المحتوى الرئيسى

مشاهد من «هولوكوست» اللاجئين الأفارقة فى إسرائيل

04/20 22:17

ترى الأوساط اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل أن المهاجرين واللاجئين الأفارقة إلى الكيان الصهيونى، الذين يسافرون إليها طلبًا للعمل، بمثابة «أزمة كبرى»، خاصة لو طالب هؤلاء بحقوقهم، وتضاعفت أعدادهم بصورة كبيرة.

هذه الفكرة «العنصرية»-غير الغريبة على الكيان الصهيونى- عبر عنها بوضوح «موتى كاربل»، أحد زعماء «اليمين»، بقوله زاعمًا: «العرب هاجروا إلى بلادنا من أرجاء الشرق الأوسط أثناء العهد العثمانى، بتشجيع من سلطات الانتداب البريطانى، وهذا قابل للتكرار مع مهاجرى العمل الأفارقة».

وأضاف، مستكملًا مزاعمه فى المقارنة بين العرب - أصحاب الأرض الحقيقيين- والمهاجرين الأفارقة: «علينا ألا نخلق هنا مشكلة فلسطينية جديدة.. سيقول المهاجرون الأفارقة إنهم هم الكنعانيون، سكان وأصحاب هذه البلاد الأصليين، وسيطالبون أيضا بحقوقهم الطبيعية».

لذا،كان من الطبيعى أن تنص القوانين الإسرائيلية على إبعاد آلاف طالبى اللجوء إلى دول أخرى، بجانب اعتقالهم وسجنهم، ومواجهتهم بمجموعة أخرى من مظاهر الاستهداف.

سجون خاصة لاعتقالهم.. السلطات ترفض طلبات لجوئهم.. ومفاوضات لطردهم إلى دول إفريقية

كشف قرار الحكومة الإسرائيلية، الصادر أواخر العام الماضى، بطرد طالبى اللجوء من الأفارقة، إلى خارج البلاد، عن حقيقة مفادها أن سياسات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أصبحت أسيرة فى يد القوى اليمينية الأكثر تطرفًا من حزبه «الليكود»، وتحكم هذه القوى فى توجهات الحكومة.

وأجرت حكومة «نتنياهو»، المشكلة من تحالف يضم عددا من القوى اليمينية المتطرفة، مفاوضات موسعة مؤخرا، مع عدة دول إفريقية، تتضمن تهجير طالبى اللجوء إلى إسرائيل إليها، من بينها رواندا وأوغندا، وإن كانت هذه المفاوضات قد باءت بالفشل.

نتيجة لذلك، قررت المحكمة العليا فى إسرائيل، منح الحكومة مهلة قصيرة، للتفاوض مع دول جديدة لترحيل الأفارقة إليها، كما قررت الإفراج عن ٢٠٧ أشخاص من طالبى اللجوء المقبوض عليهم لدى السلطات، واستمرت فى احتجاز ٨ آخرين، بسبب توجيه تهم جنائية إليهم.

وأشارت تقارير إعلامية، فى هذا السياق، إلى بدء التفاوض مع زامبيا لاستيعاب المهاجرين وطالبى اللجوء من الأفارقة، خاصة أن عدم نجاح الحكومة فى حل الأزمة قد يتسبب فى مشكلات حادة داخل إسرائيل، التى ماطلت أجهزتها فى قبول طلبات اللجوء المقدمة إليها منذ عدة سنوات، بل افتتحت سجونا خاصة تضم مرتكبى الجرائم الجنائية من ذوى الأصول الإفريقية.

ورغم الانتقادات المستمرة لمواقف الحكومة وتوجهها المعادى للأفارقة، إلا أن وزير الداخلية، آرييه درعى، صرح مؤخرا بأن الحكومة لا تنوى طرد اللاجئين، بل تعاملت معهم بشكل جيد، وتحاول إعادتهم إلى مكانهم الطبيعى، داعيا دول العالم إلى تعلم كيفية معاملة اللاجئين من تل أبيب.

وحول الأزمة، كشف الكاتب «نداف آيال» فى مقاله بجريدة «يديعوت أحرونوت» عن أن عدد طلبات اللجوء إلى إسرائيل بلغت ١٥ ألفًا، فى حين لم تتم الموافقة سوى على ١١ طلبًا فقط من بينها، فى حين لم يخضع أكثر من نصف هذه الطلبات للفحص من الأساس.

ووضع الكاتب مقارنة بين استجابة العالم لطلبات اللجوء وتعامل الحكومة الإسرائيلية مع القضية، مؤكدا أن دول العالم الغربى تستجيب لأكثر من ٩٠٪ من طلبات اللجوء المقدمة إليها من مواطنى دول مثل إريتريا، وأكثر من ٥٥٪ من السودان، على عكس إسرائيل التى تتعمد التضييق على أصحاب هذه الطلبات، وتتفنن فى تعقيد الإجراءات الحكومية.

بدوره، قال المحلل «مردخاى كرمنتسر»، فى مقال بـ«معاريف»: «قوى اليمين تقف خلف الفكرة التى تبنتها حكومة إسرائيل، فى طرد اللاجئين، لكونها ترى أن الدول الإفريقية هى من يجب أن يتحمل عبء استضافة هؤلاء الأفارقة».

وأضاف «كرمنتسر»: «المحكمة العليا تحاول فرض القانون على سياسات الحكومة، التى تتعامل مع اللاجئين بشكل غير إنسانى، بعد أن تحولت حياتهم إلى جحيم، فى ظل رفض الجهات المسئولة منحهم حق اللجوء أو التوظيف، وتفضيلها تركهم فى الشوارع، ودفعهم نحو الجريمة وإيداعهم السجون».

من جهتها، قالت صحيفة «هآرتس»- فى افتتاحيتها- إن الحكومة العبرية تبذل كل ما فى وسعها لدفع الأفارقة إلى اليأس، وطلب الرحيل، كى توجه رسالة إلى غيرهم من الباحثين عن الذهاب إليها، للتوجه إلى أماكن أخرى.

وذكرت الكاتبة «أورلى فلنائى»، فى مقالها بالصحيفة، أن سياسات الحكومة تعمل على دفع مواطنيها إلى التعامل مع البشر بـ«شر»، يعتمد على العنصرية واللون، خاصة أن الدولة أنشأت سجونا للسود، لكونهم سودا فقط، فى حين تقبل دمج المهاجرين إليها من البيض وسكان شرق إفريقيا، لكونهم بيضا فقط.

وزيرة الثقافة تُحرض السكان فى الجنوب ضدهم.. وإهمال مدنهم بهدف إجبارهم على المغادرة

تعد مدن جنوب «تل أبيب» دائمًا وجهة اللاجئين الأفارقة، ومؤخرًا تعالت الأصوات السياسية التى تنادى بضرورة الاهتمام بتلك المدن، فى ظل إهمالها التام من قبل الحكومة الإسرائيلية.

وذكرت تقارير عبرية أن حكومة «نتنياهو» تتعمد عدم مد هذه المدن بالخدمات والحاجات الأولية، ثم تظهر وكأنها تنفذ خطط تطوير «وهمية»، وتتخذ من ذلك مبررًا لتهجير الأفارقة، بداعى تطويرها والحفاظ على حياة القاطنين فى تلك المدن. وجاء فى تقرير «مراقب الدولة» لعام ٢٠١٣: «هناك انعدام للمسئولية وإهمال مطلق تجاه احتياجات سكان جنوب تل أبيب». وأبرزت صحف عبرية مؤخرًا، أن وزيرة الثقافة «ميرى ريجيف» تقود حملة لإثارة النزاع بين مؤيدى اللاجئين وسكان الأحياء فى جنوب «تل أبيب»، حتى تصبح اعتراضات هؤلاء السكان ذريعة للتخلص من الأفارقة.

فى السياق ذاته، انتقد «يوسى دهان»، فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، تعيين «نتنياهو» لـ«أفيجدور يتسحاقى» رئيسًا لمديرية إعادة تأهيل جنوب «تل أبيب»، موضحًا: «يتسحاقى شغل حتى وقت قصير مضى منصب رئيس قيادة السكن لدى وزير المالية موشيه كحلون، وكان يمكنه أن يعمل الكثير لحل مشكلة السكن فى جنوب تل أبيب، غير أنه لم يحرك ساكنًا فى حينه، فما الذى سيفعله الآن؟». وخلص بأن التعيين ضمن خطة «نتنياهو» لتهجير الأفارقة القاطنين فى مدن الجنوب، بزعم تطوير المدينة.

وأضاف «دهان»: «القلق المفاجئ من رئيس الوزراء على سكان جنوب تل أبيب يتناقض مع السياسة الاقتصادية والاجتماعية التى يقودها، فى ظل أن كثيرا من سكان جنوب المدينة الذى ينتمون إلى أسفل السلم الاجتماعى والاقتصادى فى إسرائيل هم ضحاياها المركزيين»، مشيرًا إلى أن «نتنياهو وحكومته هم من أرسلوا طالبى اللجوء الأفارقة إلى تلك المدن». وحذر «ناحوم برنياع»، فى مقاله بنفس الصحيفة، من تكوين «جيتو إفريقى» فى الجنوب، وقال: «الجدار، الذى بدأ بناؤه فى عهد حكومة أولمرت واستكمل فى حكومة نتنياهو السابقة، أوقف تماما تدفق المهاجرين، ويشكلون حاليًا أقل من نصف بالمئة من سكان الدولة، لكن الأزمة الحقيقية هو تجمعهم فى مكان واحد وخلق جيتو إفريقى فى جنوب تل أبيب»، متهمًا الدولة بخلق هذا «الجيتو»، مطالبًا إياها بتفريقه. وكشف عن أنه التقى قبل شهرين الناشطة «شولا كيشت»، التى تقود حملة فى جنوب تل أبيب ضد الإبعاد، ووقفا معًا فى وسط أحد الأحياء ورفعت «شولا» لافتة كتب عليها: «جنوب تل أبيب ضد الإبعاد»، مضيفًا: «بينما توقعت أن الإسرائيليين الذين يسكنون الحى سيتجادلون معها أو سيهددونها، إلا أن المارة وقفوا وأبدوا موافقتهم على المبادرة، وهو ما أوضح وقتها لكثيرين، بأن الإسرائيليين الذين يسكنون مدن جنوب تل أبيب منقسمون، بعضهم يريد إبعاد الأفارقة وبعضهم لا».

نتنياهو يختار التنكيل بهم إرضاءً لليمين المتطرف.. ومُقترح بتأهيلهم فى «الأشغال الشاقة»

«لعبها سياسة».. هكذا تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو- المعروف بانتهازه الفرص لتحقيق أكبر قد من المكاسب- مع الأفارقة.

واتبع «نتنياهو» سياسة قاسية للغاية تجاه طالبى اللجوء من القارة السمراء، بهدف كسب أصوات اليمين المتطرف مرة أخرى، فى ظل التوترات المحيطة به، والتى يتعلق بعضها بقضايا فساد، والأخرى بـ«مسيرات العودة» فى قطاع غزة، بالإضافة إلى خطة السلام المقترحة والتى يرفضها اليمين.

المحلل الإسرائيلى فى جريدة «معاريف» العبرية، «يورم شيفتل»، وصف سياسة «نتنياهو» مع الأفارقة من طالبى اللجوء بـ«المتذبذبة»، موضحا أنه فى البداية قرر إبعادهم إلى دولة ثالثة ثم عقد مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة اتفاقا لإبقائهم، قبل أن يلغى هذا الاتفاق، الأمر الذى أظهر رئيس وزراء الاحتلال كأنه «مشوش».

وقال «شيفتل»، إن الاتفاق الذى انهار فور ولادته كان سيطلق إشارة شبه مؤكدة لملايين الأفارقة المنكوبين بالبطالة والفقر، بأن إسرائيل هى مكان لجوء آمن لهم، أو كـ«بديل لمحطة عبور مدللة إلى أوروبا».

من جانبه، يرى الكاتب اليسارى «جدعون ليفى»، فى مقال بجريدة «هآرتس» أن من ينتقدون سياسة رئيس الوزراء هذه لا يعترفون بأنه يعبر عن رغبة الشعب، وشرح: «نتنياهو فهم أن غالبية الشعب تريد تطهيرًا عرقيًا فى تل أبيب ووطنية وعنصرية وقسوة، إنه أدرك أن القاعدة الجماهيرية والناخب والغالبية يريدون الشر».

وربط «ليفى» بين ما يحدث فى قطاع غزة وما يحدث فى جنوب تل أبيب، «ففى الحالتين، الإسرائيليون لا يرون بشرًا مثلهم يقفون أمامهم، الغزى والإفريقى هم أقل من مستوى البشر، ليست لهم أحلام، ليست لهم حقوق، وحياتهم لا تساوى أى شىء».

وأضاف لتوضيح وجهة نظره: «السود فى جنوب تل أبيب لا يُعاملون كسكان، فنتنياهو ركب على موجة هذه المشاعر الحاقدة للجماهير وأشعلها، إذ إنه لم يكتف بالتضييق على الأفارقة بل عمل على التنكيل بهم وحبسهم»، لافتا إلى أن رئيس وزراء الاحتلال «بدلًا من مساعدة هؤلاء على الذهاب إلى أوروبا أو كندا، يبحث الآن ترحيلهم إلى دولة إفريقية أخرى».

فى السياق ذاته، اقترح كُتاب إسرائيليون عدة حلول لطالبى اللجوء، بدلًا من ترحيلهم، مثل أن يتم استيعابهم فيما أطلقوا عليه «الأعمال السوداء»، وهى التى يرفض الإسرائيليون العمل بها، مثل البناء والزراعة.

وكتب «درور بن يمينى»، المحلل السياسى، فى مقاله بجريدة «يديعوت أحرونوت»، منتقدًا إلغاء الحكومة الإسرائيلية قانون «الأمانة»، الذى كان يسمح لطالبى اللجوء بالعمل بكرامة، وفى الوقت نفسه يحفظ نسبا مئوية من أجورهم داخل صندوق خاص بهم، لدفع المبالغ المتراكمة لهم فى اليوم الذى يقررون فيه المغادرة.

واعترف «يتسحاق ليئور»، فى مقاله بجريدة «هآرتس»، بأن الذى يقف وراء منع آلاف الأفارقة من التوطين فى إسرائيل هى شركات الموارد البشرية، التى تستورد عشرات الآلاف من العمال كل سنة، ووجود الأفارقة يمثل خطرًا على مكاسبها، فسعت بدورها إلى إثارة الجماهير والإعلام ضد أصحاب البشرة السمراء.

أما «جاد ليئور»، فكتب مقالًا مطولا فى جريدة «يديعوت أحرونوت»، اقترح فيه الاحتفاظ بالآلاف من طالبى اللجوء فى منشأة «حولوت» أو فى معتقلات مؤقتة، وتأهيلهم لتنفيذ الأعمال الضرورية للاقتصاد، فى مجالات البناء والزراعة وتطوير البنية التحتية، ليشكلوا بذلك بديلًا مناسبًا عن استيراد العاملين الأجانب إلى إسرائيل، الذى يكلف الدولة عشرات الملايين سنويًا وربما أكثر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل