المحتوى الرئيسى

جمود الخطاب قاتل

05/07 21:28

لا أحد ينكر أن المقاومة شديدة، والمداهنة عتيدة، والمراوغة عنيفة، والمحاولة الحقيقية مهيضة، أما الأجواء فمتقلبة بين مخاوف شعبية غرقت في الجمود، واحتكارات سلطوية ظنت أنها إلى خلود، واجتهادات مترددة تعرف أنها إما إلى كتب التاريخ أو سجون أو تشهير "التوك شو" والاغتيال، ومنه ما هو معنوي وأدبي وكذلك شخصي. الوضع فعلاً صعب.

الوضع الصعب الذي تتجلي صعوبته في قلة قليلة من أبناء هذا الشعب ممن فرحت و"زقططت"، وهللت واستبشرت حين نادى الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل عامين بضرورة تجديد الخطاب الديني، وأغلبية ساحقة ترتجف لنداء التجديد وترتعد لدعاوى التنقيح، وتعتبر كل من نقل عن فلان عن علان دون حد أقصى للعنعنة أو نداء تعقل لنقل المسطرة، إنما هو منزه عن كل خطأ أو سهو تنزيهًا يضعهم في خانة الأنبياء والقديسين.

هذه الأغلبية الساحقة للعلم والإحاطة لا تقتصر على مؤسسات دينية غارقة حتى أذنيها في جمود الفكر وتيبس القدرة على المواكبة، ظنًا منهم أن أقصى درجات التجديد هي تحميل برنامج فتاوى إلكتروني هنا أو تشبيك مواقع تفسير هناك.

لكن قطاعات عريضة من المواطنين بلغوا درجة من "الهسهس" جعلهم يزدرون كل من انتقد شيخًا اتخذ من التفسير مهمة، أو اعترض على انجراف علماء في غياهب مدى صحة دخول الحمام بالرجل اليمين، وهل يصح أن تظهر المرأة صباع الرجل الشمال؟، وغيرهم ممن حولوا الدين إلى "قعدات قهاوي" وصرفوا الأدمغة والقلوب بعيدًا عن روح الدين ومعاملاته.

باب المعاملات المتقزم المتقوقع الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة بات مغلقًا بالضبة والمفتاح. فمن جهة، فإن السواد الأعظم من الشعب غارق حتى الثمالة في المظاهر والظواهر، وهو غرق مؤيد ومبارك من قبل أولي الأمر في المرجعيات الدينية. والتأييد والمباركة هنا قد يتحققان بمجرد السكوت على كارثة الأخلاق، والسلوك العظمى التي أحاطت بنا من كل صوب. فسائق الأجرة الفاصل تماماً بين الدين الذي يسمعه عبر إذاعة القرآن الكريم في مذياع السيارة وبين الدولة التي يستبيح انتهاك قوانينها عبر تعطيل عداد السيارة، وصاحب السوبرماركت الذي أغرق متجره في آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتمحور حول أخلاق الشهر الكريم وقواعد الصوم المقبول، لم يفكر مرتين قبل أن يضاعف أسعار السلع الغذائية ويغش مكونات البقالة والعطارة، وموظف الحكومة الذي لا تبارح السبحة أصابعه وإن أذن المؤذن للصلاة هرع إليها وأغرق فيها وترك المواطنين غارقين في غياهب الانتظار وغيرهم يجدون أنفسهم بين طالب لدعوة تجديد الخطاب وطارد لجهود التغيير ومحاولات التطهير.

تطهير الخطاب لن يجري عبر قلة قليلة من المصريين الذين ضربهم الإحباط ونال منهم اليأس، بعد ما أكدت كل الأدلة والبراهين أن الغالبية يقاومون التجديد ويمقتونه، بل ويتمسكون بالجمود منهجًا وبالجهاد ضد التحديث عقيدة.

وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبدالحميد قال عن التجديد في حوار أجرته معه الزميلة "المصري اليوم" إننا لم نحقق شيئًا في ملف التجديد، وإن الأزهر لا يستطيع تحقيق الجزء الخاص به لتنفيذ المهمة. ورجح عبدالحميد أن يكون السبب في ذلك تعارض تجديد الخطاب الديني مع بعض الثوابت الخاصة بالمؤسسة (الأزهر) ربما لافتقادها للمرونة!

وحيث إن المكون الأساسي لأي تجديد أو تحديث هو المرونة، فإن هذا يعني أن من ينتظر التجديد ممن لا يمتلك المرونة مقدر له أن ينتظر للأبد.

أبدية الانتظار قاتلة، فهي من جهة تقتل من كان في نفسه أمل بأن تعبر مصر نحو دولة مدنية حقيقية لا تتخذ من الدين حجة للتأخر والتخلف والانغماس في مظاهر ثار عليها من نقلوها لنا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل