المحتوى الرئيسى

رحلة صناعة السفن فى رشيد.. سنوات من العمل لبناء «ركوبة البحر»

04/22 10:02

مراكب مستقرة على الشاطئ، منها ما يظهر أنيقاً فى أبهى حلَّته بألوان زاهية، ممهور عليها اسم اختاره لها صاحبها، ومنها ما زال فى طور البناء، أخشاب متراصة متعارضة ومتلاصقة، وأخرى جسد حديدى ضخم، لم يأخذ نصيبه من طلاء يزينه، سفن عملاقة وأخرى صغيرة جنباً إلى جنب، عمال هنا وهناك، أصوات مناشير الأخشاب تختلط بهدير تلاطم الأمواج، ونيران متطايرة من لحام القطع الحديدية والأسياخ، أجساد مستقرة على الشاطئ، تنتظر الخروج لتصارع أمواج البحر، هنا على شاطئ رشيد تولد السفن داخل ورش عملاقة، وترسانات لصناعة ركوبة البحر، صناعة طويلة الأمد، يصمد أربابها لسنوات من أجل أن تخرج من مرساهم نحو البحر مركب واحدة.

داخل إحدى تلك الورش، جلس «مصطفى محارم» يحتسى كوباً من الشاى، على أريكة ويستظل بمركب عملاق فى طور البناء، يقول إنهم ما زالوا يعتمدون على الطرق البدائية، حيث يستغرق المركب من عام ونصف العام لثلاث سنوات، وبعض المراكب تحتاج أكثر من ذلك، وخاصة مراكب الصيادين: «إحنا بنساعد إخوتنا وزمايلنا الصيادين وبنصبر عليهم، حد معاه قرشين دلوقتى نبدأ نشتغل فى المركب بالفلوس اللى معاه، ولو تعثر نصبر عليه شوية».. فمركب لصياد رشيد يعتبرها مشروع العمر وحلمه الأكبر الذى يظل يحلم به منذ بداية عمله فى تلك المهنة، مهنة ركوب البحر: «فيه مراكب ممكن تخرج بعد 4 سنين، بحسب استعدادك وفلوسك».

30 ورشة يعمل بها نحو 10 آلاف حرفى لتصنيع «بلنصات الصيد الكبرى» و«اللانشات السياحية»

تنتشر ترسانة صناعة السفن البدائية على شاطئ البحر بطول رشيد، ويصل عددها 30 ورشة، يعمل بها أكثر من 10 آلاف حرفى وفنى، ويتكفلون بجميع خطوات الصناعة، التى توارثوها أباً عن جد، حيث من بداية التخطيط لبناء السفينة وحتى تنفيذها مروراً بميزانية هذا المشروع الضخم يضعه «محارم» ورفقاؤه من أصحاب تلك الورشة دون الاستعانة بخبراء فى الهندسة أو أى مساعد خارجى إلا فى حالات نادرة، حين يكون هناك طلب من الخارج لمركب بمواصفات معينة غير معتادين على العمل عليها، فى ذلك الوقت يستعين ببعض المهندسين فى كلية الهندسة.

«كمال»: الصناعة كانت تعتمد على الأخشاب وحالياً تطورت وأصبح الحديد يشكل القوام الرئيسى للمركب.. و«مصطفى»: «فيه مراكب ممكن تخرج بعد 4 سنين.. وكل واحد وفلوسه.. ولو حد تعثر نصبر عليه شوية»

ويصنع «محارم» والورش فى رشيد أنواعاً مختلفة من السفن وباستخدام خامات عدة، فهناك «المراكب وبلنصات الصيد الكبرى» وهو الجزء الأكبر، وهناك «اللانشات السياحية»، وهناك أيضاً القوارب الصغيرة.

وهذا المركب يعد مشروعاً كبيراً، حسب حديث «محارم»، يشارك فيه نجار وحداد، بخلاف كهربائى سفن لضبط أجهزة التشغيل والمواتير، وكهربائى منازل لضبط إضاءة الغرف الداخلية، وتصدر تلك الورش مراكبها للخليج والسعودية وبعض دول شرق أوروبا.

محمود خضر، 30 عاماً، حرفى فى ورشة «محارم»، يشرح طريقة صناعة السفن ويقول إن صناعة المركب تبدأ من صناعة «الكيل»، وهو العمود الأساسى، ثم الهيكل العظمى، الذى يظهر فى المراكب التى لم تكتمل على شكل القفص الصدرى، أما المرحلة الثانية فتبدأ بتغليف ذلك القفص بالصاج والحديد، ثم تخليه من الداخل بالخشب لعزل درجة الحرارة، ووضع مواد عازلة على الخشب لعزل درجة الحرارة تماماً، مثل الصوف العازل، لوضع السمك دون أن يفسد، ثم تجهيز المحركات وهو الشىء الوحيد فى المركب المستورد من الخارج، ثم طلاء المراكب بالدهان.

أحمد كمال، حرفى فى إحدى الورش، يعمل فى المهنة منذ 25 سنة، يقول إن صناعة المراكب كانت بالخشب قديماً ولكن الآن تطورت المهنة وأصبحت صناعة المراكب بالحديد، وهى الأفضل رغم أن الخشب أغلى وأقيم، ولكن الحديد أكثر متانة، مشيراً إلى أن صنايعية السفن ينقرضون بسبب رفض «العيال الصغيرة تعليم المهنة»، بخلاف دخول الأدوات والمناشير وعصر السرعة: «مابقاش فيه الإتقان بتاع زمان، الواحد كان يقطع لوحة الخشب بإيديه وبحرفية وفن، دلوقتى مفيش فن وبقى الموضوع مجرد متانة ومركب تصلح للصيد من غير لمسة إبداعية».

وتعمل تلك الترسانة «على كف عفريت»، على حسب وصف «كمال»، الذى يقول إن تلك الأرض الذى يعمل عليها وبقية الورش بالقرب من الشاطئ نقلوا لها قبل سنوات من أجل إنشاء كورنيش رشيد، وأن تلك الأرض ليست ملكهم ولا يملكون عقود تأجير من الدولة: «فى أى وقت ممكن يقول لك امشى»، بل ومهددون فى أى توقيت بالطرد لاستكمال مشروع كورنيش رشيد.

صاحب إحدى الورش: «دى صناعة بتحارب عشان ماتموتش.. وإحنا جزء من ثقافة وتاريخ رشيد.. ولسه شغالين بالطرق التقليدية من أيام محمد الفاتح»

الحاج طه الجندى، صاحب إحدى الورش، يتحرك وسط العمال، يتابع عمليات تكوين المركب عن كثب، يوجه البعض، ثم يستريح تحت أحد المراكب الضخمة، يتحدث وصوت الطَّرق على الحديد داخل المراكب لا يتوقف، ويقول إن عدم امتلاك صناع السفن أرضاً يعملون عليها دفعهم للبقاء دون تطوير أدواتهم: «إحنا لسه شغالين بالطرق التقليدية من أيام محمد الفاتح»، ويستطرد: «أنا شغال فى الشمس زى ما أنت شايف مش قادر حتى أعمل جملون يضلل علىّ وعلى والصنايعية إلى شغالين معايا».

وتعد مهنة صناعة السفن جزءاً من المشروع السياحى لرشيد، حسب قول «الجندى»، فمع كل زيارة لوفد سياحى لمدينة رشيد لا بد لها من زيارة تلك الترسانات البدائية: «إحنا جزء من ثقافة وتاريخ رشيد». ويطالب «الجندى» وصناع المراكب فى رشيد بتقنين أوضاعهم، فالرجل الذى يعمل فى تلك المهنة منذ عشرات السنوات لا يمتلك أى رخصة أو ورق قانونى يثبت عمله وامتلاكه لتلك الورشة، رغم أنه يدفع ضرائب للورشة والعمالة بداخلها، بجانب دفع رسوم للحصول على تراخيص مؤقتة، ولكن وزارة الرى ترفض بناء أو وجود أى كيان رسمى على شاطئ النيل: «طب قول لى أعمل ترسانة سفن جوه فى البر إزاى يعنى، ما هو لازم تكون مطلة على بحر أو نيل».

«إحنا محتاجين دعم من الدولة، دى صناعة بتحارب عشان ماتموتش وبترفع اسم مصر فى الخارج»، ويتساءل: «نروح لمين فى الدولة عشان نقنن أوضاعنا.. إحنا علينا ضرايب وبندفع، مفيش حاجة علينا متأخرة، عايزين حقوقنا بقا»، ويقول إن تلك الأرض التى يعمل عليها اشتراها من واضع يد وسجلها فى المحكمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل