هل «المرأة عدو المرأة»؟

مزامنة مع توجهات عالمية نحو تمكين المرأة على كل المستويات بما فيها السياسية، تعود عبارة «المرأة عدو المرأة» إلى واجهة الاستهلاك اللافت عند الجنسين معا.

بداية، فى معظم مجتمعات (ما قبل الدولة المدنية) توكل السلطات مهمة تربية الجيل إلى المرأة الأم مع الجدة ونساء الأسرة القريبات كالخالات والعمات والجارات وصولا إلى المعلمات. وعلى الرغم مما تتركه كل امرأة من بصمات خاصة بها على محيطها إلا أنها محكومة بمنهج تربية عام يتضمن خليطا من عادات وتقاليد و«عيب وحرام» ينبغى عليها أن تنقله للأبناء لتنال الرضا الاجتماعى عنها بوصفها زوجة صالحة وأما فاضلة. وعلى ذلك فالمرأة هنا هى ناقل ووسيط، حارس وشرطى مفوض اجتماعيا ودينيا، عبر الحث على طلب رضا الأم لخدمة «ثقافة» تريد تأبيد سلطات القائمين عليها. ومن البديهى، فى بلداننا تحديدا، أن نسبة مساهمة جموع الرجال والنساء العاديين فى إنتاج الثقافة تكاد تكون معدومة، على حين يجرى استهلاك الثقافة السائدة بوصفها المنتج المتاح والذى يأمن شر السلطات. وهكذا فتصادم النساء والعداء بينهن، لا يعود لأسباب جوهرانية تكمن فى ذات النساء، بقدر ما ترتبط بموقف النساء من السائد والمسيطر والمهيمن من السلطات، سياسية كانت أو اجتماعية، دينية، اقتصادية.

أول مواجهة تخوضها المرأة هى مع نساء عائلاتها القريبات. هذا واقعى ومؤلم ومستنزف للطرفين، فالأم تعرف مشاعر ابنتها لأنها سبق وأن عاشتها وتعترف ضمنا بحقها فى التجربة والخطأ أيضا، وحقها فى النمو والاختيار الحر، لكنها مجبرة على الانحياز لوظيفتها الاجتماعية (كثير من أمهات النساء المغدورات بما يسمى «جرائم الشرف» يشجعن الذكور على الجريمة، أو يتسترن عليهم أو يصمتن بعجز وقهر) كما هناك أعداد كبيرة من الأمهات تماهين مع وظيفتهن بفعل القناعة أو الاعتياد.

وعلى الرغم من ذلك تظل معارك تحرر النساء من أقسى المعارك لأنها لا تنفصل عن الشعور بالذنب تجاه العائلة والخوف من النبذ الاجتماعى والأسرى وكافة تبعات المخاطرة.. إلخ. لكن هذا الواقع المأساوى لا يحيل إلى استنتاج أن المرأة عدو المرأة، إلا بالقدر الذى يمكن أن نستنتج أن العامل المضرب عن العمل عدو الآلة التى يحطمها، أو أن القاتل هو المسدس وليس من يضغط على الزناد بالشراكة مع المحرض سواء كانت أسبابا أو دوافع أو أشخاص.

من نقص العقل إلى نقص الانسانية، «الكراهية»

بعد تاريخ طويل من الصراعات تراجعت تهمة نقص العقل الموجهة للمرأة واستبدلت بتهمة أكثر بشاعة: العداء للمرأة. من وجهة نظر ذكورية لا بد من البحث عن تهم جوهرانية. هذا صراع على السيادة، ولن يستسلم العقل الذكورى بسهولة وسيظل بإمكانه توليد تهم غير قابلة للقياس ولا للمشاهدة ولا للموازنة (على الرغم من كل ما يقال عن طبيعة العقل العلمى والمنطقى لدى الذكر). ففى الوقت الذى تمتدح فيه منافسة التلاميذ والرياضيين والعلماء والكتاب وصولا إلى منافسات الشركات والدول وتسبغ عليها أرقى الأوصاف مثل المبادرة واليقظة والطموح والرغبة بالتطوير والفتوحات وكسر الحدود ومجابهة التحديات وتعميم الخيرات...، فجأة تختلف المعايير عندما يتعلق الأمر بالنساء فيصبحن ذكوريات مستبدات محبات للظهور وبالأخص عدوات بعضهن! لسن عدوات الموقف أو الرأى أو الموقع الذى تتخذه جماعة ضد أخرى وإنما هن عدوات لبعضهن بسبب جوهر خاص بهن اكتشفه الذكور، الأمر الذى يشوش النساء ويحط من عزيمتهن ويدخلهن فى صراعات جانبية من الشك إلى البحث والرد والتبرير.

هذا لا يعفى النساء من مسئوليتهن عن وصم الأخريات بالعداوة، محاوِلات تمرير مهادنات غير مبدئية ولا أخلاقية مع السلطة الذكورية. فبدل أن ينلن من السلطة مباشرة يضربنها من خاصرتها الأضعف المتمثلة بأدواتها من النساء. وعلى الضفتين تتبادل النساء نعت الآخريات بأنهن هن عدوات المرأة ولسن نحن، لتخلد السلطات الذكورية إلى الراحة: إنها عداوة نساء، فخار يكسر بعضه.

من هم أصدقاء المرأة إذا؟

ليس للمظلومين والمضطهدين إلا توحدهم وقوة إرادتهم المشتركة. تقترب النساء من قضايا المجتمع أكثر وتبدأ بوعى وجودها وحقوقها فى سياق اجتماعى يجمعها مع غالبية الرجال المضطهدين، لتلقى ترحيبا وتشجيعا بادئ الأمر. ففى أوقات المعارك والصراعات تشتد الحاجة إلى جنود ووقود. سلطات ومعارضات يكتشفن قوة النساء ويمتدحن المقاتلات والإعلاميات ويُطْرين صبرهن وتحملهن وربما ذكاءهن، ويلعبن على وتر العداوة ضد الخصم برجاله ونسائه، التى تصبح ضربا نادرا من المبدئية والاستقامة والاخلاص. لكن معظم الرجال يقفون عند حدود المطالب السياسية ولا يمتلكون حساسية خاصة تجاه مطالب النساء، وربما يخشونها. تروى الكاتبة «آذر نفيسى» فى مذكراتها عن «الثورة الايرانية» أنه ما إن لاحت بوادر النصر لأنصار الخمينى حتى أخذوا يتشددون تجاه حجاب المرأة ويلاحقون النساء السافرات بالأذى بعد أن فرضوا الحجاب فى الجامعات والمدارس، وكان زملاؤهم من العلمانيين يتهربون من إبداء موقف حازم تجاه حرية النساء فى اللباس، ليصل بهم الأمر إلى محاولة الضغط على النساء لقبول الأمر الواقع بذريعة أن وضع قطعة قماش فوق الرأس لا تستدعى فتح معركة مع أنصار الخمينى إلى أن وصل الأمر ببعض العلمانيين أنهم استساغوا بعض جوانب التدين وطبقوه، مثل تعدد الزوجات!

وقبلها فى أوروبا قيل للنساء بعد أن انتهت الحرب وعدن من المصانع والمزارع وفرغن من المساهمة بإعمار بلداهن: عدن إلى بيوتكن فالرجال بحاجة إلى من يطبخ لهم ويرفه عنهم.

وفى بلداننا الشواهد لا تحصى حول كيفية التعاطى مع المرأة من قبل الأطراف المتصارعة. على حين يكتفى بعض مناصرى المرأة من المثقفين والنشطاء بإبداء مشاعر العطف المواساة.