المحتوى الرئيسى

وكيل الآزهر من إسلام آباد: الأزهر يؤيد فتوى علماء باكستان بشأن قتال الإرهابيين

04/12 12:51

 ألقى صباح اليوم الخميس الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، كلمة الأزهر الشريف أمام الاجتماع الثالث عشر لمجلس أمناء الجامعة الإسلامية العالمية الذي يعقد في قصر الرئاسة في إسلام آباد بحضور ورئاسة ممنون حسين، رئيس جمهورية باكستان الإسلامية، الرئيس الأعلى للجامعة. 

أكد وكيل الأزهر أن ما ورد إلى مشيخة الأزهر الشريف عن الفتوى الصادرة عن علماء باكستان والتي تجيب عن بعض الأسئلة التي تدور حول اتهام جيش وحكومة باكستان بالكفر لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقًا كاملًا، وحكم قتال جيش وحكومة باكستان واعتبار هذا القتال من الجهاد في سبيل الله، وحكم قتال الجيش والشرطة لهذه العناصر التي تتهم الجيش والحكومة بالكفر واعتبار هذه العناصر خارجين عن طاعة ولي الأمر، وحكم الجماعات الطائفية التي تحاول فرض معتقداتها على الآخرين بالقوة.

أشار شومان إلى أنه بعد اطلاع مشيخة الأزهر على الفتوى الصادرة بإجماع علماء باكستان من كافة المذاهب، تلك الفتوى التي نفت صفة الكفر عن حكومة وجيش باكستان، وأن دولة باكستان دولة إسلامية؛ إذ ينص دستورها في عدة مواد (١، ٣١، ٢٢٧) على أن القوانين الصادرة عن الحكومة الباكستانية يجب ألا تخالف القرآن والسنة النبوية، وألا يُسنَّ أي قانون يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ولذا فإن أي أعمال عنف ضد الدولة وجيشها تعتبر فسادًا في الأرض ومعصية لله ورسوله، وأن من يقومون بتنفيذ عمليات انتحارية يرتكبون ثلاثة ذنوب هي (الانتحار، وقتل الأبرياء، والخروج ضد حكومة باكستان)، ولذا فإن من يقومون بذلك يجب على حكومة وجيش باكستان قتالهم في ضوء الضوابط الشرعية، وأن على المسلمين تأييد هذه العمليات العسكرية والأمنية التي تقوم بها الدولة الباكستانية، وأنه يجب احترام الاختلاف الفكري بين المذاهب، ويجب أن يبقى هذا الخلاف في إطاره العلمي والفكري، وأنه لا يوجد أي مبرر للسب أو الشتم لأمهات المؤمنين ونشر الكراهية والعدائية بين أتباع المذاهب المختلفة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال اتخاذ هذا الاختلاف أساسًا للقتل والنهب، أو فرض أفكار ومعتقدات بعينها على الآخرين، أو التربص بالمخالفين للقضاء عليهم.

تؤكد مشيخة الأزهر على أن ما جاء في هذه الفتوى يتفق وصحيح ديننا الإسلامي ولا يخالف نصًّا أو حكمًا شرعيًّا، ولذا فإن مشيخة الأزهر تؤيد هذه الفتوى وتؤكد على ما ورد فيها، وتفيد بأن هذه الفتوى تنطبق على مثل هذه الحال في كل البلاد الإسلامية ولا تختص بدولة باكستان وحدها، فلا يخفى على مسلم أن قضية التكفير من أوسع أبواب الإفساد في الأرض؛ لما تجره على المجتمعات من أضرار تضعف قوة المسلمين وتَفُتُّ في وحدتهم، فضلًا عن علاقتهم بخالقهم. والثابت عن سلفنا الصالح من خلال ما استقر في قواعد شرعنا الحنيف أن المسلم الذي ثبت إسلامه بيقين لا يخرجه من الإسلام إلا جحده وإنكاره لما أدخله فيه، وأنه إن غلب على الظن كفر مسلم واحتُمل احتمالا ضعيفًا بقاءُ إسلامه؛ وجب الحكم بإسلامه، وحرُم الحكم بكفره احتياطًا، وذلك لقوله r: «إذا قال المرء لأخيه يا كافر، فقد باء بإثمها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رُدت إليه».

واشار شومان الى إنكار رسولنا الشديد على سيدنا أسامة بن زيد قتل مشرك بعد أن قال (لا إله إلا الله)، ولم يقبل رسولنا r تعليل سيدنا أسامة لقتله بأنه لم يسلم حقًّا، وإنما نطق بالشهادة حين أيقن أنه مقتول لا محالة ليدفع القتل عن نفسه، فقال له مَن أرسله ربه رحمة للعالمين منكرًا عليه فعله وتعليله: «فهلَّا شققت عن قلبه!». وما زال يكررها حتى قال سيدنا أسامة: فتمنيت أني لم أكن أسلمت

واضاف إن هؤلاء الإرهابيين مفسدون في الأرض محاربون لله ورسوله يستحقون أشد العقوبات الواردة في شرعنا على الإطلاق، وهي العقوبات المنصوص عليها في قول الله تعالى: (إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

وأوضح شومان أن الأزهر الشريف إذ يؤكد على ما جاء في تلك الفتوى، فإنه ينبِّه – في الوقت نفسه - على أن ثمة فرقًا بين الخروج على الحاكم والإفساد في الأرض معنًى وضوابطَ وحكمًا؛ حيث إن الإفساد في الأرض أو الحرابة أصلها قول الله تعالى: (إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وهي جريمة مستقلة عن جريمة الخروج على نظام الحكم (البغي) التي أصلها قول الله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا).

وأضاف أن  الباغى له معنى معين وضوابط محددة في الفقه الإسلامي، فهو الخروج عن طاعة ولي الأمر ورفض الاعتراف به، ولا يوصَف البغاة بذلك إلا إذا تحقق في شأنهم جملة من الشروط، أهمها: امتلاكهم شبهة قوية في الظاهر يجعلونها دليلًا لخروجهم على ولي الأمر، كشبهة الخروج على سيدنا علي حين قَبِلَ تحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص بينه وبين معاوية - رضي الله عنهم جميعًا - حيث رأى الخارجون عليه أن في ذلك مخالفة لكتاب الله عز وجل الذي يقول فيه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ). ويُشترط كذلك أن يكون للخارجين على ولي الأمر قوة ومِنعة تمكِّنهم من قتال جيش الحاكم الذي خرجوا عليه، وأن يكونوا متحيزين بمكان ما يسيطرون عليه ويمنعون الحاكم ومَن معه من دخوله أو إنفاذ قوانينه فيه فإن لم يكن ذلك متوافرًا في هذه الجماعات التي تقاتل الجيش والحكومة الباكستانية، فلا يجوز وصفهم بالبغاة الخارجين على الدولة، ويكون الوصف اللائق بهم عندئذ هو الإفساد في الأرض. وإنما كان وصف الإرهابيين بالمحاربين لله ورسوله المفسدين في الأرض هو الوصف المناسب لهم؛ لأنه الوصف الذي يمكِّن من التعامل مع هؤلاء الإرهابيين بما يتناسب وهول الجرائم التي يرتكبونها، ويفوِّت عليهم فرصة الإفلات من العقاب بأي حيلة كانت؛ لأن مجرد اجتماع المفسدين وعزمهم تنفيذ جرائم ضد الآمنين يجيز البدء في التعامل معهم كمجرمين وإن لم يرتكبوا جرائم بالفعل، وإذا ما ثبت لهم وصف الإفساد في الأرض، يحق للقاضي عندئذ أن يُنزل بهم أشد عقوبة وردت في شريعة الإسلام دون نظر لنوع الجرائم

وأشار لبى أن البغاة، فإنهم لا يقاتَلون ما لم يبدأوا هم بالقتال، حتى لو أعلنوا خروجهم على الحاكم، وامتلكوا القوة وتحيزوا، وهذا ما فعله الإمام علي مع الخارجين عليه حين كانوا يعرِّضون به كلما رأوه قائلين: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)؛ حيث قال لهم: (كلمة حق أريدَ بها باطل، لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله، ولا نبدؤكم بقتال). كما أن قتال الخوارج - إذا كان قتالٌ - يبدأ متدرجًا من الأخف إلى الأشد، ويكون لكسر شوكتهم وإضعافهم فقط وليس لإفنائهم، ولذا لا يجهَز على جريحهم، ولا يتبَع مدبرهم الفار من ساحة القتال، أما قتال المفسدين في الأرض المحاربين لله ورسوله فإنه يكون لإفنائهم وقتلهم جميعًا.

وأوضح أن وحدة الأمة الإسلامية هدف نبيل ومقصد عظيم وغاية سامية عبر عنها ربنا عز وجل في غير آية من كتابه العزيز؛ حيث يقول: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، ويقول أيضًا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، غير أن هذه الوحدة المنشودة ينبغي أن تكون هدفًا يسعى إلى تحقيقه الجميع على أسس سليمة ورؤية جادة يمكن ترجمتها إلى واقع ملموس يناسب الزمان والمكان، دون التفات إلى تلك الدعوات التي يطلقها بعض بنى جلدتنا بين الفَينة والأخرى مستغلين تشوق المسلمين في شتى أرجاء المعمورة إلى وحدة تجمعهم، فتراهم يرفعون راية استعادة نظام الخلافة الإسلامية، متخذين من عناوينها البراقة شعارًا، وهم في الحقيقة يتسترون وراء ذلك لارتكاب جرائم القتل والاعتداء على الأموال والأعراض، ويصدرون أحكام الردة والكفر على من خالفهم الرأي ولم يتبع فكرهم ويأتمر بأمرهم ومن لم ينخرط في صفوفهم ويبايع أميرهم، زاعمين أنهم بهذا النهج المختل يحققون الوحدة المزعومة ويستعيدون دولة الخلافة المأمولة!

وأشار إلى أنه فى المقابل، يرى بعض المسلمين أن مساعي الوحدة الحقيقية على أي صورة كانت إنما هي أحلام أقرب للأوهام وإفناء للأعمار في ما لا يمكن تحقيقه!

ولعل واقعنا الراهن وما تقتضيه مستجدات الزمان والمكان تدعونا إلى القول بأن الوحدة الحقيقية التي يمكن أن تتحقق وفق هذه المعطيات ليست وحدة الاندماج وإزالة الحدود والاحتكام إلى حاكم واحد ودمج الاقتصادات وتوحيد الأنظمة والقوانين؛ فقد تجاوز الزمان والمكان ذلك بكثير، ولا يمكن لواقع الدول الإسلامية التي تتخللها دول كاملة ليست مسلمة، فضلًا عن اختلاف الدول الإسلامية نفسها اختلافًا كبيرًا لسانًا ولهجةً وأنظمة حكم واقتصادًا وقوانين، وتفاوتها من حيث الغنى والفقر والقوة والضعف؛ إضافةً إلى ما يمكن أن تلقاه هذه الوحدة من صعوبات كثيرة، وما قد تواجهه من ضغوطات شديدة - لا يمكن لتلك الأمور أن تكون عوامل مساعدة لتحقيق تلك الوحدة المنشودة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل