المحتوى الرئيسى

ما اثر صراع النفوذ بين السعودية وايران على المنطقة؟

03/16 20:12

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

تبدو صور مقاتلي حزب الله الذين لقوا حتفهم في الحرب في سوريا واضحة للعيان لمن يتجول في شوارع الضاحية الجنوبية في بيروت، أو في غيرها من المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مثل النبطية التي تبعد عن بيروت مسافة ساعة بالسيارة، وتحلق في ذات المناطق أعلام حزب الله، وصور قادته الحاليين والسابقين، مثل السيد حسن نصر الله، أمين عام الحزب، وعماد مغنية، القائد العسكري السابق للحزب الذي تم اغتياله في سوريا، والامام الراحل موسى الصدر.

ويبدو التوجه العام لابناء هذه المناطق واضحا نحو ما يجري في سوريا، إذ يقرون بأن حزب الله دفع ثمنا باهظا نتيجة مساندته لنظام بشار الأسد، ولكن لولا جهود الحزب، الذي تدعمه ايران عسكريا وماليا، لتمكنت الجماعات المتطرفة، مثل جبهة النصرة وما يعرف بتنظيم "الدولة الاسلامية"، من السيطرة على سوريا، وبعدها كانت ستوجه سلاحها الى لبنان. باختصار، الرأي السائد هو أن أيران وحزب الله نجحا في منع التنظيمات التكفيرية من التمدد في سوريا وفي العراق.

وعلى النقيض، تبدو الصورة مختلفة تماما عندما تنتقل الى الاحياء ذات الأغلبية السنية في بيروت، مثل "طريق جديد"، حيث تطل عليك صور بإحجام كبيرة لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، ووالده رفيق الحريري، وشعارات عما حققه الزعيم الحالي ووالده من إنجازات. والتوجه العام لابناء المنطقة هو إن ايران وراء مشكلات وأزمات كثيرة في الدول العربية، فهي التي دعمت بشار الأسد لقمع ثورة الشعب السوري ضده، وهي التي تدعم ميلشيات وأحزاب في عدة دول عربية بشكل يضعف الدولة ويفتتها، وهي التي تلعب بورقة الطائفية لتحقيق مصالحها، هذا علاوة على التأييد الواضح للسعودية التي يحمل الحريري جنسيتها، بالاضافة إلى جنسيته اللبنانية.

وهذا التناقض الصارخ، الذي تراه بمجرد الأنتقال من حي الى آخر داخل بيروت، والذي يبدو وكأنه أنتقال من دولة لأخرى مغايرة تماما، يعكس بجلاء كيف تحول لبنان الى ساحة للصراع السياسي بين ايران وحلفائها من جانب، والسعودية وحلفائها من جانب آخر. اما اذا واصلت الانتقال الى الحدود السورية فيمكن أن تشاهد صورة أشد قسوة للصراع بين البلدين، إذ أنفقت كل من طهران والرياض مبالغ طائلة لدعم الطرفين المتصارعين في سوريا، النظام والمعارضة المسلحة. وانتهى الأمر بأن تحول ملايين السوريين بسبب الحرب الى نازحين داخل بلادهم أو لاجئين خارجيها، هذا علاوة على آلاف السوريين الذين سقطوا بين قتيل وجريح. وهناك حرب أخرى بالوكالة بين طهران والرياض على أرض اليمن لا تقل قسوة عن حرب سوريا، وأدت الى أن عاد اليمن سنوات طويلة الى الوراء، وأصبح يعاني من الكوليرا ومن المجاعة. وهناك مواجهة مستمرة في العراق، حيث تحاول السعودية الاحتفاظ بدرجة من النفوذ فيه، وفي البحرين حيث تتواجد فيها قوات درع الجزيرة، وأغلبها قوات سعودية، بدعوة من حكومة المنامة، لمنع "التدخلات الخارجية"، والتي تعني ببساطة نفوذ ايران.

هذا الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية، والذي يمتد لساحات كثيرة في المنطقة، هو "صراع أستراتيجي" كما يقول الدكتور عبد العزيز بن صقر مدير مركز الخليج للأبحاث في السعودية، ويرجع الى أن ايران تسعى الى التوسع والتمدد في المنطقة العربية، وتسعى الى التدخل في شؤون الدول العربية والتحكم في قرارات البعض منها، وهو ما لاتقبله السعودية، ومعها مجموعة من الدول العربية الأخرى. وبالتالي فان الصراع، كما يقول بن صقر، "ليس صراعا طائفيا بين الشيعة والسنة، بل هم محاولة للهيمنة والسيطرة من جانب طهران، التي تستخدم البعد الطائفي كأداة لهذه الهيمنة، ورفض ووقوف بوجه هذا التمدد من جانب الرياض التي لا تتدخل في شؤون ايران الداخلية"، كما يؤكد.

وتتفق معه الدكتورة مي شدياق، الاعلامية اللبنانية ومديرة مؤسسة "معهد الاعلام" في بيروت، وتقول "أن قادة ايرانيين يفتخرون الآن بالسيطرة على عدة عواصم عربية، وهي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، ويتحدثون عن الامبراطورية الفارسية التي تتمدد في المنطقة، ونحن كعرب لا يمكن أن تقبل هذا الوضع. لا يمكن مثلا أن نقبل أن يكون لبنان هو مجرد فرع للمقاومة الاسلامية التي تقودها طهران".

ولكن على الجانب الآخر، يرى الدكتور حسن أحمديان، أستاذ دراسات الشرق الاوسط بجامعة طهران، الأوضاع في المنطقة بشكل مختلف، ويقول أنه "ليس من حق السعودية أن تقرر من يحكم سوريا، وتشارك في الحرب على سوريا لمجرد أن واشنطن أرادت أن تتخلص من النظام الحالي، وليس من حق السعودية أن تشن حربا على اليمن لأن اليمنيين أختاروا طريقا مخالفا لما تريده السعودية، ولايمكن أن يلام الشيعة المستضعفون في بلادهم اذا تحالفوا مع طهران". ويضيف أن ايران دعمت حركة حماس ولا يوجد شيعة بينهم، وسبق أن دعمت مسلمي البوسنة، ولا شيعة بينهم، الأمر الذي يدل على أن طهران لا تدعم الشيعة فقط.

التحالف القديم بين طهران والرياض

غير أن علاقة طهران والرياض لم تكن دائما بهذه الصورة، إذ سبق أن تحالف شاه ايران، محمد رضا بهلوي، مع السعودية في الستينات من القرن الماضي لمواجهة المد الثوري الذي كان يقوده وقتها جمال عبد الناصر. حينها شعر النظامان الملكيان في ايران والسعودية بالتهديد المشترك من جانب الحركات الأشتراكية. ويوضح الدكتور أحمديان أن شاه ايران وقتها كان حليفا لواشنطن، مثله مثل النظام السعودي، وبالتالي لم يكن هناك عداء بين البلدين، ولكن الصورة تغيرت بعد أن وقع الخلاف بين ايران عقب قيام الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني، وبين الولايات المتحدة.

غير أن التنافس القائم في المنطقة العربية لا يقتصر على صراع النفوذ بين طهران والرياض، كما يقول الدكتور علي فضل الله، أستاذ الدراسات السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، بل أن هناك أطرافا خارجية تتنافس بدورها للسيطرة على المنطقة وثرواتها، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وتركيا واسرائيل. والسبب باختصار، كما يرى فضل الله، هو سوء أدارة الأنظمة العربية لبلادها، الأمر الذي ترك مساحة واسعة للأطراف الخارجية للتدخل في شؤون الدول العربية.

الأمر الذي لا شك فيه أن تكلفة الصراع بين طهران والرياض مرتفعة للغاية، هذا في الوقت الذي تحتاج فيه البلدين الى تمويل مشروعات التنمية الطموحة لكل منهما. الرياض تسعى لتنفيذ رؤية 2030 التي تهدف الى تخفيض الاعتماد على النفط، وطهران تسعى الى مشروعات جديدة توفر فرص العمل للشباب الذي يعاني من البطالة، خاصة وأن البلدين يتميزان بارتفاع نسبة الشباب بين السكان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل