المحتوى الرئيسى

بعد واقعة تفكيك المنابر.. هل تنقذ «الآثار» المقتنيات الإسلامية بالتخزين؟

04/22 17:32

تباينت ردود أفعال الشارع المصري حول قرار مجلس الوزراء بتفكيك عدد من المنابر الأثرية، حيث سادت حالة من الغضب بين الخبراء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم تداول عدد من الصور لأعمال تفكيك منبر مسجد أبو بكر بن مزهر، حيث وصفوا عملية التفكيك بالمهينة، معتبرين القرار بمثابة تدمير لهذه المقتنيات، التي لا تقدر بثمن من الناحية الأثرية أو قيمتها من الناحية المادية.

شرعت وزارة الآثار الأربعاء الماضي في أعمال فك أحد أهم وأندر المنابر المملوكية وهو منبر مدرسة القاضى أبو بكر بن مزهر "وتنسب المدرسة إلى زين الدين أبو بكر بن مزهر، وكان ناظرا لديوان الإنشاء فى عهد دولة المماليك الجراكسة" والتى بنيت عام 1480-1479 وتقع بحارة برجوان بحى الخرنفش فى منطقة القاهرة التاريخية، ويعد المنبر قطعة فنية فريدة مكتوبا عليه تاريخ الإنشاء، ويعد واحدا من أروع القطع المملوكية على الإطلاق.

ويعد مسجد أبو بكر بن مزهر من أجمل مساجد المماليك الجراكسة، ومنبر المسجد تحديدًا تحفة جميلة بما يحويه من أشغال خشبية وصدفية شديدة الدقة والجمال، ويتميز أيضا بضخامة حجمه ودقة صناعته، كما أن المسجد بشكل عام تحفة في البناء خاصة لاستخدام السقوف الخشبية، ومن الأمور النادرة فى هذا المنبر معرفة اسم صانعه وهو عبد القادر النقاش.

رأفت النبراوي أستاذ الآثار الإسلامية عبر عن غضبه الشديد من قرار مجلس الوزراء بتفكيك عدد من المنابر الأثرية بحجة الحفاظ عليها من السرقة قائلا: "إن هذه القرارات بمثابة الهروب من الواقع والمسئولية، وهذا خطأ كبير لأن هذه المنابر قائمة منذ مئات السنوات ولم يستطع أحد أن يقوم بتفكيكها"، متسائلا: لماذا الآن؟

وأضاف النبراوي في حديثه لـ"لتحرير": لو كانت الحكومة صادقة في حرصها على هذه المنابر من السرقة فلماذا لا يتم تشديد الحراسة عليها، وأن تظل قائمة في أماكنها والاهتمام بها من خلال ترميمها وهى في أماكنها، مضيفا "هذه المنابر أنشئت لتعرض في المساجد وليس داخل المتاحف".

وتابع النبراوي طريقة التفكيك التي تمت داخل منبر أبو بكر بن مزهر: طريقة في غاية السوء وتتسم بالبدائية وبعيدة تماما عن المهنية، مشيرا إلى أن هذه المنابر سوف تلقى داخل مخازن غير مجهزة حتى تنتهي، نافيا أن تكون وزارة الآثار قادرة على تركيب هذه المنابر مرة أخرى.

وأشار إلى ضرورة العودة عن هذا القرار، لأن رئيس الوزراء ليس له علاقة بالآثار، فيجب محاسبة من يقصر في حماية تلك الآثار باعتباره يسهم في تدمير مقتنيات لا تقدر بثمن من الناحية الأثرية والناحية المالية.

وكان مجلس الوزراء قد أصدر قرارا وافق فيه على نقل المقتنيات الأثرية من المساجد إلى وزارة الآثار حفاظا عليها من السرقة، بناء على مخاطبة سابقة من وزارة الآثار لمجلس الوزراء، وبناء على الطلب وافق مجلس الوزراء على إصدار قرار يحمل رقم (110) بتاريخ 20/2/ 2018 وجاء فى نص القرار بعد مخاطبة وزير الآثار والموافقة على الطلب "تتولى وزارة الآثار توفير مستنسخات بديلة لهذه المقتنيات بمعرفتها وأن يتم ذلك من خلال لجان مشتركة ومحاضر رسمية"، ووفقا للقانون لن تكون المنابر وحدها التي سيتم التحفظ عليها بل هناك ستون قطعة أخرى موزعة بين مشكاوات وكراسى مقرئين وثريات.

الدكتور ربيع راضي مدير إدارة ترميم القصور الرئاسية، قال إن عملية الترميم للمنابر أمر في غاية الأهمية لاستمرارها والمحافظة عليها من التلف والتقادم، ولا يمكن أن تتأثر الآثار بعملية الترميم إذا تمت بشكل سليم وعلى أيدي متخصصين.

وقال راضي في حديثه لـ"التحرير": لا أعلم الجهة التي تقوم بعملية الفك للمنابر الأثرية، ولكن إن كان من يقوم بعملية الفك لجنة الترميم بالوزارة فستكون أعمال الفك والتركيب على أعلى مستوى ممكن، لأن المدرسة المصرية في الترميم ليست كما يشاع عنها، ولكن لها احترامها ومتقدمة جدا على مستوى العالم.

وتابع راضي: إذا قامت أي جهة أخرى غير لجنة ترميم الآثار بعملية الفك فهذا في حد ذاته خطأ فني وإداري، لأن عملية الفك والتغليف والتخزين من اختصاص قسم الترميم داخل الوزارة.

وأشار إلى أن معدلات التلف سوف تزيد لأنه من الناحية الفنية عملية تخزين الأخشاب تتطلب أن يتم مراعاة عدد من الأمور في أماكن التخزين منها نسبة الرطوبة ودرجة الحرارة، لعدم انتقال أي ميكروب بكتيري أو حشري أو ميكروبيلوجي أثناء عملية الفك والتخزين والتغليف.

كما تم حفظ وتشوين منبر مزهر فى مخازن متحف الفن الإسلامى بالقلعة بدلًا من مخازن متحف الحضارة، وهذه المخازن غير مؤهلة لاستقبال قطع أثرية خشبية على هذه الدرجة العالية من الأهمية، وقد وصف البعض الطريقة التي يتم بها فك المنابر بالهزلية، حيث تم نقله على عربة نص نقل مفتوحة.

وبحسب تقدير الخبراء، منبر مزهر قد يصل سعره -إن بيع كاملا فى السوق العالمية- إلى أكثر من ٤٠ مليون جنيه، نظرًا لحالته الجيدة، ووجود تاريخ الإنشاء ورنك القاضى، وهو من خشب الماهوجنى والأبانوس المطعم بالعاج.

الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، قال إن هناك الكثير من الوقائع السابقة، لسرقة عدد من المقتنيات من داخل المساجد الأثرية، منها أجزاء قيمة من المنابر، لذلك قامت وزارة الآثار باختيار الفكرة الأسهل وإزالة هذه المنابر منعًا لسرقتها.

وأضاف فؤاد لـ"التحرير": هذه الفكرة ليست عملية، فكان من الممكن ترميم هذه المنابر في أماكنها للحفاظ عليها، ويتم تشديد الحراسة عليها، مشددا على ضرورة أن يتم التفكيك على أيدي عدد من الخبراء في هذه الأمور حتى يتسنى لها إعادة تركيبها مرة أخرى على الصورة القديمة، بدلا من أن يتم تخزينها في المخازن.

وتابع فؤاد: هناك تناحر دائم بين وزارتى الآثار والأوقاف، لأن كل وزارة تتمسك بحقها في هذه المساجد، فالأوقاف لها حق إدارة المساجد أثناء أوقات الصلوات، ووزارة الآثار هي من تشرف على المساجد من الناحية المالية.

وتعد هذه المنابر ذات قيمة مالية كبيرة جدا، فقد تم رصد عملية بيع لضلفتى باب من منبر مملوكى فى صالة سوثبيز فى لندن فى إبريل الماضى وقد كان سعرهما يصل إلى مئتي ألف جنيه إسترلينى، بما يعادل خمسة ملايين جنيه مصرى.

الدكتور جمال عبد الرحيم أستاذ الآثار الإسلامية، قال إنه مع فكرة نقل المنابر الأثرية نظرا لأنها معرضة للسرقة في أي وقت، ولا تستطيع الدولة أن تعين عليها حراسة لمدة 24 ساعة، وسيتم نقلها إلى متحف الحضارة لتكون بمأمن.

وأضاف عبد الرحيم في حديثه لـ"التحرير": هذه المنابر في غاية الجمال ولكن للأسف خلال السنوات الماضية خسرنا العديد من هذه المقتنيات، نتيجة أعمال السرقة، حيث شهدت منطقة الدرب الأحمر سلسلة من السرقات، استهدفت مساجد ومنابر أثرية نادرة منها "الطنبغا المرداني"، و"جانم البهلوان"، وسبيل "رقية دودو"، مشيرًا إلى ضرورة وجود ضوابط لعملية التفكيك والتركيب مرة أخرى، ومن ثم طريقة العرض في المتاحف المخصصة، وأن تكون عن طريق أشخاص متخصصين.

ومن جانبه انتقد الدكتور إبراهيم العسال، الباحث والمحاضر في الحضارة الإسلامية بجامعة قرطبة وعضو لجنة التراث الثقافي بالاتحاد الأندلسي في إسبانيا، ما تقوم به وزارة الآثار من عمليات تفكيك للمنابر، واعتبرها صورة غير لائقة.

وأضاف العسال في تصريحات صحفية: "هذا أمر لا يصدقه عقل، أن تقوم وزارة الآثار بتفكيك هذه المقتنيات الأثرية بهذه الطريقة، كما حدث في حشوات منبر مسجد ومدرسة أبو بكر بن مزهر، فهذا مشهد مؤلم للغاية أن تتعامل الوزارة مع أهم المنابر المملوكية على الإطلاق وأقلها تعرضًا للترميم عبر العصور".

وتابع الباحث: "لو أن ما تقوم به الوزارة هو الحفاظ على هذه المنابر من السرقة كما تزعم، ما تعرض منبرا قجماس الإسحاقي وقايتباي لما تعرضا إليه، فإن الحل الجذري هو فصل تبعية آثارنا الإسلامية عن وزارة الأوقاف، وأن ينتقل تأمينها إلى وزارة الآثار شأنها شأن كل الآثار المدرجة في الدولة".

وناشد العسال وزير الآثار الدكتور خالد العناني ضرورة وقف هذه المهزلة التي تؤذي المنابر الإسلامية الفريدة، لأنه من المستحيل أن تعاد إلى أصلها وبراعة تركيبها التي كانت عليه قبل التفكيك، حيث إن جمع الحشوات بتطعيماتها وزخارفها بهذا الشكل هو في حد ذاته فن أصيل من فنون الأثر ككل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل