المحتوى الرئيسى

والدة الشهيد إبراهيم.. إبنى كرّمنى دنيا وآخرة ودفنته بالزغاريد   | أسايطة

04/21 12:05

الرئيسيه » بين الناس » والدة الشهيد إبراهيم.. إبنى كرّمنى دنيا وآخرة ودفنته بالزغاريد  

فى “عزبة الشهيد” إحدى عزب قرية الهدايا بمركز أسيوط وعلى مقربة من مدرسة تحمل اسمه، يلوح منزل الشهيد إبراهيم عبداللطيف أحد أبطال معركة أبوطويلة بالشيخ زويد بشمال سيناء فى أكتوبر 2016، ومن داخل غرفته بدأ حديث والديه عن سيرته العطرة.

“الأسايطة”، التقت والدايه ورفيق النضال للتعرف أكثر على حياه البطل ليكون البطل الثالث فى سلسلة “أنا الشهيد” عبر التقرير التالى:

كانت ثابتة محتسبة يشع من عينيها الفخر ببطولة إبنها الذى استشهد مناضلا وحفر ببطولته اسمه فى كتاب أبطال مصر، وتؤكد أن إبنها حى كما وعد الله، وأن آخر وصاياه كانت ألا تدمع وستنفذها وإن كان قلبها يدمى ألما على فراقه.

وبدأت حديثها قائلة: “ابنى كرَمنى دنيا وآخرة وراح فدا الوطن وإحنا وطنيين وبلدنا لسه محتاجة مننا كتير”، إبراهيم إبنى السابع والأخير ويكبره خمسة أولاد وبنت، وأشرق بوجهه على الدنيا فى الأول من يناير 1990، كان عقله أكبر من سنه، طموحا منذ طفولته ومحافظا على ما فى يده وليس بكثير الطلب، وفى سن الثامنة أتم حفظ القرآن، ولم يترك فرضا منذ طفولته حتى صلاة الفجر.

تتابع الأم: فى طفولته كنت أخشى أن أوقظه وهو نائم لأننى كنت أرى نورا يشع من وجهه “كان وشه بيبقى منور فى الحيط زى لمبة الكهربا”، كما أنى رأيت رؤية بعد ولادته  “ساعة ولدته جاتلى زى حالة إغماء روحت فى غفوة  لقيت نفسى واقفة وسط ناس شكلهم غريب عن باقى الناس وشهم أبيض متشرب باللون الأحمر ومنور الله أكبر فى حياتى ما شوفت زيهم ولابسين أبيض ولهم دقون بيضة وخدوا منى إبراهيم ولفوه فى وشاح أبيض عليه وسام أخضر، صرخت وقولت له هتاخد ابنى منى؟! ده أنا لسه ولداه وشربت فيه المر، فقالى ده مش ابنك ده ابننا إحنا، ومروا على ناس عادية بتحفر حفرة واحد من الناس قال لهم ادفنوه هنا فقالوا لا ده هيطير فى السما، وبعدين مشيوا وأنا  وراهم عايزة ابنى لغاية أول السكة عندنا ونزلوه ولبسوه شنطة المدرسة وراح عدى البحر من الغرب طلع على الشرق وأنا أصرخ وأقول يا ولدى وهما يقولوا يا ستى مش ابنك، قولت لهم ابنى هيغرق فقالولى مش هيغرق ده بحر العلم وبعدها طلع إبراهيم من الميه وأنا لسه هصوت قالوا متصوتيش زغرتيله، وزغرت تلات زغاريت وقلت له طب هاته خلاص قالى لا ده مش ليكى ده للسما وراح حطه على كفه وفجأة لقيت إبراهيم طاير فى السما، والتلات زغاريت اللى زغرتهم ليه فى الحلم زغرتهم ليه وأنا بدفنه”. ولم أروى هذا الحلم إلا بعد استشهاده

شيخ وقور فى الستين من عمره جلبابه أبيض وشال رأسه أبيض، وتكسو وجهه لحية بيضاء ولا تفارق يده مسبحته كما لم تفارق عينيه الدموع، وتكسرت كلماته بفعل شهقات الحزن، وما بين يد تمسح الدمعات ويد تسبح لله بدأ حديثه قائلا:  “إبراهيم كان عكازنا” كان أصغر أبنائى ولكنه كان سند البيت، وكنت أرى النور بوجهه وهو نائم منذ طفولته حتى شبابه. وفى شبابه كنت أستحى أن أدخل عليه المضيفة بسيجارتى من كثرة احترامه لى.

كان منظما فى كل شيئ، وفى طفولته كان يخصص لنفسه ساعين للعب فى اليوم ويوزع باقى وقته ما بين حفظ وقراءة القرآن وما بين المذاكرة، وكان محبا للابتكار والاختراع، واجتاز كل مراحل دراسته ولم أسمع عنه أى شكوى “إبراهيم ملوش وصف”. ومن الصف الأول الابتدائى حتى نهاية دراسته “مفيش يوم يا إبراهيم طلبت منى ربع جنيه، وأقول له خد يا ابنى برضو مبيحبش يضيع”

أغرورقت أعين الأب بالدموع قائلا: “إبراهيم كان نفسه يطلع ظابط طيار”، وقدم فى الكلية الحربية واجتاز كل الاختبارات ولكن المصروفات كانت أعلى من طاقتى فلم يخبرنى حتى لا يحرجنى  ولم يحزن ولم يحملنى أى ذنب، “ولما سألته كنت فين يا إبراهيم قالى كنت فى مشوار يا أبوى ومتزعلش، “مرضيش يجرحنى، الله يرحمك يا ابنى”. ودخل كلية الشريعة والقانون ولم يخبرنى يوما بمصروفات دراسته فكان يعمل ليلا بالمدينة الصناعية لتوفير مصروفاته ويذهب لجامعته فى الصباح ويقول لى “أنا دفعت مصاريف الكتب يا أبويا ميكونش عندك فكرة”. وكان يعمل واقفا على قدمه طوال الليل لآذان الفجر، فلم يعتد على الراحة قط، وفى ساعتى الراحة كان يقرأ فى مصحفه.

يتابع الأب: “كل حاجة فيك يا إبراهيم حلوة”، لا يجرح أحد أبدا حتى لو كان آكلا لماله فيقول “يمكن محتاجهم لعياله”، كنت دوما أناديه بـ “خليل” وبعدما شب كان يقول يا أبى “إرفع المخدة” وخذ ما تريد من المال ولو أخذت قليل يقول يا أبى خذ أكثر فالمال مالك. وكان ابنى عاشقا للمسك وأسمى نفسه على الفيس بوك “حامل المسك”

تستأنف الأم حديثها وعلى وجهها ابتسامة رضا: إبراهيم كان متفوقا فى دراسته وبعد الجامعة حصل على دورة تدريبية بالجامعة الأمريكية فلقد كان عاشقا لمجال الكمبيوتر حتى جعل منه مجال عمله ونبغ فيه. وافتتح محل يعمل فى هذا المجال وهو فى الصف الثالث الثانوى بمشاركة أصدقائه، فكان دوما رجلا يُعتمد عليه وكنا نثق به جدا فهو لا يعرف فى حياته إلا الصدق، وكانت كلمة “الله المستعان” لا تفارق حديثه “وطالما قالها أى حاجة فى إيده بتتحل”.

وفى الصف الثالث الثانوى كان فى رحلة ففحص جهاز لاب توب خاص بسائح وأصلحه بعدما يأس السائح من إصلاحه، فقال له السائح ما رأيك أن تسافر معى أمريكا وسيكون لك راتب كبير؟ فقال له إبراهيم: “أنا اتولدت فى البلد دى وهموت فيها”.

وهنا يذكر الوالد: كان إبراهيم بارعا فى مجال إصلاح أجهزة الكمبيوتر وكانت هوايته منذ طفولته، وحتى السيارات برع فى إصلاحها وكان حلمه افتتاح محل لإصلاح السيارات. وفى الجيش كان يستخدم الآر بى جى وقال  “هو السلاح اللى هستشهد بيه” وحقا استشهد إبنى دفاعا عن الوطن.

فجأة نهضت الأم ثم لفت كتفيها بالعلم الذى كان يغطى كفنه واستأنفت حديثها: كان إبراهيم أمينا ودقيقا فى عمله، طموحا وقليل الكلام، أكثر شيئ كان يحبه هو إمساك السلاح وكان يتعامل مع بندقة الصيد بحرفية. كان إبنى إنسانا بمعنى الكلمة ويميل إلى حماية الإنسان وما من مرة رأى فيها فتاة تتعرض لمضايقات إلا وحماها. يُجالس أعلى الرتب وله مكانته بينهم لنبوغ عقله وثقافته ورزانته.

ويعاود الأب حديثه: إبراهيم بحر فى العلم وفى الدين  “كان واصل مع ربنا”، ولا يترك مشكلة بين إثنين حتى يحلها، ومن يوم استشهاده “تعبت يا بتى” ولكن هذا أمر الله.

لم يتوقف بريق حب إبراهيم عن اللمعان فى عينيها، ولم تتوقف يداها عن احتضان إبراهيم كلما ذكرت اسمه فتضم راحتيها ناحية قلبها وكأنها تحتضنه وتتابع حديثها: فى آخر أجازة “كنت عارفة إن إبراهيم رايح”، فلقد مُنح أجازة عشرة أيام ثم اتصل به القائد أحمد المنسى وقال له “يا إبراهيم خليك مع أمك أربع أيام تانى، وذات مرة قولت له يا “إبراهيم يا ولدى بيقولوا الجيش بيضرب فى بعضيه، فقال لا يا أمه مستحيل طبعا إيه العبط اللى بيقولوه ده؟!”

تتابع الأم: طوال رمضان كان يدعو “اللهم نولنى الشهادة”، وأخبرنى زميله أنه فى وقت المطر يرفع يديه ويقول “اللهم نولنى الشهادة”. وذات مرة قال لى يا ليتنى أستشهد يا أمى فقولت له بالله لا توجع قلبى عليك  “فقالى يا أمى حتى يقولوك يا أم الشهيد”.

وكان إبراهيم مع الأبطال أحمد منسى ورامى حسنين وكان يعشقهم ودوما يحدثنى عنهم بشغف وعن تواضعهم وحسن معاملتهم للجميع  وحدد موعد زفافه فى 30يناير بعد انتهاء خدمته كى يحضره القائدين، وطوال جيشه كنت أخاف عليه كثيرا “على طول حاسة حاجة رايحة منى”

انخفض صوت الأب وتتابعت دمعاته قائلا: “محدش كان مصدق إن إبراهيم استشهد ولغاية ما جه هنا وأنا دماغى دايرة”،  أبلغوا أخيه الخبر  بالتليفون، وكان إبراهيم قد أوصى أخيه أن ينتقل من أسوان للعيش معنا ليرعانا، واستقبلت خبر استشهاده بقول إنا لله وإنا إليه راجعون وقولت يارب أنزل فى قلبى الصبر، وحتى اليوم “بحس إن دماغى بتطلع من بعضها” ولكنى أتذكر الله فأهدأ،  وإبراهيم هو الذى طلب الشهادة  ولهذا “قلبى بارد شوية”، إبنى أصابته طلقة واحدة فى الصدر ونطق الشهادة ثلاث مرات وقال لزميله “خُذ المتعدد وروح كمل”.

وحول آخر مكالمة للشهيد تروى الأم: فى يوم استشهاده ظل  يحدثنى طوال اليوم على مرات متفاوتة فحدثنى خمس مرات، ثم قال لى “والله يا أمى ما أجيلك ملفوف بعلم مصر وما تزغرتيلى لأكون خصيمك أمام الله، مش عايزك تنكسرى قدام الناس”، وتحدث إلى خطيبته وإخوته وأوصاهم علينا،  وفى هذا اليوم “حسيت إن ابنى مش هيرجع لحضنى تانى”، ثم حدثنى ثانية فى تمام الساعة 2.38 دقيقة ظهرا وقالى لى “حاجتى اللى جوة يا أمه محدش يتصرف فيها اللابات والأجهزة حافظوا عليها عشان فى إبراهيم تانى جاى”، ثم قولت له متى ستأتى أجازة  فقال “مش كنت عندك 15يوم طيب أنا بكرة جايلك” فقولت “تيجى بالسلامة” فرد قائلا “مش عايزك تزعلى فقولت عمرى ما أزعل منك يا إبراهيم”. وبعدها جلست على “الدكة” وبداخلى شعور أن شيئا ضائع منى  ولا أجده.

تتستأنف حديثها: وفى المغرب وجدت إبنى يهرول ناحيتى فعلمت أن إبراهيم قد استُشهد قبلما ينطق بالخبر وقولت “إنا لله وإنا إليه راجعون” ومنعت أى إمرأة أن تصرخ وقولت لهم ابنى “عريس الجنة”.

تتابع الأم: ذهبت لاستقبال إبنى فى المطار “وأول ما نزل المقدم رامى حسنين سأل أين أم الشهيد فقولت له أنا هنا وقولت “بأمانة قولى لو ولدى كان واخد بتاره أزغردتله ولو ماوخدش بتاره هرب طين وأشيله” فقال يا حاجة إبراهيم قتل 67واحد، “ياحاجة شهيد بيودع شهيد أنا جاى أسلمك إبنك ورايح اسشتهد”، وبالفعل استشهد بعدها بأيام.

تواصل الأم حديثها: فى يوم دفن ولدى “كانت ملايكة السما والأرض طالعة وراك يا إبراهيم” كانت السيارات من هنا حتى المدينة الصناعية، وعندما وجدتهم يُنزلون النعش هرولت للسجود لله لأنه وصل إلىّ وفجأة النعش ارتفع لأعلى وحده على مرأى الجميع ظنا منه أنى سأحمل التراب على رأسى وفور سجودى نزل النعش وحده والناس كلها تعجبت مما حدث.

كنت دائما أزغرد له عند عودته بعد غيبة وعند دخوله المقبرة زغردت له ونفذت وصيته ولم أزرف دمعة واحدة كنت قوية بالله فأنزل الله على قلبى السكينة.

أردت نزول القبر أتلقاه فقالوا هذا مشهد صعب عليكِ فقولت “أنا مش تعبانة أنا وطنية وقولت للقائد هروح معاكم آخد بتار ولدى”، فقبّل المقدم رامى رأسى وقال “يا أم الشهيد يا بطلة إنتى بطلة وابنك بطل”.

أحمد كمال، مصاب عمليات حربية فى سيناء، رفيق الشهيد فى خدمته بالجيش وأقرب صاحب له، يروى عن رفيقه: إبراهيم رفيقى منذ أول يوم فى مركز التدريب وكان أقرب الأصدقاء إلىّ وكنا سويا فى اللواء 135مشاه، وحتى فى فرقة الصاعقة.

لم يكن إبراهيم يترك فرضا وكان دائم القراءة للقرآن الكريم وكنا نلقبه بالشيخ إبراهيم، كان شجاعا مثابرا يُعتمد عليه، ودقيقا فى مراقبته متميزا لدى قادته، وفى يوم استشهاده اتصل بأهله وخطيبته وظل يتحدث مع أمه كثيرا. إلى أن جاء يوم المعركة واخترقت صدر إبراهيم طلقة غدر رصاصة قناصة دخلت الجانب الأيمن وخرجت من الناحية الأخرى واستشهد على قدمى “الله يرحمك يا صاحبى”.

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل