المحتوى الرئيسى

مغامرة البحث عن «القاعات السبع» أسفل مسجد محمد على بالقلعة

03/24 10:27

رجل سبعينى يبدو وكأنه خرج من كتب الأساطير يجلس فى زاوية بمسجد محمد على مردداً عبارة «سبع قاعات شداد تحكى قصص ملوك الزمان، أبحث عن بوابتهم فيهم العبرة»، عبارة علقت فى الذاكرة عن قاعات سبع لا تزال موجودة ولكنها تحت الأرض قد تكون هى ذاتها ما جاءت فى كتاب «وصف مصر» وقيل إنها قصر السلطان الأبلق الناصر محمد بن قلاوون، غموض عبارة هذا الرجل لم يستمر طويلاً، وبدأنا رحلة البحث عن بوابة السبع قاعات السلطانية، وهى رحلة ليست طويلة لأنها على مقربة من الساحة الخلفية لمسجد محمد على بقلعة صلاح الدين.

نقطة البداية وانطلاق الرحلة تبدأ من سور حجرى ينتهى بسياج خشبى، ما أن تخطيناه وهبطنا 6 درجات حجرية حتى عثرنا على بوابة حديدية أسفل الحائط الشمالى للمسجد مغلقة بقفل غطاه الصدأ فى منطقة تظهر منها أطلال مبنى تاريخى حجرى أتى علية الإهمال، وكأن من أغلق القفل ألقى بالمفتاح فى بئر عميقة مظلمة، محاولات عديدة قمنا بها لفتح الباب أو العثور على مدخل آخر ولكنها باءت جميعها بالفشل، ولم يعد أمامنا سوى انتظار أمين العهدة وحامل المفتاح، الذى جاء حاملاً مفتاح بوابة القصر الخفى.

«محمود»: حصلنا على تمويل كويتى لترميم المبنى لكن أعمال الإنقاذ صعب استمرارها.. و«المقريزى» سجل فى مخطوطاته وصفاً دقيقاً للمكان بالكامل

بمجرد أن دخلنا بدا الأمر وكأننا نسافر عبر آلة الزمن إلى إحدى قصص «ألف ليلة وليلة» عبر درج حلزونى هابط، ووسط ظلام دامس تحسسنا خطواتنا حتى وصلنا إلى منعطف أخير نقلنا إلى عالم آخر عبارة عن قاعة ممتدة ذات أعمدة وممرات وأكتاف حجرية ضخمة ذات منحنيات نصف دائرية بعضها لا يزال أغلبه مطموراً تحت أطلال الزمن، عقد حجرى ضخم، طالت الشقوق أغلبه، أصوات صفير بدت بعيدة فى بادئ الأمر تأتى من قاعة حالكة الظلام ثم بدأت فى العلو مع اقترابنا من القاعة الداخلية حتى أصبح أزيزها يصم الآذان، حالة من الوجوم والخوف طالتنا بددها صوت مضيفنا ناجى محمود مدير عام منطقة آثار القلعة بقوله إن الصوت لخفافيش تستوطن المكان منذ فترة ليست بالقليلة وأن أعدادها فى القاعات الداخلية بالمئات والرائحة النفاذة التى استقبلتنا بسبب الخفافيش، والقطع الطينية المنتشرة على حوائط المكان عبارة كهوف لها هى وصغارها، ومع الاقتراب وانطلاق وميض فلاشات الكاميرا بدأت أسراب الخفافيش أكثر ظهوراً ووضوحاً.

فى مكان ليس ببعيد حفرة ضخمة مظلمة مغطاة بدعامات حديدية، ما أن اقتربنا منها حتى تكشف لنا طابق آخر يحتاج الوصول إليه إلى القيام بما يشبه العملية الانتحارية، حيث قال ناجى محمود، مدير منطقة آثار القلعة، إن أعمال الإنقاذ بدأت من أسفل وقد تتسبب حال حدوث أى خطأ فى انهيار المبنى، وهو ما يهدد مسجد محمد على، لذا يجب أن تكون أعمال الترميم والتنظيف ورفع الرديم من الطابق العلوى وليس الطابقين السفليين المختفيين تحت القاعة التى نراها، وهى ليست طابقاً واحداً بل ثلاثة طوابق، وما يظهر منها هو الطابق الأخير فقط ويحتاج ظهور الطابقين الآخرين لعملية تكاد تكون «مهمة مستحيلة».

وتابع «محمود» ونحن نستكمل الرحلة معه: «حصلنا على تمويل كويتى منذ فترة لترميم المبنى، لكن أعمال الإنقاذ صعب أن تستمر بشكل دائم دون توقف، حيث إن العمل يتم بالتوازى مع رصد حالة الأثر وهذه القاعات تهدد الصخرة، لذا نقوم برفع الرديم وعمل معالجة للحوائط ثم نعاود رفع الرديم».

المكان تسكنه أسراب الخفافيش وكان مقراً للحكم وسجناً حربياً فى عهد العثمانيين وقصر الأبلق يحتاج مبالغ ضخمة لإعادته للحياة

غادرنا القاعات لكن شغفنا لمعرفة المزيد عن تاريخ هذا المكان قادنا إلى «المقريزى» الذى سجل فى مخطوطاته وصفاً للقلعة وللقاعات السبع، قال فيه «هذه القاعات تشرف على الميدان وباب القرافة، عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأسكنها سراريه، ومات عن ألف ومائتى وصيفة مولدة، سوى من عداهنّ من بقية الأجناس».

«واستكمل البناء بالقاعات البيسيرية التى أنشأها السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، وكان ابتداء بنائها فى أوّل يوم من شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة، ونهاية عمارتها فى الثامن عشر من ذى الحجة من السنة المذكورة، فجاءت من الحسن فى غاية لم يُر مثلها، وعمل لهذه القاعة من الفرش والبسط ما لا تدخل قيمته تحت حصر، فمن ذلك تسعة وأربعون ثريا برسم وقود القناديل، جملة ما دخل فيها من الفضة البيضاء الخالصة المضروبة مائتا ألف وعشرون ألف درهم، وكلها مطلية بالذهب، وجاء ارتفاع بناء هذه القاعة طولاً فى السماء ثمانية وثمانين ذراعاً. فجاءت من الحسن فى غاية لم يُر مثلها، وعمل لهذه القاعة من الفرش والبسط ما لا تدخل قيمته تحت حصر».

وتعتبر القاعات السبع «قصر السلطان محمد بن قلاوون» «منطقة تراكم أثرى وتراثى لأربع فترات تاريخية مهمة، الوحيدة هى من باب صغير وسط بقايا قصر الناصر محمد بن قلاوون الذى كان يوماً من أهم محتويات المنطقة التاريخية، ويعتبر نموذجاً رائعاً للبناء فى العصر المملوكى، وأكدت الدراسات أن القصر بنى من أحجار أهرامات جلبت من منطقة الأهرامات بالجيزة وبعد أن سقطت أجزاء منه بسبب زلزال كما يؤكد البعض أعيد استخدامها من قبل الجيش الإنجليزى الذى كان قد استخدم المكان كمعسكرات لقواته، حيث بنيت بها مبانٍ صغيرة لاستخدام الجنود الإنجليز، ورغم ذلك ما زال جزء من القصر قائماً وهو جزء شديد الجمال، كما أن العقود أو الأعمدة التى شيد عليها القصر من الضخامة وتوضح مدى ضخامة البناء وفخامته ومن بقايا المكان أيضاً قاعة ضخمة كانت تستخدم كمحكمة، وهو مبنى شديد التميز من الخشب له سقف مرتفع.

والقاعات السبع كما يقول الدكتور جمال مصطفى يرجع تاريخها إلى السلطان الأشرف «خليل بن قلاوون»، ثم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد دون التاريخ على صفحاته أن هذه القصور السلطانية استخدمت سجناً لكبار الشخصيات العثمانية فى مصر، وأيضاً شغل هذا القصر حتى أوائل عام 1946 السجن الحربى للجيش البريطانى.

وتابع: «مر على القلعة ثلاثة عصور؛ الأيوبى والمملوكى وفترة محمد على، لذا تعددت استخداماتها فهى من مقار للجوارى والحريم إلى مقار للحكم بعد توسعتها وإضافة قصور أخرى إليها».

وقال «مصطفى» إنه من الخطأ الزعم أن محمد على قام ببناء مسجده عليها ليهدم ويمحو تاريخ المنطقة، فالحقيقة أن هذه القاعات بعيدة عن المسجد، وأن كل ما قيل هو اجتهادات من غير المتخصصين، فالمنطقة ملاصقة للمسجد ولكنها ليست أسفله، ومحمد على أنشا مسجده على ربوة عالية تكون مرئية للعيان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل