنفاً سياسياً، إذ شنت الدولة التركية حرباً ضد مَن تسمّيهم "الانفصاليين الأكراد".

كما تصادمت مع الجنرال سيتين سانر، قائد الجيش، عام 1997، عندما أصدر إنذاراً للحكومة، عُرف في ما بعد بـ"انقلاب ما بعد الحداثة". وهدد الجنرال بوضعها على "خازوق زيتي" أمام الوزارة.

كلف وقوف أكشنار ضد تدخل القوات المسلحة في السياسة لـ"إضعاف الحكومة" منصبها الوزاري، بعدما فرض الجيش تغييراً وزارياً.

شارك غرد"أعدكم من هنا بأن اللاجئين السوريين في تركيا سيتناولون إفطار شهر رمضان في 2019، برفقة إخوانهم في سوريا"... هل تفي "المرأة الذئب" بوعدها في حال ربحت الانتخابات الرئاسية التركية؟

شارك غردفي الشهور الماضية، تجاهل أردوغان انتقادات وسخرية أكشنار من سياساته وسياسات حزبه الحاكم. لكن حديثها عن اللاجئين دفعه للمرة الأولى للتعليق على دعوتها إلى ترحيلهم

خرجت المرأة من الحكومة وكانت من مؤسسي "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، لكنها تركته بعدما رأت أنه مثله مثل حزب "الرفاه" بقيادة رئيس الوزراء الإسلامي الأسبق نجم الدين أربكان، ثم انضمت إلى حزب "الحركة القومية".

وعادت السيدة بقوة إلى الواجهة عندما راحت تحشد ضد استفتاء على تعديلات دستورية نجح أردوغان في تمريرها بصعوبة، في موقف يتعارض مع موقف حزبها اليميني المعارض (الحركة القومية)، الذي انضم إلى جبهة الرئيس، ما أدى إلى طردها منه عام 2016.

"تركيا وشعبها متعبان، الدولة مهترئة، والنظام العام آخذ في الانهيار. لا توجد طريقة أخرى غير تغيير المناخ السياسي. شعبنا يقول إنه يريد حكومة جديدة"، قالت أكشنار خلال احتفال إطلاق حزبها "الخير"، الذي خرج في أكتوبر 2017 من صالون ثقافي تابع لحزب الشعب الجمهوري، بعدما رفضت الفنادق تأجير قاعاتها لها، خشية من اعتبار ذلك تأييداً لها ضد أردوغان.

بدا أن لا شيء يوقف "آشينا"، مدفوعة بشعبية توسعت قاعدتها على الأرض منذ رفضها التعديلات الدستورية، لا سيما مع ازدياد استياء العديد من الأتراك من السياسات الداخلية والخارجية للرئيس، مع توقعات بأن تكسب المزيد من أصوات "المواطنين الغاضبين".

عندما سُئلت كيف ستهزم أرودغان، أضاء وجهها وقالت بثقة، في حديث مع مجلة "التايم" الأمريكية، من منزلها في إسطنبول في مايو 2017: "أفسد منطقة راحته (His comfort zone)، لأنه يعرف أنني منافسة حقيقية".

آنذاك، رأت "التايم" في أكشنار تهديداً فريداً لأردوغان لأن أفكارها السياسية تعبّر عن مجموعات من ناخبين يأتون من خلفيات ثرية ودينية محافظة وقومية مثل الرئيس.

وفي تصريحات مماثلة لصحيفة "الغارديان" البريطانية، مطلع الشهر الجاري، علقت: "الآن حان الوقت بالنسبة إليهم، الرجال في السلطة، ليشعروا بالخوف".

في كلمتها خلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الخير مطلع أبريل الماضي، قالت إنه يجب أن تشهد سوريا انتخابات يشارك فيها اللاجئون أيضاً، وأن تحترم تركيا الإرادة التي ستفرزها تلك الانتخابات مهما كانت، مُضيفةً أن قوة تركيا من قوة الجيران، وأنه يجب أن تصبح المنطقة قوية أولاً إنْ كانت تركيا تريد أن تصبح قوية.

المفارقة أن أكشنار ابنة لمهاجرَيْن تعود أصولهما إلى البلقان. تحركت أسرتها في عشرينيات القرن الماضي من منطقة سالونيك اليونانية إلى مدينة إزميت التركية، حيث ولدت عام 1956.

جددت "المرأة الذئب" دعوتها لعودة اللاجئين في أولى خِطبها الانتخابية، لكن منافسها أردوغان رد عليها هذه المرة خلال مراسم توزيع "جوائز سلام جبل الزيتون" في ولاية إسطنبول بقوله: "نحن فتحنا أبوابنا أمام اللاجئين لأننا أردنا أن نكون الأنصار لهؤلاء اللاجئين، بعد أن تعلمنا ذلك من الأنصار الذي استقبلوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة".

خارجياً، أجاد أردوغان استخدام ورقة اللاجئين مقابل الحصول على دعم مالي من دول الاتحاد الأوروبي قيمته ستة مليارات دولار والسماح بدخول الأتراك إلى منطقة الشنغن دون تأشيرة ودفع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلى الأمام، وذلك بموجب اتفاق عُقد في مارس 2016.

وداخلياً، تطالب قوى سياسية، بينها حزب أكشنار، بعودة السوريين إلى بلادهم، مُستغلةً الظروف التي يعاني الاقتصاد التركي من ارتداداتها، خاصة مع ارتفاع حدة التضخم.

وتمثل الانتخابات فرصة حقيقية لبيان انطباعات الناخبين الأتراك تجاه قضية اللاجئين، ومدى قدرة الرئيس التركي وزعيمة "حزب الخير" القومي المعارض على استخدام هذه الورقة الحساسة خلال السباق.

تورطت "الذئاب الرمادية"، الجناح الذي كان في يوم من الأيام شبه عسكري في حزب الحركة القومية، في العديد من حوادث العنف السياسي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ونسبةً إلى هؤلاء، اعتاد أنصارها تسميتها بـ"المرأة الذئب".

وبحذر، يتعامل الناخبون الأكراد في جنوب شرق تركيا مع السياسيين القوميين، خاصةً أن فترة تقلّد أكشنار منصب وزيرة للداخلية كانت إحدى أسوأ فترات انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدولة ضد الأكراد في المنطقة.

واعتاد ساسة أحزاب اليمين في تركيا التلويح بشعار الذئب، المتمثل في ضم الإبهام والوسطى والبنصر وإطلاق السبابة والخنصر على شكل رأس ذئب. ومن بينهم أكشنار التي غيّرت شعارها مؤخراً إلى علم تركي من الحناء على كف يدها، كرمز للثقافة التركية التقليدية، في محاولة للتقرب من مختلف فئات الشعب.

وفي حين وصفتها مجلة "تايم" بأنها "محافظة بشكل غير مألوف، ويعتبرها البعض النسخة التركية لزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، ماري لوبان"، تقول المرشحة الرئاسية إنها متفائلة تجاه موقف الأكراد منها، وزارت مناطق في جنوب البلاد، موضحةً: "نحن لا نعمل بالسياسة على أساس العرق. يعتمد تعريفنا للأمة على الذكريات المشتركة وتبادل الروابط والأفراح المشتركة".

خلال حملتها الانتخابية، أطلقت أكشنار وعوداً عديدة للداخل والخارج، ويبدو أنها لن تكتفي بمداعبة خيال الناخبين المحتملين من التيار المحافظ، إذ تميل إلى مغازلة قوى اليسار والعلمانيين الديمقراطيين الرافضين لأردوغان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل