المحتوى الرئيسى

ألمانيا وعقدة بشار الأسد - كيف يمكن إرضاء الروس؟

04/16 18:29

على الرغم من تبني الحكومة الألمانية موقفاً يدعو إلى عملية انتقال سياسي للسلطة في سوريا تنتهي بخروج بشار الأسد من المشهد، لكن خلافاً في الرؤى طفا على السطح وظهر بشكل واضح داخل ألمانيا مؤخراً، خصوصاً بعد توجيه ضربة صاروخية لمنشآت تابعة للنظام السوري يعتقد أنها تقوم بإنتاج الأسلحة الكيماوية.

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال في تصريحات صحفية إن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة، مضيفا أنه لا يتخيل أن يكون شخص استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه جزءا من هذه العملية.

تصريحات وزير الخارجية تنسجم مع موقف الحكومة الألمانية، التي قالت على لسان المتحدث باسمها شتيفن زايبرت: "أي حل طويل الأمد للصراع في سوريا لا يمكن تصوره من وجهة نظرنا إلا بدون الأسد".

خلاف على توقيت خروج الأسد من المشهد

لكن يورغن هارت، خبير الشؤون الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، قال في تصريحات صحفية إن "الأسد سيظل حتى المستقبل القريب عاملاً لا يمكن تجاهله. لا يوجد حل مع وجود الأسد، لكن لا يوجد أيضاً حل بدونه"، معرباً عن تبنيه لموقف الحكومة الألمانية بأنه لا مستقبل لسوريا مع الأسد، وقال: "مرحلة انتقالية مع الأسد، لكن مستقبل بدون الأسد - على هذا الأساس ينبغي أن تعمل الدبلوماسية الآن".

الدكتور يوخن هيبلر الخبير والمحلل السياسي بمعهد السلام والتنمية في دويسبورغ

حول هذا الانقسام في المواقف الألمانية يقول الدكتور يوخن هيبللر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والباحث في معهد السلام والتنمية بجامعة دويسبورغ، في حوار مع DW عربية إن المشكلة لا تكمن في آراء شخصية لسياسيين فرادى، وإنما الأمر متعلق بالسياسة الأوروبية عموماَ، بما فيها الألمانية حيال أزمة سوريا.

يضيف الدكتور هيبللر: "هناك مطالب مستمرة منذ عام 2011 لإزاحة بشار الأسد عن السلطة لكن على الجانب الآخر لم يكن لدى الغرب الإمكانية لتحقيق ذلك، ناهيك عن أن البدائل لبشار الأسد ليست واضحة، فالمعارضة السورية تقضي وقتا طويلاً للغاية في الكلام وتستهلك طاقة كبيرة في محاربة بعضها ولايوجد بديل يمكن الاعتماد عليه". ويضيف "لذا فإن المطالبة بإسقاط ديكتاتور وحشي أمر، ووجود بديل مع القدرة على تنفيذ هذا السيناريو البديل هو أمر آخر تماما وهو ما يسبب اضطراباً واختلافاً في المواقف، ليس في ألمانيا وحسب وإنما في الاتحاد الأوروبي".

في الوقت الذي رحب فيه ساسة ألمان بإعلان ألمانيا عدم المشاركة في الضربات العسكرية الغربية ضد سوريا، رأى آخرون أنه يجب على ألمانيا أن تتولى دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع، تعليقات الصحف الألمانية تعكس هذا الجدل. (16.04.2018)

أعرب وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس عن دعم بلاده لبدء "مسار قوي وجديد" لتحريك المفاوضات بشأن حل سياسي للصراع في سوريا. كما شددت وزارة الخارجية المغربية على وجوب إيجاد حل سياسي للنزاع السوري بعيداً عن الخيارات العسكرية (14.04.2018)

انقسام يلقي بظلاله على علاقات ألمانيا الدولية

لكن هل لهذه التصريحات المتعارضة لسياسيين ألمان تأثير على علاقات ألمانيا بدول أخرى يشترك بعضها مع وجهة النظر القائلة بضرورة غياب بشار الأسد عن المشهد تماماً فيما تشترك دول أخرى مع وجهة النظر القائلة بأن أي حل مستقبلي سيتضمن بشار الأسد كأمر واقع لاخيار لتغييره؟

يقول الدكتور يوخن هيبلر الخبير والمحلل السياسي بمعهد السلام والتنمية إنه لا يوجد أحد في ألمانيا تقريباً يرغب في استمرار بشار الأسد في موقعه، "فهو ديكتاتور بطش بشعبه بقسوة واستخدم ضدهم أسلحة محرمة دولياً، بخلاف الآلاف الذين تعرضوا للتعذيب وقتلوا في السجون". مضيفاً أن الجدل الذي يتزايد في ألمانيا حالياً هو حول عدم وجود خيار آخر، حيث يبدو أن الأمر بدأ يستقر بشكل ما للنظام السوري، "وعلينا التعامل معه حتى وإن كنا لا نحبه".

ويتابع الدكتور هيبلر قائلاً إن هذا الموقف البراغماتي بالتعامل مع نظام الأسد يخلق بالفعل نوعاً من التوتر مع دول أخرى خصوصاً السعودية وبدرجة أقل تركيا والولايات المتحدة، "فالعلاقات السعودية-الألمانية لاتسير على نحو جيد بسبب الحرب في اليمن، كما أن هناك بعض التصريحات من قبل السياسيين هنا وهناك زادت من حدة التوتر بجانب مسألة وقف بيع السلاح الألماني للسعودية وأيضاً الموقف السعودي من ألمانيا حيال الاتفاق النووي مع إيران وتغيير الموقف الألماني الرسمي فيما يتعلق ببقاء بشار الأسد من عدمه هو أمر سيؤثر بدرجة كبيرة على العلاقات الألمانية-السعودية إما أن يزيد من توترها أو يقلل من هذا التوتر".

روسيا والأسد.. هل يمكن فصم عرى الارتباط؟

دعمت روسيا نظام بشار الأسد سياسياً وعسكرياً، ما قلب موازين القوى بعد أن كان النظام السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط. هذا الدور الروسي الحيوي في القضية السورية جعل وزير الخارجية الألماني يصرح قائلاً إنه "يستحيل حل النزاع من دون روسيا". لكن هل يمكن أن تساهم ألمانيا والاتحاد الأوروبي في فصم عرى هذه العلاقة القوية بين النظام السوري وبين الدب الروسي؟

يقول الدكتور هيبلر: "لا أستطيع مطلقاً تصور أن تتخلى روسيا عن بشار الأسد"، فقد ساندته حين كان موقفها في هذا الوقت عالي التكلفة بالفعل وعندما لم تكن متأكدة من نجاح مساعيها لتثبيت أركان حكمه، "واليوم وبعد أن بدأ الاعتقاد يسود بأن روسيا ربحت الحرب ونجحت في تثبيت دعائم نظام بشار الأسد مع انعدام الخيارات أمام الغرب، ما الذي يجعل موسكو توافق على التخلي عن الأسد بعد نجاح سياساتها؟".

ويرى الدكتور هيبلر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعل ما فعله وساند بشار الأسد ودخل هذه المعركة السورية من الأصل لسببين:

الأول: داخلي. لإظهار روسيا كدولة قوية وقادرة على تغيير المعادلات السياسية الدولية خصوصاً بعدما تزعزع هذا الشعور عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. والسبب الثاني: هو أن التدخل في سوريا حدث في التوقيت نفسه الذي تم فيه التدخل الروسي في أوكرانيا، وفهم الجميع حينها أن التدخل في سوريا كان للتغطية على هذا الأمر وتشتيت لانتباه المجتمع الدولي عن هذه القضية، وعليه فلا يوجد ما يدعو لمكافأة بوتين بعقد اتفاق معه في مقابل ترك بشار يسقط، "فأزمة أوكرانيا لازالت قائمة وكذا الاحتياج لتسويق روسيا كدولة قوية أمام الشعب الروسي أمر قائم كذلك".

ويختتم الدكتور يوخن هيبلر، الخبير الباحث بمعهد السلام والتنمية حواره مع DW عربية بالقول إنه لا يعتقد بأن الغرب يمكن أن يمنح بوتين ترضية في مقابل تخليه عن سوريا، "فالأمر في سوريا لا يتعلق بالبترول ولا التجارة الخارجية بين أوروبا وروسيا، وإنما القضية لدى الغرب هي معاناة الشعب السوري، إلا أن السياسيين لا يغيرون السياسات الخارجية لبلادهم حيال دول ضخمة مثل روسيا بسبب الأمور الإنسانية فقط".

نفذت الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا هجمات جوية على سوريا فجر السبت (14 أبريل/ نيسان 2018). وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن الضربات استهدفت ثلاث مناطق لها علاقة بإنتاج الأسلحة الكيماوية. وذلك بعد أسبوع من هجوم كيماوي محتمل على بلدة دوما وتهديد ترامب بتوجيه ضربة لسوريا، فقد اتهمت الدول الثلاث نظام الأسد بالوقوف وراء الهجوم.

المواقع التي قُصفت تضمنت مطار الشراعي بغربي دمشق في منطقة الديماس قرب الحدود اللبنانية. كما أصاب الهجوم موقعا في مدينة مصياف ومستودعات للجيش في شرق القلمون ومنطقة الكسوة جنوبي دمشق وموقعا في منطقة جبل قاسيون المطلة على دمشق، حسب مصدر مقرب من النظام السوري.

قالت وسائل الإعلام الرسمية السورية إن الهجوم أصاب أيضا منشأة للأبحاث العلمية في دمشق حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن المنشأة تستخدم في تطوير وإنتاج واختبار أسلحة كيماوية وبيولوجية. بينما قالت باريس إن الضربات استهدفت المركز الرئيسي للأبحاث الكيماوية وموقعي إنتاج في سوريا.

عندما طلع النهار على دمشق خرج المتظاهرون حاملين الأعلام السورية والروسية والإيرانية وصور الأسد. ونددت الخارجية السورية بـ"العدوان البربري الغاشم". بينما قالت الخارجية الإيرانية في بيان إن الولايات المتحدة وحلفاءها، الذين قاموا بالعمل العسكري ضد سوريا "رغم غياب أي أدلة مؤكدة... سيتحملون المسؤولية عن تداعيات سياسة المغامرة على مستوى المنطقة وما يتجاوزها".

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الأبيض أن هذه الضربات هي قصاص لاستخدام حكومة الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبها. وأضاف "إنها ليست أفعال إنسان وإنما جرائم ارتكبها وحش" وأوضح ترامب أنها "ضربات دقيقة" قصدت أهدافا لها علاقة ببرنامج الأسلحة الكيماوية للأسد.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل