المحتوى الرئيسى

من كان صلاح الدين بروسيا ومن سيكون؟

04/18 10:40

إن حرب الغرب ضد سوريا من وجهة نظري هي حرب دينية، بل هي حملة صليبية جديدة، لكن ليس بالمفهوم التقليدي للمؤرخين العرب أو للشارع العربي.

 كثيرا ما نصادف فهما للحروب الصليبية بوصفها حربا بين المسيحية والإسلام، وهي الفكرة التي يستخدمها المتطرفون الإسلاميون في محاولاتهم لحشد الجماهير لمواجهة الإمبريالية الغربية. لكننا إذا ما نظرنا إلى السياق والحقائق التاريخية، فسنرى أن البلاد الإسلامية لم تكن الهدف الوحيد للحملات الصليبية، فقد أعلن بابا روما رسميا أن الحملات الصليبية هي ضد المسلمين والوثنيين من سكان بحر البلطيق ومسيحيي الكنيسة الشرقية من السلاف (الذين أسسوا روسيا فيما بعد). كما أن لروسيا صلاح الدين الخاص بها، ممثلا في الأمير أليكسندر نيفسكي (1221-1263)، الذي تمكن عام 1242 من هزيمة الصليبيين بالقرب من سان بطرسبرغ الحالية، وأوقف بذلك عدوان الغرب على الشعب الروسي لعدة قرون.

إننا الآن نشهد تكرارا لأحداث وقعت منذ 1000 سنة بالتمام والكمال. فالغرب الآن، مثلما كان إبان الحملات الصليبية، توحّده العقيدة، حيث لم تكن بريطانيا وحدها هي من تسرّع عقب تسميم سكريبال، دون انتظار أي أدلة، وإنما انضمت إليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية في طرد دبلوماسيين روس. لم يكن هناك ما يوحدهم سوى العقيدة.. عقيدة أن روسيا مذنبة، دون استناد إلى أي منطق أو حقيقة، لم تكن هناك حاجة إلى أدلة، واتّخذت خطوات خطيرة غير مسبوقة استنادا إلى تلك العقيدة فحسب. بنفس الكيفية تسير الأمور على صعيد الموقف من سوريا، حيث تتحد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وجزء من الغرب في تبنّي موقف مضاد لسوريا، دون وجود حد أدنى من الأدلة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، فالغرب ببساطة إنما "يؤمن" بأنه على صواب، والأهم من ذلك أنه "يؤمن" بأنه ليس بحاجة إلى أدلة لإعلان الحرب.. فالأدلة في أمور العقيدة ثانوية.

إن الإيمان المطلق بالصواب وحيازة الحقيقة المطلقة وأستاذية العالم والتفوق على الأعداء المستند إلى الاختيار الإلهي هي ما وحّد الغرب أثناء الحروب الصليبية في القرون الوسطى، وهي ما يوحّد الغرب الآن أيضا.

إننا نرى مجددا، كيف أعلن أوباما أولا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة استثنائية، ثم استمعنا مؤخرا إلى خطاب أكثر وضوحا ومباشرة من مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو، 13 إبريل الحالي، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أثناء مراسم نقله من منصبه إلى منصب وزير الخارجية، حينما سألوه عمّا إذا كان بالإمكان أن يكون رد الفعل على تغيير الولايات المتحدة الأمريكية للأنظمة حول العالم أن تحاول دول أخرى استخدام نفس المنهج معها. فكانت إجابته أن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة استثنائية، بينما الدول الأخرى مثل روسيا ليست كذلك. إن الأمر هنا لا يخص روسيا، فروسيا لا تتطلع إلى الاستثنائية، وإنما الأمر في الإيمان الحقيقي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باستثنائيته، وتفوقه على الجميع، الإيمان باستثنائية كل ما هو موجود في الغرب بداية من الثقافة الشعبية وانتهاءا بحقوق المثليين في الزواج. ليس ذلك فحسب، بل إن الغرب يؤمن بحقّه في تحديد طريقة معيشة الآخرين، حتى ولو لجأ في ذلك إلى استخدام العدوان العسكري ضد الدول التي تعارضه.

لذلك يبدو توحّد الغرب مجددا على أساس هذه العقيدة ضد العدو المشترك حربا صليبية جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كل ما تبقى هو إعلان هذه الحرب رسميا، فالجنود بالفعل في مرحلة الحشد من أجل القتال.

بالطبع فالحملة الصليبية الجديدة لها خصوصياتها، فعلى المستوى الإقليمي يحرك تلك الحرب مصلحة إسرائيل، التي تعتبر الأسد الحاكم العربي الوحيد المتبقي دون استسلام، متبنيا موقفا مناهضا لها، كذلك فيشارك في الحملة الصليبية هذه المرة يهود ومسيحيون غربيون ومسلمون عرب، وضحايا الحملة ليسوا من المسلمين فحسب، وإنما من المسيحيين الشرقيين وأقليات أخرى، ما يؤكد أن الحملة الصليبية الجديدة تقوم على عقيدة الاستثنائية والتفوق، وليس على المسيحية أو الإسلام.

أما على المستوى العالمي، فإن السبب في ذلك هو الصراع من أجل سيطرة الغرب لتفوقه واستثنائيته، التي يؤمن بها الحكام الغربيون وكثير من ممثلي الشعوب الغربية الذين قد يؤمنون بذلك أكثر من إيمانهم بالله، بحيث يصبح ذلك الإيمان وتلك العقيدة الدين الوحيد الذي تبقى في الغرب، ويوحّد الحضارة الأطلسية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل