المحتوى الرئيسى

«الصديقان».. آخر «صنايعية الحصير» يصارعان لبقاء المهنة

04/26 10:00

رحلة كفاح وصبر استمرت لأكثر من 60 عاماً مارس فيها الحاج حسن أبوعامر عمله فى صناعة الحصير «السمار» داخل ورشته الصغيرة فى مركز الزقازيق دون كلل أو ملل رغم اندثار المهنة وتراجع عائدها بعد انتشار الحصير البلاستيك ولم يبق من صنايعية المهنة غيره وصديقه اللذان جمعتهما رحلة «العمل والكفاح».

«امتزجت المهارة بالكد والتعب والعرق ليخرج فى النهاية منتج من الحصير يتهافت عليه الزبائن».. جملة بسيطة تلخص رحلة كفاح الحاج حسن، 78 سنة، بدأ بها حديثه معنا، موضحاً أن الصناعة تركزت فى قرية كفر الحصر وتوارثها الأجيال حتى اكتسبت شهرة واسعة وصدرت المنتجات داخل مصر وخارجها خاصة إلى ليبيا، دخل الرجل الثمانينى فى لحظة صمت وكأنه يستعيد شريط الذكريات عبر سنوات طويلة مر أمام عينيه وكأنه شريط سينمائى، وواصل الحديث بأنه عندما كان طفلاً اصطحبه والده لممارسة عمله وكان يرى جميع سكان القرية ينخرطون فى صناعة الحصير فى همة ونشاط، وتتزين وجوههم بابتسامة ساحرة بعد بيع منتجاتهم مع نهاية كل نهار وكأنهم يحصدون ثمار ما زرعوه طوال يومهم.

«حسن وعبدالرحيم»: «الحال اتغير والصناعة اندثرت وطول ما فينا نفس هنشتغل وربنا بيرزقنا».. وكنا نصدر إلى كل المحافظات وليبيا

وتابع: «قرية الحصر كانت الوحيدة التى تخصصت فى صناعة الحصير، ومن هنا أطلق عليها نفس اسم الصنعة التى اشتهروا بها فى فترة الخمسينات والستينات التى شهدت رواجاً كبيراً وغزت منتجاتهم جميع محافظات مصر حتى تم التصدير إلى دولة ليبيا حيث كان يحضر تجار من الإسكندرية يجمعون الحصير ويحملونه على سيارات نصف نقل ويتجهون بها إلى مقر عملهم وإعداده للتصدير إلى ليبيا». التقط الرجل أنفاسه وأطلق تنهيدة طويلة، ثم قال: «الحال بقى غير الحال والصناعة اندثرت تدريجياً حتى اختفت من القرية وعزف الأهالى عن الاستمرار فيها وامتهنوا أعمالاً أخرى»، مشيراً إلى أنه لم يتبق من الصناع سوى هو وصديقه الذى يكبره فى السن «عبدالرحيم أبوعامر الشرقاوى»، 85 عاماً.

يوم الرجل العجوز يبدأ مع أذان الفجر لأداء الفريضة وترديد بعض الأذكار حتى تسطع الشمس وتتسلل أشعتها الذهبية إلى غرفته عبر النافذة الضيقة لينهض ويتناول طعام الإفطار ثم يجلس مع أحفاده، ومع حلول الساعة الثامنة يتوجه بخطى متثاقلة إلى ورشته التى تبعد عن محل إقامته عدة أمتار فيجد صديقه ينتظره بوجه بشوش كعادته ويبدآن ممارسة عملهما فى الورشة حيث يجلسان على النول ويرصان السمار ويعقدانه من الأطراف بحرفية السنين الطويلة، محاولين التغلب على شيخوختهما بالاستعانة بالله ليمنحهما القدرة على مواجهة متاعب الحياة.

ويوضح الرجل الذى اشتعل رأسه شيباً ورسمت التجاعيد الكثير من عناء السنين على ملامحه وكأنها نقوش فرعونية تسطر رحلة الكفاح الطويلة فى الحياة، مراحل صناعة الحصير، بالقول: «نستخدم فى الصناعة نبات السمار الذى نحصل عليه من مزارعين فى الفيوم، وهو نبات يوجد بشكل فطرى على جانبى المسطحات المائية مثل الترع والمصارف والبرك، كما تتم زراعته عن طريق الجذور، ونقوم بتقطيع النبات إلى عيدان تتراوح أطوالها ما بين 10 أو 50 أو 80 أو 100 سم» حسب الحصيرة التى يطلبها الزبون، وبعد ذلك يتم وضعها فى حوض به كمية من المياه حتى يكتسب المرونة اللازمة لنستطيع تقسيمه ووضعه على نول عبارة عن لوحين متساويين يتم شد خيط بينهما من الأطراف وهذا الخيط أنواع منه الكتان وغيره ويتراوح طول النول ما بين مترين وثلاثة.

ويضيف أن السمار يتم نسجه على النول بشكل السطور المنتظمة وتكون متساوية السمك وعند نهاية كل سطر يتم ربط نهايات السمار بعقد خاصة تجعلها غير ظاهرة لتظهر فى النهاية بشكل جمالى، مشيراً إلى أنه يتم إضافة بعض الألوان مثل «الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر» لزركشة الحصيرة برسومات معينة تجعلها جذابة وتسر العين أكثر مثل الخطوط أو الأشكال الهندسية أو بعض الطيور والجمال وعادة ما تتوسط هذه الأشكال منتصف الحصيرة والقليل على أطرافها.

وتابع الرجل -الذى انخرط فى هذه المهنة منذ كان طفلاً يبلغ من العمر 10 سنوات: «الحُصر كان يستعملها الأغنياء لفرش منازلهم أو تعليقها على الجدران، وكانت تُفرش بها المساجد حيث كان المسئولون والأهالى يطلبون من الصناع كميات كبيرة من الحصر لفرش المساجد بكافة محافظات مصر ويكون حجمها كبيراً»، لافتاً إلى أنها كانت تستخدم كمصلاة فى المنازل وعادة ما تكون صغيرة الحجم بخلاف استخدامها لفرش أرضيات المنازل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل