المحتوى الرئيسى

جولة فى المحافظات.. «الوطن» تجوب البلاد من الشمال إلى الجنوب وترصد أحوال المصريين «حلوها ومرها»

04/19 10:13

من شط إسكندرية شمالاً إلى نيل أسوان جنوباً، ومن فيروز سيناء شرقاً، إلى نخيل سيوة غرباً طافت «الوطن».. رافقت صيادى رشيد وهم يفردون شباكهم على المياه لتعود إليهم محملة بالرزق الوفير.. جالست عمال محاجر المنيا وهم يعملون تحت الشمس اللافحة.. راقبت فلاحى الشرقية وهم يحصدون ذهبهم الأصفر.. شاهدت صبايا الفيوم وهن يتعلمن تشكيل الفخار.. زارت مقام سيدى أحمد البدوى بالغربية، وضريح السيد عبدالرحيم القناوى بقنا، ورصدت طقوس الاحتفال بالشيخ أبوالحسن الشاذلى فى وادى حميثرة، وآداب زيارة السبع بنات بالبهنسا.. استمعت إلى شعراء الربابة فى قلب الصعيد، وعازفى السمسمية على شط القنال، وأرباب الموال فى وسط الدلتا.

أكلت «ملوحة» سوهاج، وسمك بحيرة ناصر، و«جلاب» نجع حمادى، وعسل بنها، ومشبك دمياط، وحمص وحلاوة طنطا، وحبست بـ«واحد شاى» من على مقهى عتيق بالأنفوشى.. دخلت معابد الدير البحرى، والكرنك، وعرابة أبيدوس، وأبوسمبل، وفيلة، وإدفو، ودندرة.. سرحت فى آثار تل العمارنة، وصان الحجر، والفرما، وتل بسطا.. رصدت المبانى التراثية فى شوارع بورسعيد، والإسماعيلية، والمنيا.. صعدت إلى جبل موسى فى سانت كاترين، واستظلت بجبل عتاقة بالسويس، وحامت حول جبل أسيوط الغربى حيث تكثر حكايات المطاريد والخارجين عن القانون.. صلت الظهر فى جامع عمرو بن العاص فى دمياط وترنمت مع رهبان وادى النطرون.. تركت المساحة لكل صاحب رأى وموهبة ورؤية ليعرضها على صفحاتها.. حملة موسعة تطلقها «الوطن» وتستمر على مدى الأسابيع المقبلة، تعرض لكم فيها مصر كما لم تروها من قبل، سافرنا وارتحلنا ثم عدنا لكم بحصاد أيام وليالٍ.. فتابعونا.

كفر الشيخ ..بَرَكة الأولياء.. وقدم المسيح

تقع فى أقصى شمال الدلتا، وبعض سواحلها هى الأكثر بروزاً داخل البحر المتوسط بطول 100 كيلومتر، فيها دار جزء من أسطورة إيزيس وأوزوريس، وفيها أيضاً وضع المسيح، عليه السلام، قدمه وترك أثرها على حجر تم اكتشافه فيها، مكتوب عليه «الله 1»، وعلى سواحلها انهار الوحش الفرنسى، البارجة «جان بارت»، خلال معركة البرلس البحرية فى العدوان الثلاثى، وغيرها الكثير من الحكايات.

نحو 4 ملايين نسمة يعيشون على مساحة 462 كيلومتراً مربعاً، موزعة إدارياً على 10 مراكز، وبينما تقع بحيرة البرلس، ثانى أكبر البحيرات الطبيعية فى مصر، فى شمالها، يحدها من الجنوب مراكز الحامول والرياض وسيدى سالم، وحتى مطوبس التى تحتضنها من الغرب أيضاً، لتبدو البحيرة وكأنها التاج الذى يقع فوق مراكز المحافظة.

منها خرج كثير من الأعلام ليرفعوا اسمها فى سجلات التاريخ، ما بين قادة سياسيين ورجال دين وأبطال رياضيين وعلماء، جعلوا اسمها يتردد على كافة المسارح والمنصات وكتب التاريخ التى تحكى عما تحويه المحافظة من كنوز أثرية من التاريخ المصرى القديم، وحتى العصر الإسلامى، حيث مدينة «فوه» بمساجدها الأثرية وطُرزها الفريدة وقبابها، لتحصل المحافظة على نصيب واسع من الشهرة والأهمية، بقدر حجمها ومساحتها وتاريخها الذى يعود لآلاف السنين.

الشيخ «طلحة».. ضريح «الولى الصالح» أصبح محافظة شهيرة

بعد أن قطع مسافة كبيرة قدم فيها من المغرب حتى وصل إلى الشام ثم استقر بمصر، قبل نحو أكثر من ثمانية عقود، كان «سره» لا يزال مخفياً عن الجميع، فى البداية حط فى «الفسطاط» بالقاهرة، الناس فى هذا المكان كانوا مولعين بالعلم والعلماء ومسجد عمرو بن العاص يعج بالأولياء الصالحين، ونشاط محموم داخل المسجد الفسيح، وحلقات تدريس وذكر لا تنقطع، هكذا كانت الحياة فى هذا الزمن، لكنه بعد أن أدى إحدى صلوات العيد فى ذلك الوقت جلس بهدوء على مائدة طعام على شاطئ النيل كان مشغولاً بكتابة آيات قرآنية على قصاصة ورق، بينما كانت تأتى سفينة تابعة للقوات الرومانية من أعلى النيل لتفسد فى الأرض، وكان الجميع خائفاً منها بينما هو التزم الهدوء، ثم أشار بيده وهو ممسك قصاصة الورق ليقلبها فتنقلب السفينة وينكشف السر أمام الجميع. هذا ملخص ما يرويه الناس عن السر أو العلامة التى عُرف بها الشيخ طلحة أبوسعيد بن مدين التلمسانى الذى يمتد نسبه إلى الإمام الحسين بن على، رضى الله عنه، حفيد رسول الله، ويكمل من يروى تلك الحكاية من الناس أن والده سأله سؤاله الشهير: لمَ فعلت هذا؟ ليرد «طلحة»: «إنهم أعداء الله تعالى وأعداء الدين»، ليقول له والده: «ارحل عن هذا البلد واركب جوادك وخذ معك زوجتك وعندما يقف جوادك فانزل واعلم أن هذا مقامك فتمكن منه وانشر العلم والدين»، واستجاب «طلحة» لوالده وركب جواده ومعه زوجته ووقف الخيل عند تبة مرتفعة قليلاً تسمى «دميلقون» -كفر الشيخ حالياً- ليرفض الخيل أن يتحرك من هذا المكان، فنزل والتف حوله الناس لما ظهرت عليه من بركات.

ساحة كبيرة تتسع لنحو ألفى متر أمام مسجد كبير بمئذنتين كبيرتين، يتوافد على هذا المسجد الجامع الكبير الذى يتوسط مدينة كفر الشيخ آلاف المريدين يأتون من داخل مصر وخارجها لزيارة المسجد والضريح المقام بداخله، فهو أقدم مكان فى محافظة كفر الشيخ، بل إن المحافظة أسست وسميت باسم المسجد، حسب ما يقول السيد عطية عبدالنبى، إمام المسجد، مشيراً إلى أن هذا المكان أول مكان تجمع حوله الناس فى المحافظة قبل مئات السنين بسبب كرامات الشيخ «طلحة»، وأن الروايات التى كانت تتناقل عن بركته فى شفاء المرضى وقضاء الحوائج جعلت له صيتاً كبيراً خاصة بعد أن كان يقوم بالرقية الشرعية لمرضى الصرع من الأطفال، ويشفيهم الله على يديه، بخلاف أصحاب الأمراض الأخرى.

أشهر روايات العابد القادم من المغرب: أغرق سفينة رومانية بإشارة من يده.. وكان يرقى الناس فيشفيهم الله على يديه.. والمدينة بدأت ببنايات صغيرة حول ضريحه

ويضيف إمام المسجد صاحب الـ50 عاماً ابن قرية تمادة، أنه تولى المسجد منذ 2002 وخلال هذه الفترة كان يشاهد كثيراً من النسوة اللواتى كن يعانين من عدم الإنجاب يأتين إلى الضريح ليطلبن من الله بحق بركة صاحبه أن يرزقهن الذرية الصالحة، وأن بعض النسوة كانت تنذر النذور وتوزع الطعام بعد قضاء حاجتها من إنجاب أو شفاء أحد أولادها، مشيراًَ إلى أن بعض مريديه كانوا يقبلون عتبة الضريح، وحينما سأله شيخ المسجد عن سبب هذا التصرف؟ رد عليه قائلاً: «بوس الأعتاب للأحباب».

وعن الروايات التى تناقلت من كرامات الشيخ طلحة وما إذا كانت هناك أدلة على صحتها أم لا، يقول: «مفيش دليل دامغ على إنه قلب السفينة بإشارة من يديه، لكن كل اللى موجود روايات، الروايات دى اتقالت فى القاهرة من الناس اللى شافت الحادث، وظلت تروى حتى اليوم، ولما حضر لكفر الشيخ الناس ما كاناتش تعرفه، بس الروايات كترت وانتشرت»، مضيفاً أنه حينما أتى إلى هذا المكان لم يكن لديه طعام أو ماء، فجلس وكان من يراه يقدم له الماء والطعام، لكنه كان يقيم الصلاة ويؤم الناس ويقوم بالرقية الشرعية وكان الناس يتم شفاؤهم بإذن الله على يده، فكثر الكلام عن كرامات هذا الشيخ وبركته، رغم أنه أخفى السر وظل موجوداً هنا دون أن يفصح عن حادثة غرق السفينة لكن بركته وعلمه كشفوا عن شخصيته.

ويتابع قائلاً: «الموضوع كله متعلق بالسر والسر ده هو العلاقة بين الفرد وربه، هذه العلاقة ومستواها لا يجب أن يطلع عليها أحد وكانت علاقته بربه كبيرة والحادثة كشفت عنها، ولذلك طلب منه والده أن يرحل من المكان فى القاهرة حتى يأتى إلى هنا، ولا أحد يعرف سبب إصرار والده على رحيله»، موضحاً أن المدة التى قضاها فى هذه المنطقة تعدت الـ25 عاماً وأنجب ابنيه «سعيد» و«على»، وبقى «سعيد» معه، بينما رحل «على» ولا أحد يعرف أين ذهب، وبعد أن توفى الشيخ «طلحة» ظل «سعيد» إلى جوار ضريح أبيه وبعدما توفى هو الآخر دفن بجواره، لذلك هنا ضريحان وليس واحداً فقط الشيخ «طلحة» ونجله «سعيد».

إمام المسجد: الناس تتوافد من كل البلدان لنيل البركة وقضاء الحوائج.. وبعض النساء يوفين بنذرهن بعد أن يُرزقن بالأبناء

ويضيف إمام المسجد أن هناك بعض الروايات التى اختفت مع أجدادنا عن بركته، وكان فى هذا الزمان الروايات تنتقل من مكان إلى آخر لكن الأجيال الجديدة لم تهتم بهذه الروايات والوقائع التى جرت مع هذا الولى، حتى إن الوفود التى كانت تأتى من خارج مصر لزيارته لم تكن بالحجم الذى كانت عليه فى الأزمنة السابقة، لافتاً إلى أن المسجد ما زال يحظى بشهرة كبير وزاره الرموز الدينية الكبيرة منهم الشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ أحمد عمر هاشم، وغيرهما وكبار مشايخ المغرب وبعض من المشايخ التى تنحدر من أصله يأتون من المغرب لزيارة المسجد، موضحاً أن المكان له روحانية عند بعض الناس تجعلهم يتوافدون إلى المسجد وزيارة الضريح بشكل مستمر، كما تتلقى كل يوم جمعة مجموعة من الصوفيين دروس العلم من الفقه والشريعة والتاريخ الإسلامى.

على مقعد بلاستيكى إلى جوار أريكة خشبية، يجلس إبراهيم النحاس، 72 عاماً، أحد أبناء مدينة كفر الشيخ، لا يبعد منزله كثيراً عن المسجد الذى يرتاده كل يوم لزيارة الضريح الموجود فيه، 300 متر فقط يقطعها من منزله إلى ضريح صديقه،كما يقول، ما زال يرى أن علاقة صداقة نشأت بينه وبين الشيخ المدفون فى هذا المكان قبل أكثر من 800 عام، ليعلق: «هو صاحبى وباجى أقعد عنده، ومش برتاح إلا هنا، وأنا اتولدت لقيت المسجد قدامى والناس تجيه من كل البلاد ويندروا ويتباركوا بيه»، مشيراً إلى أن له مولداً وحضرة رجبية يأتى إليها الناس من كل أنحاء مصر ومن خارجها، وأن أحفاد الشيخ طلحة، الذين ينحدرون من أصله، هم علماء دين بالمغرب وما زالت البركة تحل على أبنائه وأحفاده من بعده.

«النحاس»: لا أرتاح إلا بجوار سيدى طلحة وعلماء من المغرب يأتون لزيارته

ويضيف «النحاس» أن الولى «طلحة» كان خال السيد أحمد البدوى المدفون فى طنطا وأنه يعتبر من أكثر أولياء الله الصالحين شهرة ومقاماً فى كفر الشيخ، وأنه على توالى العصور كان الحكام القدامى يأتون إلى المسجد للصلاة فيه والتبرك بالمقام، لافتاً إلى أن الكثير من الناس يأتون، فى حين يتولى محبوه إطعام كل هذه الأعداد ويقيمون الخيام لإطعام الفقراء والوافدين من بلاد بعيدة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل