المحتوى الرئيسى

جنوب السودان.. أزمة متصاعدة وعنف ينذر بحرب أهلية

04/19 21:07

من الواضح أن دولة جنوب السودان تواجه أخطر أزماتها الداخلية منذ ولادتها فى يوليو عام 2011، كما يبدو أنها حملت بذور أزمتها معها عندما انفصلت عن الشمال، فالانفصال الذى جرى تسويقه بوصفه حلا لهيمنة الشمال العربى المسلم على الجنوب المسيحى الإفريقى، لا يبدو أنه أنهى مشاكل الدولة الجنوبية الوليدة، ما يعنى أن مقاربة الحل بالانفصال، لم تكن صحيحة أصلا، فلم تمض على الدولة الجديدة بضع سنوات حتى دخلت فى صراع مرير وطويل، بسبب النخبة القبلية التى تتصارع على السلطة والثروة، مما أدخل جنوب السودان فى صراع مفتوح وأزمة إنسانية واقتصادية كبيرة، بل وتحولت إلى مصدر قلق وتدخل إقليمى ودولى.

أبعاد الصراع فى جنوب السودان

بدأت ملامح الصراع الحالى فى جنوب السودان تتشكل تحديدا فى شهر فبراير من العام 2013، عندما أعلن نائب رئيس الأسبق رياك مشار، نيته فى الترشح لرئاسة الحركة الشعبية فى الانتخابات القادمة ضد الرئيس سلفاكير فى 2015. وجاء إعلان مشار بعد أنباء داخل الحجر المغلقة مفادها أن الرئيس سلفاكير يطمع فى إزاحة خصومه من النخب الأكاديمية فى الحركة الشعبية من الحكومة، لكثرة الانتقادات التى أصبحت تمارس علنا من قبلهم لقيادات الحركة. ونتيجة لخطأ قاتل ارتكبه سلفاكير وقتئذ وهو استجابته للتحريض من قبل المقربين منه ضد نائبه مشار عقب إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية فظن أن إعفاء الرجل من منصب النائب الأول سيخلصه منه إلى الأبد.

وبعد إبرام اتفاق السلام بين الرئيس سلفاكير ونائبه ريك مشار فى أغسطس 2015، على النحو التالى:

2-منح منصب نائب الرئيس لزعيم المعارضة المسلحة.

3- تشكيل لجنة للمصالحة ومحكمة لجرائم الحرب بالتعاون مع الاتحاد الإفريقى، حتى يتم إجراء الانتخابات العامة فى عام 2018. 

4- مغادرة جميع القوات الأجنبية المشاركة فى الحرب.

5-وضع آلية مراقبة وتقييم تنفيذ الاتفاق.

6- إخلاء العاصمة جوبا من قوات الطرفين (الحكومة والمعارضة المسلحة).

ويمكن الإشارة إلى بعض بنود الاتفاق بالنسبة لأطراف الصراع:

تشكيل النظام الفيدرالى، الهيكل التنفيذى، السلطة التشريعية، والترتيبات الأمنية، وتقاسم السلطة الثروة على نحو (53% للحكومة، 33% للمعارضة المسلحة، 7% للأحزاب السياسية، و7% لمجموعة السبع)، أن تكون مدينة جوبا منزوعة السلاح، أن تكون المؤسسة العسكرية على بعد 25 كيلو مترا من جوبا، والفترة الانتقالية، تكوين رئاسة مفوضية الدستور، الانتخابات وإدارة الثروة القومية، بالإضافة إلى جيشين للحكومة والمعارضة خلال الفترة الانتقالية.

ولكن سرعان ما تجددت الاشتباكات مرة أخرى فى يوليو 2015، فى القصر الجمهورى فى العاصمة جوبا بين قوات الرئيس سلفاكير ونائبه، ووهنا يمكن الإشارة إلى أن الاتفاق السابق الذى أبرم بينهما كان هشا، وفى نفس الوقت يبرهن على عدم الثقة بين الأطراف المتصارعة للعديد من الأسباب منها:

- وجود جيشين، وشرطتين وجهازين أمنيين، فى دولة واحدة، لكل من الرئيس سلفاكير ونائبه. 

- ضعف محفزات التعايش السلمى.

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الاتفاق الأخير بين طرفى الصراع فى جنوب السودان، تفاقمت الحرب الأهلية، حيث انشقت بعض قيادات من الجيش الشعبى، كرئيس الأركان الجنرال بول ملونق، وأعلن عن تشكيل جبهة سياسية وعسكرية جديدة فى دولة جنوب وأطلقها عليها اسم السودان المتحدة، فيما لجأ الجنرال توماس سريلو نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق، لتأسيس جبهة الخلاص فى مارس 2017، كلاهما أصبحا جزءًا آخر من الصراع، فضلا عن العديد من الانقسامات فى داخل الجيش الشعبى. 

ومع تجدد الصراعات مرة أخرى خاصة بعد ظهور انشقاقات، مما قد يؤدى إلى استمرار صراعات جزئية تؤثر على السلام والأمن القائمين، خلال تلك المرحلة التى يسود فيها الحذر والتوجس بين الشركاء. فضلا عن أنه لا تزال هناك معارك دائرة بين مجموعات مسلحة لها مصالح محلية لا تعتبر نفسها ملزمة باتفاقات السلام.

فى منتصف أبريل 2018، زار وفد من مجلس السلم والأمن الإفريقى العاصمة جوبا، لحث الأطراف المتصارعة على وقف الحرب الأهلية، التى اندلعت منذ منتصف ديسمبر 2013.

وفى الوقت الذى تسعى فيه مجموعة الإيقاد، والاتحاد الإفريقى فى تهدئة الأوضاع، اندلعت الاشتباكات مرة أخرى فى مدينة "بانتيو" الغنية بالنفط بين الجيش الحكومى وقوات قبائل لو نوير، المعروفة بالجيش الأبيض التابع لنائب الرئيس رياك مشار، وقد تبادلت الأطراف الاتهامات بينهما، خوفا من العقوبات التى ربما تطال أحد الأطراف، بسبب كسر وقف سريان إطلاق النار الموقع بينهما قبل محادثات المقبلة.

كما أصدر الاتحاد الإفريقى قرار متأخر حول الصراع فى جنوب السودان، الذى خرج بنتائج صادمة بالنسبة للوضع الإنسانى، وتلقى الأدلة التى يسوقها التقرير عن أعمال القتل والتعذيب والتشوية والاغتصاب التى تعرض لها المدنيون، وهذا ما جعل المفوضية الإفريقية فى مايو عام 2015، تكون فريقا مستقلا ببعثة تقصى الحقائق، من قبل مجلس الأمن والسلم الإفريقى، من أجل إجراء تحقيقات محايدة فى جرائم الحرب حتى يتم محاسبة مرتكبى الجرائم جنائيا عن الجرائم التى يحرمها القانون الدولى، فى سياق الصراع المسلح فى جنوب السودان الذى أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد مليونين من منازلهم.

وأشار البيان، الذى أصدر وفد الاتحاد الإفريقى الذى زار جوبا مؤخرا، إلى أنه سيولى اهتماما خاصة للحالات الإنسانية، وأدى الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من مليونى شخص إلى الدول المجاورة.

منذ بداية الأزمة تدخلت مجموعة الإيقاد بدعم من الاتحاد الإفريقى والفاعلين الدوليين والإقليميين، ولكن هذه الوساطة لم تنجح فى وضع حد لهذا الصراع الممتد قرابة الخمس سنوات الماضية، بالرغم من الخسائر الهائلة والفادحة من الناحية الإنسانية، فضلا عن أن دولة جنوب السودان بطبيعتها وتركيبتها وظروفها الإقليمية والداخلية مرشحة باستمرار لأن تكون دولة أزمة، خصوصا أن هناك ضعفا فى الثقافة السياسية ومحفزات التعايش الأهلى، بالإضافة إلى ضعف فى بنية الدولة واهتراء فى نظامها السياسى، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب: أولا: تداخل الأجندات الإقليمية والدولية فى الأزمة، ثانيا: كثرة الفاعلين الجدد فى الصراع.

ظهر استشعار دولي بطبيعة التحديات التى تواجهها دولة جنوب السودان وكونها لا تزال تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين فى المنطقة، قرر مجلس الأمن، باتخاذه القرار 1996 فى 8 يوليو 2011، إنشاء بعثة الأمم المتحدة فى جمهورية جنوب السودان. وذلك لأجل توطيد السلم والأمن والمساعدة على تهيئة الظروف من أجل التنمية.

وفى أعقاب الأزمة التى اندلعت فى جنوب السودان فى ديسمبر عام 2013، قرر مجلس الأمن بموجب قراره 2155 في27 مايو 2014، تعزيز قوات البعثة وتحديد أولويات ولايتها نحو حماية المدنيين، ورصد حقوق الإنسان، وتهيئة الظروف المواتية لإيصال المساعدات الإنسانية، ودعم تنفيذ اتفاقية وقف الأعمال العدائية.

وفى ضوء ذلك، أعلنت الإدارة الأمريكية فى 13 من أبريل 2018، حظر بيع الأسلحة إلى دولة جنوب السودان، قبيل شهر من استئناف محادثات السلام من أجل أحياء تسوية سياسية شاملة فى مايو 2018.

فى السياق ذاته هدد مجلس الأمن فى 18 من أبريل 2018، بفرض حظر على الأسلحة الواردة إلى دولة جنوب السودان، ومن خلال قرار سيعرض على التصويت عليه اليوم 19 من أبريل، على أثره يجدد مهمة قوة السلام التابعة للأمم المتحدة لمدة عام آخر، فضلا عن أن مشروع الأممى يطالب كل الأطراف بالوقف الفورى لإطلاق النار من جميع الأطراف، لا سيما أن مشروع سعى الاتحاد الأوربى من أجل إيجاد حل سياسى للصراع القبلى والسياسى، كما طالب بالوقف الفورى لإطلاق النار بين طرفى النزاع، كما طالب القرار الأممى بضرورة محاكمة مرتكبى الجرائم والانتهاكات وأفعالهم. 

وبعد الاتفاق أغسطس عام 2015، أصدر الاتحاد الأوروبى بيانا يطالب فيه طرفى الصراع فى دولة جنوب السودان، بالانخراط فى العملية السياسية لتحقيق سلام شامل وعادل، وشدد على ضرورة تنفيذ الاتفاق، ووصول المساعدات الإنسانية، إلى جانب ضرورة تكوين لجنة مراقبة من ممثلى المجتمع المدنى الجنوب سودانى، والإقليميى والدولى، لضمان احترام الاتفاق من قبل طرفى الصراع فى الدولة الوليدة، تجنبا للانزلاق فى العنف السياسى والقبلى مرة أخرى.

وفى فبراير 2018، فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على بعض الشخصيات العسكرية فى دولة جنوب السودان، من ضمنها رئيس الأركان الجيش الشعبى المنشق حديثا عن الرئيس سلفاكير، الجنرال بول ملونق، وثلاثة مسئولين من دولة جنوب السودان فى أطار اتهامهما وضلوعهما فى انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن دورهما فى وضع عراقيل لجهود التسوية السياسية.

شهدت القاهرة فى الفترة بين عامى 2016 و2017، نشاط مصريا قويا للعب دور مهم فى تعزيز عملية السلام المتعثرة منذ اندلاع الحرب بين الرئيس سلفاكير ونائبه ريك مشار، فوصلت القاهرة وفود كثيرة تلبية للدعوة التى قدمت مصر لكل من ريك مشار نائب الرئيس، توماس سريلو نائب رئيس الأركان السابق، ومجموعة السبع التى يمثلها فاقان أموم، الأمين العام لحركة الشعبية، ومن جانب الحكومة كوال مجانق، وزير دفاع جنوب السودان.

فى هذا السياق جاءت هذه الدعوات إلى للقاهرة فى مطلع فبراير عام 2016، وهو ما يطرح عددا من الأسئلة حول الموقف المصرى وقدرة القاهرة على لعب دور فى الصراع والاستفادة من فرص التدخل بين الإطراف المتصارعة. إذ إن لجوء مشار للقاهرة والقيادات السياسية والعسكرية إلى مصر، يشير على أنهم يبحثون عن دولة إقليمية ذات تأثير وأن الوسطاء قد فشلوا، وأن مصر أمامها فرصة للعب دور إيجابى فى جنوب السودان، وأن الدور ممكن يتطور ويصبح أكثر شمولا وتأثيرا. لعدة أسباب أهمها:

أولا: ما يعزز من فرص مصر فى لعب دور إيجابى للأزمة فى جنوب السودان، ظلت القاهرة طوال هذه السنوات تقدم الخدمات التنموية فى العديد من المجالات بما يسهم فى دفع عملية التنمية فى دولة جنوب السودان، وقد تمكنت القاهرة من إنارة سبع ولايات من إجمالى الولايات الحالية، وافتتحت عدة مراكز ومستشفيات متنقلة من أجل تقديم الخدمات الصحية لأبناء جنوب السودان. فى السياق ذاته يمكن للقاهرة أن تلعب دورا إيجابيا مستندة إلى العلاقة التراكمية بينهما على مدار السنوات الماضية،  فى تنفيذ عملية السلام المتعثرة منذ ديسمبر عام 2013.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل