المحتوى الرئيسى

بالفيديو- كيف عاشت الحالة 99 بـ"نصف وجه" بعد حادث البطرسية؟

04/17 13:28

من بعيد ظلّ الاسم يتردد داخل عقلها، الحالة 99 مجهولة، أكثر من عشر ساعات قضتها السيدة مُغشى عليها، دون رفيق، بأحد أركان مستشفى الدمرداش وضعوها، فتّحت أعينها على صوت نداء الحالة المجهولة، سألها أحدهم "انتي سميحة توفيق؟"، هزّت رأسها، ثُم دخلت عالم الغيبوبة مرة أخرى.

يوم الحادي عشر من ديسمبر لعام 2016 رافقت سميحة زوجها قلليني فرج إلى كنيسة البطرسية، لا تبعد الكنيسة عنهما كثيرًا، حيث يسكنان العباسية منذ أكثر من ثلاثين عام، ذهبا إلى قُداس يوم الأحد معًا، لكنهما لم يرجعا سويًا، في ذلك اليوم وقع حادث تفجير تبناه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أودى بحياة 29 شخصا، و49 مصابا من بينهم سميحة.

على رصيف مستشفى الدمرداش جلس فرج، أرهقه البحث عن سميحة "أول لما الانفجار حصل وفوقت رحت عليها، أنا كنت عارف مكانها، لكن لقيت جثث كلها شبه بعض"، حين أُعلنت قائمتا الشهداء والمصابين لم تكن سميحة من بينهم، نهش القلق قلب فرج، حتى الثامنة مساء كان التعب قد بلغ الرجل الثمانيني، وفي حين امتلأت ساحة المستشفى بالقنوات المصرية والأجنبية، أبلغته محطة إسبانية "إن اللي عاوز سميحة توفيق يروح يسأل عن الحالة 99 مجهولة".

16 شهرا منذ حادث البطرسية، ولم تتمكن سميحة من العودة إلى حياتها الطبيعية، تعيش السيدة بنصف وجه، لا تستطيع التنفس عبر أنفها "بتنفس من بُقّي"، لا يوجد فك أو حلق لها، خسرت عينًا وأذنًا، الحياة تسير حول سميحة، بينما هي تجلس داخل منزلها بالعباسية كإقامة جبرية، قامت السيدة الخمسينية بعملية لزرع جلد الوجه، وأخرى لإزالة صديد وورم داخل أذنها اليسرى، تُتابع الآن سميحة لدى طبيب من مستشفى الدمرداش بعيادته الخاصة، اسمه دكتور "أيمن أبو المكارم: "الدكتور قالي إن سميحة معجزة بكل المقاييس، الطب له كلام، لكن ربنا له كلام تاني".

يوم الحادث كانت المستشفى تمر بحالة طوارئ، الجميع يُسرع الخُطى، يحاولون إنقاذ المصابين، رائحة الدم تزكم الأنوف، بينما كانت سميحة في إغماءتها تعبر عالمًا آخر، لا تشعر بشيء، لا أحد يؤنس وحدتها، غير أن المسيح لاح لها كطاقة نور واسعة "أبص لفوق ألاقي سيدنا المسيح ظاهر لي في النص وعلى اليمين والشمال"، تنظر ثانية بجوارها فتجد الأنبا الشهيد ونّس الأقصري "كان واقف جمبي أحلى من الصورة، شعره ملون وعينيه خضرا، جميل".

لمّا سأل فرج عن الحالة 99 مجهولة، وجد جثمانا مُغطى بالدمّ "دخلت سألت شاوروا عليها، من الصبح لحد تمانية بالليل مرمية"، سأله الطبيب "مراتك دي؟"، غير أن الحيرة عَلَت وجهه "نص الوش طاير، ونص الوش التاني موجود بس مشوه من الدم والبهدلة"، حاول الطبيب معرفة أية علامات تُشير إلى سميحة "قلتلهم فيه حسنة موجودة"، بالفعل كانت الحسنة هُناك على النصف الأيمن غير المشوه "لكن بنت أختها قالت لا دي مش خالتي، خالتي جسمها قمحي ودي أبيض"، وبعد راحة شعر بها فرج، جاءت الحيرة مرة أخرى "قلتله خلاص يبقى مش هي، الدكتور قالي روّح وتعالى بكرة".

حين بدا المسيح لسميحة بدأت في الإفاقة "أنا فوقت على كلمة الحالة المجهولة، كنت بسأل نفسي هو أنا المجهولة دي؟"، بعدما هزّت سميحة رأسها ". وقتها اتصل الدكتور بالزوج "قالي إنها مراتي فعلًا"، لم يتمكّن فرج من البقاء حتى الصباح، عاد ثانية إلى المشفى في الحادية عشرة مساء "سألت سميحة انتي عارفاني؟ هزت رأسها"، ثم نُقلت إلى غرفة العناية المُركزة.

بعدما تعرّف فرج على سميحة، لم يتذوق الرجل طعم الزاد طيلة ثلاثة أيام "بقيت أتخانق مع ربنا، قعدت أقوله كنت أخدتني أنا، هي ممكن تخدم نفسها إنما أنا لا"، بعد وفاة زوجته الأولى ارتبط فرج بسميحة قريبته عام 1981، لم يُرزقا بأطفال، لكنهما ظلا معًا "هي مساعداني ونافعاني، أول ليلة يوم الحادثة فتحت التلاجة أخدت 4 بيضات حطتهم ع النار انفجروا".

مرّت الأيام الأولى من الحادث ثقيلة على الزوجين، طلب فرج نقل سميحة إلى مستشفى الجلاء "أنا من أبناء القوات المسلحة، حاربت في 56 واليمن و67 وحرب 73"، لكنه بعد ذلك تراجع حينما تحسن أداء الأطباء، مكثت سميحة داخل الدمرادش مُدة شهرين، حتى سُمح لهم بالسفر للخارج "الريس صدّق لينا على 140 ألف يورو"، كان من المقرر سفرهما إلى ألمانيا بعد بضعة أيام "لكن السفير المجري لما شاف سميحة قال هيعالجها في المجر على نفقة دولته، وقالولنا هتسافروا بكرة لأن حالة سميحة متسمحش تستنى".

في فبراير 2016 سافرت سميحة إلى المجر، أجريت عملية واحدة؛ هي زرع جلد لسد فجوة بالجزء الأيسر من الوجه، تعيش سميحة بنصف وجه مُشوه إلى الآن، قام أطباء المجر بقطع بعض أجزاء من جلد ذراعها الأيسر، وضعوه بالوجه "الوش كأنه كان حفرة تدخلي إيدك جواه"، يتباين لون ذلك النصف من الوجه، بين لون قمحي طبيعي، وآخر بالمنتصف أبيض كلون الذراع، "قطّعوني، دلوقتي دراعي مبقتش أحركه كويس، دا غير إن شعر الإيد بقى بيطلع في وشي"، تقول سميحة بحزن.

مكثت سميحة بالعاصمة بودابست لثلاثة أشهر، بعدها عادت إلى القاهرة، ثُم سافرت مُجددا في أغسطس 2016، لتُجرى عملية واحدة فقط لإزالة صديد وورم بالأذن اليسرى التي لم تعد تسمع بها، ومنذ تلك المرة لم تُجري سميحة أية عمليات أخرى، يُكرر فرج مرة تلو أخرى احتياج زوجته للقيام بعدة عمليات "واحدة عشان الفك اللي طار، والتانية عشان معندهاش سقف للحلق، وواحد للأنف، وعملية لزرع قرنية بالعين الشمال".

تُتابع الآن سميحة مع الطبيب الذي عالجها بالدمرداش، داخل عيادته الخاصة، وهو المُخوّل له بكتابة تقرير للسماح بسفرها مُجددًا للخارج، تتمنى سميحة السفر إلى ألمانيا، لا تُريد العودة مجددًا إلى المجر أو إلى الدمرداش، يقول فرج إن الدولة سمحت لهم بالعلاج على نفقتها "والفلوس دي لسة موجودة في خزنة وزارة الصحة"، إلا أن الطبيب كتب لهم تقريرا أن بإمكانهم السفر إلى ألمانيا، ولكنه يستطيع إجراء عملياتها المتبقية "التقرير دا اللي وقف لنا الحال، لما روحت لرئيس المجالس الطبية المتخصصة رفض يسمح بالسفر، قالي التقرير بيذكر إن علاجها ممكن في مصر".

بعد العودة من المجر في المرة الثانية، ذهبت سميحة لقداس كنيسة البطرسية، خطَت السيدة من باب الكنيسة، في حين ترجع بالذاكرة لذلك اليوم المشئوم، تتخيل صاحب الحزام الناسف يقف بجوارها في الصلاة، غير أنها سرعان ما تنفض عنها الذكرى، تستنكر سميحة عدم الذهاب للكنيسة "دا بيت ربنا مينفعش مروحش"، ورغم خوفها في المرات الأولى "بس بقيت أبص لفوق لربنا وأقول اللي يحصل يحصل بقى".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل