المحتوى الرئيسى

مذبحة الهدم العشوائى لفيلات المهندسين - صوت الأمة

03/18 06:37

فى ستينيات القرن الماضى كانت شوارع منطقة المهندسين تتسع للفيلات المعمارية بشكل ملحوظ، لم يزد ارتفاعها على ثلاثة أدوار، صُممت تلك المنطقة على أراض زراعية، وازداد سكانها بشكل ملحوظ فى أوائل السبعينيات، لما كانت تحتوى عليه من نسق حضارى له معنى وتاريخ.

واليوم فى عام 2018، وبينما تسير فى شوارع المهندسين ستجذب انتباهك تلك الأبراج السكنية، فالفيلات المعمارية لم تعد موجودة، أنت الآن أمام منطقة تحّولت بين يوم وليلة إلى أبراج سكنية شاهقة الارتفاع، حتى كتابة هذه السطور هدم الفيلات لا يزال مستمرا فى شوارع المهندسين.

تلك المنطقة التى تتبع إدارياً حى العجوزة وتقترب مساحتها من ستة آلاف كيلومتر مربع، تغيّرت ملامحها المعمارية، كل يوم يستيقظ سكانها القدامى على خبر هدم فيلا فى شارع مجاور، وبناء برج شاهق. 

فى طريقنا للسير داخل شوارع المهندسين الجانبية لبضعة دقائق، مررنا على ما يقرب من ثمانية فيلات هُدمت فى مناطق قريبة من بعضها البعض واجتمعت روايات هدمها فى سبب واحد «أصحابها باعوها ثم هُدمت كى يُبنى مكانها برج سكنى شاهق».

فى شارع الإسراء الذى بُنيت فيلاته وعقاراته عام 1958، ولم يكن ارتفاعها يزيد على ثلاثة أدوار، لم يعد به سوى أبراج سكنية يصل ارتفاعها لـ 11 دورا، وفى شارعى الأحرار والثورة حوالى خمس فيلات أخرى هُدمت، واحدة منها اشترتها الشركة العقارية للإسكان والتعمير من أصحابها الأصليين، وتنوى بناءها برجا سكنيا.

فيلا أخرى هُدمت أحاطها أصحابها بسور خشبى، فى تقاطع شارع الأحرار مع الثورة، قال خفيرها، إنها معروضة للبيع منذ فترة، «فيه كذا مشترى، لكن صحابها طالبين مبلغ كبير، 15 مليون جنيه».. هكذا قال الخفير فى تصريحات مقتبصة لـ «صوت الأمة».

أثناء تفقدنا لشوارع المنطقة، وجدنا أرض فضاء يسكن بها عدد من السيارات كـ «جراج خاص»، قال أحد سُياس المنطقة إنها كانت فيلا وهُدمت هى الأخرى واستغلها أصحابها كـ جراج للسيارات حتى يتسنى لهم بيعها.

وعلى بعد هذا الجراح بـ 10 أمتار فى نفس الشارع الجانبى الصغير، كان هناك برج شاهق فى مراحله النهائية، قال خفيره لـ «صوت الأمة» إنه كان فيلا فى السابق وباعها أصحابها بنفس الطريقة وهُدمت ثم أصبحت برجاً.

أحد سكان المنطقة وكان يعمل مستشارا سابقا لمحافظ القاهرة، ويدعى لواء أحمد بيومى، قدم استغاثات فى بريد القراء الذى تنشره أسبوعياً جريدة الأهرام يطالب بالتوقف عن هدم الفيلات بمنطقة المهندسين.

وتساءل هل تتحمل المرافق الحالية الأبراج الجديدة؟ وهل حصلت على موافقة إدارة المرور؟ ومن سيقوم بإصلاح الأسفلت والأرصفة الجارى إتلافها؟ وهل تم التفكير فى سكان الشارع وما يصيبهم من ضوضاء وتغيير النمط الاجتماعى العمرانى بعد بناء محال تجارية ومطاعم ومنهم المرضى وكبار السن؟ وهل درس المسئولون مدى ما سيكون عليه الشكل العمرانى بالمنطقة؟ وما سيكون عليه من عشوائيات؟. 

«ما يحدث فى المهندسين الآن هو عشوائية هدم المبانى، ويتبعه من إتلاف للمال العام والقضاء على الشكل الجمالى لهذه المنطقة وغيره».. يتابع ذلك أحمد بيومى أحد سكان المهندسين.

فى مسلسل هدم الفيلات فى تلك المنطقة تبدأ الروايات بنفس الطريقة، أصحابها يعرضونها للبيع عن طريق سماسرة أو عن طريق الإنترنت، ويكفى أن تدخل على موقع البيع والشراء الإلكترونى «أوليكس» وتكتب «فيلا بالمهندسين» ستجد سيلاً من الإعلانات عن بيع وشراء فيلات بمنطقة العجوزة والمهندسين يعلن أصحابها تفاصيل كاملة عنها.

هناك إعلان بتاريخ 11 مارس 2018 عن بيع فيلا مساحتها 700 متر بحديقة وجراج فى شارع سيد عبدالوحيد بمنطقة المهندسين، تواصلنا مع صاحبها ويدعى خالد عبد الفتاح، عبر الهاتف الخلوى باعتبارنا نبحث عن فيلا فى منطقة راقية وبسعر معقول، أكد أنه عرض فيلته للبيع من أجل السفر خارج مصر، وأنه ورثها عن والده الذى كان يعمل مهندسا فى أحدى الشركات الأنترناشيونال.

بسؤاله عن أهمية النسق المعمارى فى تلك المنطقة وضرورة الحفاظ على الحالة المعمارية للفيلا بعد بيعها، قال إنه ليس من حقه إضافة ذلك فى العقد لأن بمجرد بيعها تصبح خاصة بمالكها الجديد حتى لو كان بها طابع معمارى مميز، إلا إذا كان عارضها للإيجار وهذا ما لا يريده.

فى المادة الثانية من قانون تنظيم هدم المبانى الصادر سنة 2006 فى شأن تنظيم هدم المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز أو المرتبطة بالتاريخ، ولا يجوز هدم ماعدا ذلك أو الشروع فى هدمه إلا بترخيص يصدر وفقاً لأحكام هذا القانون.

القانون ذاته يُعاقب كل من هدم كلياً أو جزئياً مبنى أو منشأة بالحبس مدة لاتقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، ونص القانون على وجوب شطب اسم المهندس أو المقاول المحكوم عليه من سجلات نقابة المهندسين أو الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء بحسب الأحوال، وذلك لمدة لا تزيد على سنتين، وفى حالة العودة يكون الشطب لمدة لاتقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات.

«أتحداك أن يكون فى واحد هدم مبنى تراثى أو ذو نسق معمارى وتم تنفيذ عليه العقوبة المنصوص عليه فى القانون، مافيش حد هدم مبنى واتعاقب». بهذه الكلمات تستهل سالى سليمان الباحثة فى التراث المصرى والتى قادت أكثر من حملة للحفاظ على المبانى التراثية فى مصر حديثها مع «صوت الأمة».

وأوضحت أن هدم المبانى التراثية والمعمارية يحدث فى كل مناطق مصر وليس فى منطقة المهندسين والعجوزة وحدها، وأن هناك حملة ممنهجة يقودها مقاولون ورجال أعمال بهدف التربح لا أكثر ولا أقل، مؤكدة أنه لم يعد هناك شىء اسمه الحفاظ على المبانى التراثية، بسبب الهدم الكثيف والممنهج لهذه المناطق.

«إحنا بنتكلم فى مئات المبانى فى القاهرة والإسكندرية تم هدمها بنفس الطريقة سواء كانت هذه المبانى مسجلة فى مجلد الحفاظ على المبانى التراثية أو لا، هناك انتهاكات تحدث، وطوال الوقت بنقول للناس إلحقونا وماحدش بيتحرك».. تتابع سالى.

وتُضيف أن منطقة المهندسين والعجوزة وما بها من نسق معمارى مُهم لأولئك الذين يتتبعون التطور العمرانى بشكل أكاديمى، لكنها ليست مهمة للسياحة، لأن السياح الذين يأتون لهذه المنطقة هى سياحة خليجية واهتماماتهم مختلفة تماماً.

وتتابع حديثها بالقول: «قانون التنسيق الحضارى به عيوب كثيرة، ولا أحد يتحرك، القانون محتاج يتعدل بقاله عشر سنين، من سنة 2008 وهما عارفين أن القانون فيه مشكلة». 

رئيس جهاز التفتيش على المبانى سابقاً حسن علام، يؤكد فى حديث لـ «صوت الأمة» أن مشكلة هدم فيلات المهندسين موجودة بسبب ثغرات القانون الذى تعامل بمبدأ «لا تقربوا الصلاة» حسب وصفه.

ويستطرد فى حديثه، بأن القانون أجبر الناس إنها لا تهدم الفيلات بسبب قيمة الفيلات التاريخية لكن دون أن يقوم بتعويض المالك بأى شىء مادى، وبالتالى أصبحت هناك تلاعبات فى القانون.

ويقدم حلولا لهذه المشكلة من خلال أن تقوم الدولة بشرائها أو تأجيرها من أصحابها، وتعويضهم بقيمة مالية مناسبة، ويتم الحفاظ على النسق المعمارى ومن ثم يُصبح مزارا سياحيا فيما بعد، «60% من المبانى السياحية فى تركيا وإنجلترا هى مبانى الدولة من مواطنين عاديين كى تحافظ على نسقها المعمارى والحضارى».. يتابع.

هناك ما يقرب من  111 ألفا و875 قرارا بهدم المبانى أصدره جهاز التفتيش الفنى للمتابعة على أعمال البناء على مستوى الجمهورية، وطبقاً لتصريحات رئيسه السابق حسن علام، فإن محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة بها 60 ألف عقار أيل للسقوط، فى القاهرة وحدها 30 ألف عقار آيل للسقوط، موضحاً أنه تم إصدار قرارات إزالة، لكنه لم يتم تنفيذ سوى خمسة آلاف قرار فقط، والباقى لم يتم تنفيذه بسبب الظروف الأمنية فى الفترة الماضية.

ووفقا لتصريحات علام فإن الأحياء والمحافظات أصدرت نحو 300 ألف قرار ترميم للعقارات الآيلة للسقوط أكثر من 80% من هذه القرارت لم تنفذ بسبب طبيعة العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر.

وأوضح أن إجمالى العقارات المخالفة وصل لـ600 ألف عقار و7 ملايين وحدة سكنية مخالفة، معرباً عن قلقه بسبب أن 40% من العقارات بمحافظة القاهرة انتهى عمرها الافتراضى وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا على حياة السكان ويجب إزالتها فوراً.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل