المحتوى الرئيسى

الناشئون الأفارقة في ملاعب أوروبا - صفقات مستغلة أم حلم يتحقق

04/09 14:55

سيرافين فودجو يقف بانتظام على حافة ملعب كرة القدم الصغير في أندرلخت، إحدى ضواحي بروكسيل. إنه ينحدر من الكاميرون ويتدرب هنا بانتظام مع شباب جاؤوا وتغمرهم أحلام كبيرة. ويقول فودجو: "الغالبية يأتون من الكاميرون وساحل العاج وبوركينا فاسو". قصصهم تتشابه: "وكلاء لاعبين مزعومون لا يعرفون شيئا عن كرة القدم يلتقون العائلات ويعطوهم وعوداً بأن الطفل سيحصل على عقد في أوروبا"، كما يحكي فودجو، الذي يضيف أن: "الأبوان يقومان بكل شيء، يجمعان المال الضروري كي يتمكن الطفل من السفر بالطائرة إلى أوروبا. ولإضفاء شيء من المصداقية، فإن أولئك الوكلاء يصحبون معهم متواطئين أوروبيين. ويهتمون بالحصول على جواز السفر والوثائق المختلفة. والعائلات تدفع حتى عشرة آلاف يورو". 

لا جواز سفر ولا أكل ولا دعم

يسافر الطفل مع أمل كبير ثم يُترك في الغالب لوحده في الفندق، يقول فودجو، ويوضح الصبي الكاميروني: "يقول الوكيل له إنه سيعود قريبا، ولا يفعل ذلك، ويبقى الطفل لوحده بدون جواز سفر ويتم طرده من الفندق". وفي الغالب يصل هؤلاء الأطفال في النهاية إلى فودجو، كما يقول هو. إنهم يواصلون التدريب ويعيشون بين أمل تحقيق النجاح يوما ما والخوف من الاعتقال والترحيل إلى وطنهم. والعودة طواعية ستعني الاعتراف بالفشل ـ وهذا غير مقبول لشخص استثمرت عائلته مبلغاً كبيراً من المال.

لاعب كرة القدم ألويس نونغ عايش هذا الشيء. لقد تم اكتشافه في الكاميرون من قبل "شقيق كبير" له تأثير، وأقنعه بالسفر إلى أوروبا للعمل كلاعب محترف. "ٌقمت بتجربة لدى فريق نيس. والمدير الرياضي للأكاديمية كان مسروراً، إلا أن وكيل أعمالي طلب الكثير من المال. فريق نيس لم يكن مستعداً لاستثمار الكثير من المال". وبالتالي تبخرت الفرصة.

ولع الشباب الأفارقة بكرة القدم يتحول إلى صفقة في أوروبا

ألويس نونغ وثمانية شباب آخرون كانوا يقيمون عند عائلة ويبيتون جميعهم في صالة الضيوف. ولا يحق لهم خلال اليوم البقاء في الشقة. "كان شهر يناير/ كانون الثاني، وكان الطقس بارداً ولم تكن لدينا ملابس دافئة". وحتى الأكل لم يكن متوفراً لديهم. "توجهنا عدة مرات إلى السوبر ماركت، وأكلنا هناك. الحارس كان يتغاضى عنَّا، لكن لم يكن مسموحاً لنا بأخذ شيء معنا". وبعد عام طردت العائلة ألويس نونغ والشباب الآخرين. والشاب تمكن من التواصل مع أقرباء. وبموازاة ذلك واصل التدريب إلى أن تعاقد مع نادي بلجيكي. واليوم يلعب في إيران.

"كيلوغرام من القطن أو الكاكاو"

وفي الغالب يخسر اللاعبون الشباب. "ومن ينجح، يكسب في النهاية كثيراً من المال"، يقول كريستوف غلايز، وهو صحفي فرنسي ومؤلف كتاب "العبودية الحديثة للاعبي كرة القدم الأفارقة". فاللاعب الإفريقي، في حضن نادي أوروبي، بإمكانه أن يكسب أموالاً من 500 وحتى 1000 ضعف ما يكسبه في إفريقيا. "ولذلك فليس غريباً أن يقول الوالدان بأن لديهم (ولداً بمثابة) بئر نفط في البيت"، يقول الصحفي غلايز، الذي قام بتحقيقات طوال تسعة أشهر مع زميله بارتيليمي غايار في إفريقيا الغربية. وتبدو المقارنة مع النفط أو أي مادة خام أخرى مسألة قاسية، إلا أن كريستوف غلايز يدرك ما يقول: "اللاعب الإفريقي يتم النظر إليه كبضاعة، مثل كيلوغرام من القطن أو الكاكاو. والنوادي الأوروبية تأتي إلى هنا بحثا عن قوى عمل رخيصة".

ومشكلة أخرى تتمثل في أن الشباب يصبحون جزءاً من النظام، ويقبلون وعود وكلاء اللاعبين. ومن أجل ذلك هم يخاطرون بالكثير، ويزورون أحياناً سنهم، لأن اللاعب البالغ من العمر 15 عاماً له فرص أفضل من ذلك الذي يبلغ 18 عاماً في سوق المنافسة.

خطة المماطلة لدى الأندية الأوروبية

والرابحون الكبار ليسوا فقط الوكلاء المزعومين، بل أيضا الأندية الأوروبية. مثال على ذلك المهاجم الكونغولي جونيور كبانانغا، الذي بدأ مشواره الرياضي في أوروبا مع أندرلخت. والفريق البلجيكي البطل أراد ضم اللاعب، لكن لم يكن مستعداً لدفع تعويض مالي للنادي، الذي اكتشف جونيور كبانانغا. فالأندية الأوروبية تدفع للأندية في أوروبا حقوق رعاية اللاعبين، لكنها ترفض ذلك عندما يتعلق الأمر بأندية إفريقية. والخطة هي المماطلة حتى ينهار النادي الآخر، أو الدفع بشكل غير قانوني لرؤساء النادي لإتمام الصفقة.

المواهب الإفريقية تُكتشف في عين المكان، مثلما هو الحال في هذا الملعب القريب من أبيدجان بكوت ديفوار

صوفي يكيلير من بروكسل تعرف مصير لاعبي كرة القدم الشباب من إفريقيا. إنها متخصصة في القانون ورئيسة مؤسسة "ساميليا"، وهي مؤسسة تكافح تجارة البشر. "تم نقلهم بوعود كبيرة إلى أوروبا من قبل أشخاص لهم اتصالات مع سفارات وقنصليات. بعضهم تم التخلي عنه، والبعض الآخر أُجبر على اللعب في مستوى عال. وإذا أصيبوا يتم التخلي عنهم".

وتوجد في الحقيقة قوانين تحمي الضحايا، إلا أنه يصعب تنفيذها، كما تقول يكيلير. "في الغالب يأتي هؤلاء الشباب عبر سلوفاكيا والمجر واليونان إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا وصلوا إلى بلجيكا، فإنه لا يمكن فعل شيء لهم، لأنه وجب عليهم في الحقيقة العودة إلى تلك البلدان لإتمام الإجراءات الإدارية. وهذا غير ممكن بالنسبة إليهم"، تشرح صوفي يكلير.

وتراهن صوفي يكيلير على إجراءات وقاية، لكن ذلك يبقى صعبا: "حتى ولو أن الأطفال ينصتون إلى ما نقول، فإن الحلم يكون أقوى. ولكن إذا فهم شخص واحد من بين 20 رسالتنا، فيمكننا إنقاذ شخص واحد على الأقل".

وإذا شارك لاعب كرة قدم محترف مثل ألويس نونغ في الحملة، فإن الشباب لا يستوعبون ذلك دوماً، لأنه واحد ممن اختاروا التوجه إلى أوروبا، ويريد إقناعهم الآن بعدم المخاطرة بهذه المغامرة.

تعشقه الجماهير في ملعب آنفيلد، ويسمونه "مو صالا" وألفوا له أناشيد يتغنون فيها بسرعته ومهارته وحتى الأطفال في ليفربول يرسمونه في كراساتهم. وهناك من يرسم لحية على وجهه ويرتدي باروكة تشبه شعر صلاح. ويقول عنه الألماني ماركوس شتاينهوفر، زميله السابق في بازل السويسري: "لا يملك المرء إلا أن يحب صلاح". ويضيف حسبما نقلت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية" "مو بشوش بطبعه وراسخ ومتواضع".

لو ظل صلاح في مصر لبقي كعشرات المواهب المصرية الأخرى التي لم تتخط شهرتها إفريقيا والعالم العربي. لكن القدر كتب له طريقا آخر. فبعد تألقه مع منتخب مصر الأوليمبي في أولمبياد لندن تعاقد معه بازل في موسم 2013/2012، ففاز معه بالدوري وبلقب أفضل لاعب في سويسرا، ليرحل إلى تشيلسي الإنجليزي في شتاء 2014. لكنه لم يجد الفرصة لدى مورينيو فذهب في شتاء 2015 على سبيل الإعارة لفيورنتينا الإيطالي.

حلم البرمييرليغ بقي مع صلاح، الذي تألق في فيورنتينا، ليصبح معشوق الجماهير، غير أنه فضل بعدها التعاقد مع روما في صيف 2015. وبقى به موسمين وظهر بقوة كهداف وصانع أهداف. حيث سجل في الدوري 29 هدفا خلال 65 مباراة خاضها بقميص ذئاب العاصمة الإيطالية. ثم تعاقد معه ليفربول في يونيو/ حزيران 2017 مقابل 42 مليون يورو، بناء على رغبة المدرب الألماني يورغن كلوب، الذي كان يريد إعطاء خط هجومه المزيد من السرعة.

كانت صفقة صلاح حينها ثاني أغلى صفقة في تاريخ ليفربول وبسببها لام البعض على كلوب، مثلما فعل الناقد الرياضي ماكسيمليان شميكل، الذي كتب بموقع "غول" بالألمانية إن صلاح لاعب رائع غير أن التعاقد معه "لا فائدة منه نظرا لوجود كوتينيو ومانيه وفيرمينو، ثم إن مشكلة ليفربول في الدفاع وليس الهجوم". ولا نعلم إن كان صلاح قد قرأ كلام شميكل أو غيره من منتقدي الصفقة إلا أن رده على المشككين جاء سريعا وبقوة.

كانت بطولة "كأس أودي" الودية في ميونيخ الظهور الرسمي الأول لصلاح بقميص ليفربول، لكن باللون الأبيض. حيث نجح الوافد الجديد في تشكيل خطورة على مرمى بايرن ميونيخ في عقر داره وسجل الهدف الثاني في اللقاء، الذي انتهى بفوز ليفربول على الفريق البافاري 3- صفر في أول أغسطس/ آب 2017. ولتشهد عاصمة بافاريا ميلاد النجم المصري مع ليفربول.

في روما كان المدرب سباليتي يمدح صلاح يوما وينتقده يوماً آخر، لكن يورغن كلوب، وهو من أقرب المدربين لقلوب اللاعبين في الأندية التي دربها، فَهم صلاح جيدا ومنحه الحرية في التحرك في الجناح الأيمن، ليظهر النجم الشاب وكأنه تخلص من قيود كانت تكبل ساقيه وتمنعه من إظهار مهاراته الفطرية في الجري والمراوغة. لقد فك كلوب أغلاله. ويقول المدرب الألماني: "صلاح مهم لنا حتى لو لم يسجل لأننا نبني خططنا عليه".

يقول الألماني ماركوس شتاينهوفر زميله السابق في بازل "في موقف رجل لرجل يكون صلاح سريعا بشكل لا يصدق.. وارتكاب أخطاء ضده هو غالبا الإمكانية الوحيدة (لإيقافه) لكن لا يمكن أن يفعل معه لاعب ذلك الأمر 100 مرة في مباراة واحدة". ويغني له جماهير ليفربول "مو صلاح .. ملك مصري.. يركض عبر الجناح.." وقال عنه محمد أبوتريكه إن صلاح حرم مصر من ميدالية أوليمبية في سباقات الجري، بسبب اختياره أن يصبح لاعب كرة قدم.

في أول مباراة له مع ليفربول في الدوري الإنجليزي، في 12 أغسطس/ آب 2017، نجح صلاح في تسجيل هدف وصناعة آخر في مباراة انتهت بالتعادل مع واتفورد 3-3. وبقي على هذا الأمر يسجل ويصنع في كل مباراة تقريبا بالتعاون مع تشمبرلين وفيرمينو ومانيه وكوتينيو، قبل أن يرحل الأخير إلى برشلونة. ووصلت أهدافه حتى الجولة 32 من البرميير ليغ 29 هدفاً، كما صنع 10 أهداف لزملائه، الذين يشكل معهم ثنائيات رائعة.

ظل صلاح حتى بداية مارس/ آذار 2018 يتبادل مع هاري كين، نجم توتنهام ومنتخب إنجلترا، اعتلاء صدارة هدافي البرمييرليغ قبل أن يحسم صلاح المسألة في الجولات التالية ويصل لـ29 هدفا، متفوقا على كين بخمسة أهداف، وهو فارق ليس قليلا، بالنظر إلى المنافسة بينهما طوال الموسم. ولو نجح صلاح في مواصلة التهديف في الجولات الست المتبقية فسيحقق أرقاما قياسية خالدة غير تلك التي حطمها بالفعل.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل