المحتوى الرئيسى

المونديال وأشياء أخرى (3).. روجيه ميلا محرر العبيد

04/22 21:10

فى فبراير 1990 تم الإفراج عن الزعيم الإفريقى «نيلسون مانديلا» بعد 27 عاما من السجن، ليلهم أبناء القارة السمراء ويعطيهم الأمل فى حياة أفضل قائلًا جملته الشهيرة: «حطمتنا الحياة عدة مرات، رأينا أمورًا لمن نكن نريد أن نراها، عايشنا الحزن والفشل وذقنا مرارة الجوع، لكن الشىء المؤكد دائمًا أننا كنا ننهض أقوى وسنظل ننهض دائمًا».

تداول «شعارات مانديلا» الساعون إلى الحرية من أبناء القارة حتى وصلت للشعب الكاميرونى الذى كان يمر بأسوأ ظروف معيشية فى تاريخه، وخرج مطالبًا الرئيس «بول بيا» بتحسين الأوضاع إلا أن الرئيس كان يتحجج بأنه أكثر ديموقراطية وحرية من سابقيه، لكنها حرية لا تسمن ولا تغنى من جوع، فى ظل الجفاف وارتفاع معدلات الفساد وخفض الإنفاق الحكومى واعتماد الحكومة على المساعدات الخارجية والصناعات المخصخصة.

وسط تلك الظروف تأهل المنتخب الكاميرونى لكأس العالم التى ستقام بعد أشهر قليلة فى عاصمة الاستعباد والعنصرية سابقا «إيطاليا»، أراد «بيا» أن يحول حماس الجماهير لمتابعة منتخبها الوطنى فقام باستدعاء مدرب المنتخب «فاليرى نيبومنياشتشى» وسأله عن أى دعم يحتاجه الفريق فأجابه «فاليرى» الأمور على ما يرام وكانت ستصبح أفضل لو لم يعتزل «ميلا» منذ ثلاث سنوات.

قالها بسخرية لكن الرئيس «بيا» أخذها على محمل الجد وأعطى الأمر بأن ينضم روجيه ميلا لصفوف المنتخب، وأجرى الرئيس بنفسه مكالمة لإقناع اللاعب بارتداء قميص المنتخب مرة أخرى، وهتف الشارع الكاميرونى مرة أخرى لكن تلك المرة مؤيدين الرئيس على قرار ضم ميلا للمنتخب: «أخيرًا فعل شيئًا نريده».

من جانبه، أفضل لاعب فى إفريقيا عام 1976، صاحب الـ38 عامًا، نزل على رغبة الرئيس والجماهير وانضم لصفوف المنتخب رغم عدم قبول الفكرة لدى المدرب «فاليرى» مما جعله احتياطيًا معظم البطولة لكن ميلا فرض نفسه كأبرز نجوم البطولة، بعد أن أصبح أكبر لاعب يسجل فى المونديال.

تصدرت الكاميرون مجموعتها بفوز على الأرجنتين (حامل اللقب)، وآخر على رومانيا، فى لقاءين سجل ميلا هدفى الفوز بهما، قبل تلقى خسارة غير مؤثرة أمام السوفييت، ثم جاءت مواجهة الدور ثمن النهائى صعبة أمام منتخب كولومبيا، مواجهة انتهى وقتها الأصلى والشوط الأول الإضافى بالتعادل، وما أن بدأ الشوط الأخير حتى فجر روجيه ميلا مفاجأتين متتاليتين مسجلًا هدفين هما الأغلى فى تاريخ الكاميرون وإفريقيا كلها، هدفان فاز بهما منتخب الأسود مقابل هدف للمنتخب الكولومبى، ليصل منتخب إفريقى دور ربع النهائى لأول مرة، ما اضطر الاتحاد الدولى لزيادة مقاعد إفريقيا المشاركة فى المونديال إلى 3 منتخبات.

واصطدم أسود الكاميرون بالأسود الإنجليزية فى ربع النهائى وظل رفاق ميلا متقدمين بهدف حتى الدقيقة 83 قبل أن يحتسب الحكم ركلة جزاء بلا داع ليمنح الإنجليز التعادل فى الوقت القاتل، ثم عاد واحتسب ركلة جزاء ثانية ليهدى منتخب إنجلترا تذكرة الصعود للنهائى، فى ليلة بكى فيها مشجعو الكرة السمراء لخسارة إنجاز تاريخى كان فى المنال.

لكن يبقى إنجاز ميلا هو الأهم فى تحويل مسار الكرة الإفريقية لعالم أفضل، مواجهًا بمهارته وسرعته إشاعات تم إطلاقها للإبقاء على استعباد اللاعبين الأفارقة من قبل الأوروبيين، أبرزها أن الإفريقى أقل ذكاءً وموهبةً من الأوروبى، هكذا غير ميلا وجهة نظر العالم عن الكرة الإفريقية.

ولم ينس ميلا أن يميز أهدافه الساحرة والحاسمة باحتفال لفت أنظار جميع متابعى العرس العالمى، محتفلًا عند كل هدف برقصة «الماكوسا» وهى الرقصة الشعبية الكاميرونية التى أبهرت خيال جماهير المونديال وبقيت خالدة فى ذكرياته، وعرف بها عرس «إيطاليا 90» وصارت رمزًا للفرحة.

كان أمرًا رائعًا فى ذلك الوقت أن يسجل لاعبا فى المونديال هدفًا فى عمر يفوق الـ38 عامًا، لكن الأكثر روعة بعد ذلك أن يأتى نفس اللاعب بعد أربع سنوات بالتحديد فى عمر الـ42 عامًا، ليكسر رقمه القياسى محققًا رقمًا آخر سيصمد طويلًا، فقد تم استدعاؤه مرة أخرى لمونديال 94 بسبب الشهرة الواسعة التى حظى بيها بعد إنجازه للكرة الإفريقية، وشارك فى البطولة التى أقيمت بالولايات المتحدة الأمريكية ليصبح «ميلا» أول لاعب إفريقى يخوض نهائيات كأس العالم 3 مرات، بل تمكن من تسجيل هدف لا ينسى فى مرمى روسيا عقب نزوله الملعب بدقيقة واحدة، فى مباراة تاريخية بسبب هدف العجوز «ميلا»، وبسبب نتيجتها القاسية؛ لفوز الدب الروسى بنتيجة 6/1.

مرت السنوات، وجاءت احتفالية الاتحاد الإفريقى لكرة القدم عام 2007 بمناسبة مرور 50 عامًا على تأسيسه، وأجرى الاتحاد تصويتًا لاختيار أفضل لاعب فى القارة آخر خمسة عقود وكان الفائز «روجيه ميلا».

لاحقًا علق ميلا على الاستدعاء الأول عام 90 قائلًا: «دفعنى الشعب الكاميرونى للمشاركة لأنه شعر بأننى الوحيد القادر على تسجيل الأهداف.. لم يكن لديهم ثقة فى مهاجم غيرى ولم أكن لأخذلهم».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل