المحتوى الرئيسى

تسلم الإيد اللي ربّت (قصة مصورة)

03/21 19:19

الحياة ستكون ثقيلة. علمت "سلمى محمد" ذلك بعد انفصالها عن زوجها منذ عامين. لكن السيدة الثلاثينية ألقت ما حدث وراء ظهرها؛ قررت توفير حياة جيدة لطفليها قدر المستطاع؛ تكفّلت بالتربية وجزء ليس قليل من الرعاية المادية.

تعمل "سلمى" في 3 أماكن بالتوازي؛ موظفة في جامعة القاهرة، مُدربة سباحة داخل أحد النوادي، ومُدربة خصوصية لنفس الرياضة. يومها مُزدحم، مُرهِق، ولا فرصة فيه للخطأ. 

في كل إجازة تتأمل "سلمى" الأحوال؛ تتساءل في لحظات الصفاء: من أين أتت بتلك الطاقة؟، كيف تصير فجأة فردا بـ10 أيادي؟، هل تتحقق كافة أحلامها ولماذا تستمر في السعي؟، فيما تكفيها ابتسامة صغيرة من طفليها "حنين وعلي" للإجابة على الأسئلة الجدلية.

تُنهي السيدة عملها قبيل الثانية ظهرا، لتبدأ رحلة اصطحاب ولديها من الحضانة والمدرسة، ثم الاستعداد لعملها الثاني أو اصطحاب ابنتها "حنين" إلى تمرين السباحة. تذكر أحد الأيام الممطرة "خلصنا مدرسة، وروحنا التمرين الدنيا مطّرت علينا بشكل رهيب وبعدين روّحنا عملت الأكل وقعدنا نذاكر".. تعتبر الأم تلك التفاصيل عادية، تفعلها يوميا "لكن لما بحكي للناس بيحسوا إني بطلة ويمكن ده بيبسطني شوية".

"مخي دفتر" هي العبارة التي تُذكّر بها نفسها كل صباح، لذا وجب التدوين في وريقات صغيرة؛ تعلقها تارة على الحائط ووسط حقيبتها أو في كراسة صغيرة تشير إلى مصاريف المدارس والمكوجي، جامع القمامة ومتطلبات الغذاء، ملابس البنت وحذاء الولد، فاتورة الموبايل والأدوية. 

وسط حالة من الركض خلف مستلزمات الحياة، تسعى "سلمى" دوما للتنقيب عن لحظة سعادة، تشارك أطفالها وتدعمهم؛ تعدهم بنزهة في الإجازات الأسبوعية، تُحضر لهم شجرة صغيرة في المنزل، ليحتفلوا برأس السنة، تشتري لهم ألعابا كلما سنحت الفرصة، تبسط حبال الودّ على قلبيهما، وتحتدّ في أوقات أخرى.

الترغيب يفتت الأزمات، فحين يستعصي صغيرها على أخذ الدواء تعده بـ"خروجة"، وحين يرفض تناول الطعام تُغريه بالشيكولاتة، وهكذا تستمر اللعبة، لأنها تعرف جيدا أن الترهيب لن يُفضي إلا لمزيد من العناد الطفولي، وكذا لأن قلبها لا يقوى على كسر خاطر أحباءها.

لا تكل "سلمى" من الواجبات اليومية، تُفند المشاكل لتجد الحل. أدركت منذ عام أن "علي" صاحب الأربع سنوات يعاني من أزمة في الكلام "وقتها ودّيته مركز تخاطب.. مكنتش عارفة لأي مدى النتيجة هتبقى كويسة"، استمسكت بمحاولاتها اليومية لمساعدة الصغير؛ درّبته، نفّت تعليمات الأخصائيين، صبرت على تعليقات سخيفة سمعتها من الآخرين، سقطت في فخ الحزن والشعور بالوحدة مرارا، لكن الحياة ابتسمت لها في النهاية قليلا، فمنذ أسبوع ذهب "علي" إلى حضانة نظامية "ونجح في المقابلة الشخصية".

لا تسلم أم الطفلين من نظرات مُزعجة "بس أنا عارفة الناس مبتسيبش حد في حاله سواء متجوزة أو معهاش حد". تضع "حنين وعلي" نُصب عينيها، تشعر بالانكسار حين تتعب قليلا "لما مبقاش قادرة أقوم أعمل أكل ولا أذاكر لهم.. ساعتها بحس إني لوحدي فعلا"، لكن ذكاء ابنتها الكبيرة يُجبر الكسر أحيانا "بتبقى مسئولة عن علي.. تساعده ياكل أو تهتم بنفسها.. بتبسط لأنها مُدركة إني بحبهم وبتعب علشانهم".

رغم كل شيء، ثمة قوانين لم تحد عنها الأم؛ كانت تعلم مدى حُب ابنتها ذات الثمانية أعوام للسباحة "اتدربنا في أكتر من مكان بس مرتحناش غير في نادي في الهرم"، أحيانا ما كانت "حنين" تعود من التمرين حزينة "تقولي إن الكابتن بيزعق لي أو بيشدّ عليا"، فتبدأ "سلمى" في البحث عن مكان آخر، والآن وبعد عدة أشهر، حصلت الصغيرة على مركز متقدم في فريق النادي "وقتها بس حسيت إن كل التعب راح".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل