المحتوى الرئيسى

الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى فى الذكرى التسعين | المصري اليوم

03/20 03:58

يمتلئ محرك البحث «جوجل» بكميات هائلة من الهراء.. تتوارى كتابات العلماء أمام كتائب الحقد والجهل. لم يعُد سهلاً أن تجد نموذجًا أو قدوة عبْر «جوجل». هَدَمَ محرك البحث جوجل كل شىء.. الشتائم للكلّ والسُّباب للجميع.. حمقى من كل اتجاه لا يجمعهم سوى بناء واحد: مصنع الكراهية.

لقد تراجع معظم الصحافة المصرية كثيرًا كثيرًا.. إلى الوراءِ وإلى أبعدِ مدى.. لا يفعل بعض الصحفيين سوى إعادة إنتاج مخلفات الإنترنت فى موضوعاتهم الصحفية.. فتجد هوامش الأشياء تتكرر بانتظام وفى كل مناسبة.. لتشارك الصحافة بقدرٍ كبيرٍ من إعادة إنتاج التخلف وتدوير القمامة.

احتلَّ المتطرفون «دولة جوجل».. لم يجدوا قلمًا عاقلاً إلا قصفوه، ولا عالِمًا وسطيًّا إلّا أهانوه.. ولا فكرًا حضاريًّا.. إلّا أتوْا عليه حتى لم يبقْ منه شىء.

إن علماء الوسطية وشيوخ الأزهر باتوا ساحة رماية لهؤلاء المجرمين.. لقد داسوا فضلَ العلماء والفقهاء.. المفسرّين والمحدّثين.. الفلاسفة والمفكرين.. تحت أقدام الغِلِّ والكيْد.. عمالةً لسادتِهم، وحسدًا من عندِ أنفسهم.

لقد تحدثت أكثر من مرة مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.. فى ضرورة أن يخوض الأزهر «حرب جوجل».. وأن يلاحق الاعتدالُ التطرفَ.. ويطارد الذين يعلمون الذين لا يعلمون.

إن منصب شيخ الأزهر هو «الهدف الأكبر» لمنظومة السهام والرصاص.. ومن الواجب أن تدرس المؤسسة القائدة للعالم الإسلامى الوسائل العلمية والتقنية لخوْض المعركة.. وتحديث آليات الدعوة وآليات حماية الدعاة.

إن الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل.. عانى فى حياته ثم عانى بعد مماته.. الكثير من الهجوم ومحاولات الاغتيال الفكرى.

ترك المتحدثون التفسير الكبير للشيخ محمد سيد طنطاوى «التفسير الوسيط» بمجلداته الخمسة عشر، وكتابه المهم «القصة فى القرآن الكريم» بمجلديه الكبيرين، وكتابه الشهير «بنو إسرائيل فى القرآن».. ودراساته الرائدة فى معاملات البنوك وأحكامها الشرعية.. وغيرها.. وفتاواه الألفية.. التى تجاوزت فى عهد رئاسته دار الإفتاء سبعة آلاف فتوى.

لقد ترك المتحدثون- أيضًا- الأعمال الخيرية للإمام الجليل الذى تبرع بالقيمة المالية لجائزة الملك فيصل العالمية لصالح قريته: «سليم الشرقية- مركز طما- محافظة سوهاج».. ويذكر الدكتور طه أبوكريشة، عضو هيئة كبار العلماء، فى حديثٍ للأهرام.. أنَّ الإمام الأكبر الراحل كان يتبرع من مكافآته ومالِه الخاص لصندوق الأزهر.. وكان لا يحب الحديث عن ذلك.. وتؤكد أسرته أن ما تبرع به يفوق أضعاف ما تركه لعائلته.

راح المتحدثون يكررون نشر صورة الإمام مع شيمون بيريز.. ويكررون حكايات ركيكة عن انفعال الإمام فى موقفٍ أو موقفين.. تاركين ما كان عليه الشيخ الجليل من علمٍ وفضلٍ.

لقد كنتُ واحدًا ممن أخطأوا ذات يومٍ.. وانتقدتُ المصافحة المتعمَّدة لمجرم الحرب الإسرائيلى شيمون بيريز.. ثم تحدَّثَ معى وزير العدل الأسبق المستشار ممدوح مرعى وقال لى: إن الإمام صافح كثيرين دون أن يعرف من همْ.. وأنه لم يعرف أن هذا الشخص هو شيمون بيريز. وأنا تحدثت معه وأؤكد لك بكل صدق أن هذه هى الحقيقة.. لم يعرف الشيْخ من هذا الشخص الذى تسلَّل ضمن عدد كبير من الذين صافحوه. ولقد خرجت على الشاشة فى اليوم التالى.. وأوضحت واعتذرت.. ثم فيما بعد كررتُ الاعتذار وتحدثتُ عن فضلِ الإمام.

كان الإمام طنطاوى عالماً متواضعاً، وكان يميل إلى تبسيط علوم الدين وتيسير فهمه للطلاب والدارسين. وقد ألف فى ذلك كتبًا تعليمية مهمة، كما قام بتبسيط التفسير مرة أخرى فى سلسلة أحاديث إذاعية أجراها الأستاذ سعد المطعنى فى إذاعة القران الكريم. وهو ما دعا الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، لوصفه بالعالم الموسوعى. ولَم يكن الإمام طنطاوى فى سعيه وعلمه بالذى يغتر ويستعلى.. أو يزهو ويفخر.. بل كان عالمًا متواضعًا يعرف للعلماء أقدارهم وأوزانهم.. وحين سُئل عن الشيخ الشعراوى قال: هو أستاذنا.. تعلمنا منه الكثير وله فضل على الجميع.

تحتاج مصر إلى أن تعيد الاعتبار لمقام فضيلة الإمام الأكبر الراحل الشيخ محمد سيد طنطاوى. وقد أحسن مجلس أمناء مؤسسة المسلمانى الخيرية حين قرر الإعداد لندوة كبرى يحاضر فيها فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية.. ونجل الإمام الأكبر المستشار عمرو محمد سيد طنطاوى.. القاضى فى محكمة استئناف القاهرة.. ونخبةٌ من أصدقاء وتلاميذ الإمام.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل