المحتوى الرئيسى

سمير مصطفى متولى يكتب:شهادة أمان.. والتأمين الاجتماعى

03/15 10:31

لا شك أن طرح شهادة «أمان للمصريين» كأحد منتجات الشمول المالى وإتاحتها لجميع المواطنين، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاماً، يحقق العديد من الأهداف، سواء باعتبارها أداة لتجميع المدخرات الاختيارية من قاعدة عريضة من المواطنين -غالبيتهم ممن يتعاملون مع البنوك لأول مرة- أو باعتبارها مصدراً للتمويل يسهم فى تحقيق معدلات النمو المستهدفة وأيضاً لانفرادها بعائد سنوى مميز لمدة ثلاث سنوات وقابليتها للتجديد مرتين.

وعلى نفس مستوى الأهمية مع تقدم استحداثها لميزة تمتع مشترى الشهادة بتأمين مؤقت يكفل تعويضاً يبدأ بعشرة آلاف جنيه، فى حالة وفاة مالك الشهادة فئة الخمسمائة جنيه، ويتضاعف هذا التعويض بحيث يصل إلى خمسىن ألف جنيه لمن يحمل شهادة أو شهادات قيمتها ألفان وخمسمائة جنيه -وهى الحد الأقصى- ويصرف هذا التعويض لورثة المتوفى -وفق المعلن عنه- ويتحمل صاحب الشهادة بقسط تأمين شهرى يبدأ بمبلغ 4 جنيهات وينتهى بمبلغ 20 جنيهاً، يستقطع من عائد الشهادة، مع إمكانية تحويل تعويض الدفعة الواحدة إلى معاش لسنوات محددة «5 أو 10 سنوات» ويبدأ بمبلغ 120 جنيهاً شهرياً فى حالة الوفاة الطبيعية.

ولا شك أيضاً أن شهادة أمان تمثل خطوة على بداية الطريق لتحقيق أحد الأحلام الكبيرة التى طرحها ووجه إليها الرئيس السيسى من منطلق إنسانى، وحرصاً على توفير حياة كريمة لكافة أفراد الشعب، وعلى الأخص أولئك الأكثر احتياجاً وهم بالملايين ممن يعملون بصورة غير منتظمة فى المجالات المختلفة، ولا يوجد لهم صاحب عمل دائم، ومنهم العاملون بالمشروعات القومية العملاقة وصغار الفلاحين وعمال التراحيل والحرفيون والصيادون وأصحاب المشروعات متناهية الصغر.. والسيدات المعيلات وغيرهم.

وأتوقع -بمشيئة الله- أن يتزايد الإقبال على شراء شهادة أمان يوماً بعد آخر، خاصة بعد بدء الحملة الإعلانية التى صممت بالصورة التى تتناسب مع المتلقين، من أصحاب الأعمال والمصانع والشركات والعيادات.. إلخ، من خلال الصحف.. أو مباشرة من خلال التليفزيون للمخاطبين والمستهدفين أصلاً من هذا الغطاء التأمينى ومنهم الملايين ممن يعملون تحت بير السلم.

ولكن أرجو أن أسترعى الانتباه بألا نعطى الأمر أكثر من حجمه، فهناك دور أساسى يتعين أن تنهض به الدولة من خلال جهاز التأمين الاجتماعى لتحقيق ما يكفله الدستور بالمواد 8، 17، 18 من التزام بتوفير خدمات التأمين الاجتماعى لكافة أفراد الشعب لتغطية مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة وكفالة تأمين صحى شامل وتغطية مخاطر إصابات العمل والبطالة.. إلخ، بل وعلى خلاف المعهود يلاحظ أن الدستور نص أيضاً على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين وعمال الزراعة والصيادين والعمالة غير المنتظمة على وجه الإطلاق.. إلخ، ما يؤكد أهمية وأولوية الوفاء بهذا الالتزام.

إذن هناك التزام على الدولة بمد مظلة التأمينات الاجتماعية إجبارياً -وليس اختياراً- لكافة أفراد الشعب أى الـ104 ملايين مواطن سواء بطريق مباشر.. أو غير مباشر بالنسبة للمعالين.

وعلى مدى السنوات منذ بدأت أنظمة التأمين الاجتماعى فى مصر عام 1854 ميلادية، بصدور أمر عال ينظم المعاشات المدنية، وتعاقبت بعده الأنظمة وصولاً إلى أربعة قوانين سارية حالياً، منها ثلاثة قوانين إلزامية، وهى قانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975 (النظام الأساسى المتكامل والعمود الفقرى للتأمين الاجتماعى المصرى)، وقانون التأمين الاجتماعى على أصحاب الأعمال ومن فى حكمهم الصادر بالقانون رقم 108 لسنة 1976، وقانون التأمين الاجتماعى الشامل الصادر بالقانون رقم 112 لسنة 1980، بجانب نظام التأمين الاجتماعى الاختيارى الصادر بالقانون رقم 50 لسنة 1979 للتأمين على المصريين العاملين بالخارج، وتستهدف القوانين الثلاثة الأولى مد الحماية التأمينية إجبارياً بتغطية أخطار الشيخوخة والعجز والوفاة بصفة أساسية، فضلاً عن التأمين الصحى الشامل، وقد صدر مؤخراً القانون الخاص به.

وما يهمنا اليوم هو قانون التأمين الاجتماعى الشامل الصادر بالقانون رقم 112 لسنة 1980 والمعمول به والسارى منذ 37 عاماً وحتى الآن، ويكفل حماية تأمينية إجبارية ضد مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة، وتستفيد منه كافة الفئات التى لا تخضع لأحكام قوانين التأمين الاجتماعى والتأمين والمعاشات (مادة 3 من القانون رقم 1980)، وفى مقدمتهم عمال الزراعة وصغار حائزى الأراضى الزراعية والصيادون وعمال التراحيل وعمال المقاولات والإنشاءات (غير المعاملين بقانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975) وصغار المشتغلين لحساب أنفسهم.

وأمام طبيعة عمل هذه الشرائح وعدم ارتباطهم بصاحب عمل معين يقوم نظام التأمين الاجتماعى الشامل على التمويل من مصادر غير مباشرة، بديلاً عن حصة صاحب العمل، وأهم مصادر هذا التمويل الخزانة العامة للدولة، وبنك ناصر الاجتماعى وصندوق التأمين الاجتماعى للعاملين بقطاعى الأعمال العام والخاص (هيئة التأمينات الاجتماعية)، فضلاً عن الرسوم المفروضة على بعض الأنشطة وللأسف تكاليف تحصيلها أكثر من حصيلتها.

أما بالنسبة للعامل أو المشتغل لحساب نفسه من الخاضعين لهذا النظام ، فوفقاً لآخر التعديلات التى أُدخلت عليه بموجب القانون رقم 60 لسنة 2016 تحددت حصته بنسبة 7٪ من الحد الأدنى لأجر الاشتراك فى نظام التأمين الاجتماعى الأساسى (القانون رقم 79 لسنة 1975)، أى إن الاشتراك الشهرى فى حدود خمسين جنيهاً.

ويكفل نظام التأمين الاجتماعى الشامل على العمالة غير المنظمة ومن فى حكمها تغطية أخطار الشيخوخة.. والعجز.. والوفاة، ومعاش الشيخوخة مستمر وبصورة مطلقة حتى الوفاة، ويتزايد عاماً بعد آخر كى يتناسب مع تكاليف المعيشة، وتنتقل الاستفادة منه للمستحقين عن المتوفى، الأرملة والأبناء والبنات غير المتزوجات والمطلقات، لسنوات عديدة حسب ظروف المستفيدين، فضلاً عن معاش العجز الكلى المستديم فى حالة ثبوت عجز المؤمن عليه عن العمل عجزاً كلياً مستديماً، وهذا هو التأمين الاجتماعى الإجبارى.

وقد بدأ معاش الشيخوخة وفقاً لنظام التأمين الاجتماعى الشامل عام 1980 متواضعاً وموحداً، حيث بلغ 12 جنيهاً شهرياً وأخذ فى التزايد عاماً بعد آخر وبلغ عام 1999 مبلغ 80 جنيهاً ثم تزايد عاماً بعد آخر حتى بلغ حالياً ما يفوق الـ600 جنيه، وبقدر يفوق معاشات الضمان الاجتماعى ومساعدات تكافل وكرامة بوضعها القائم حالياً بعد الزيادات المتوالية التى طرأت عليها على مدى السنوات الأربع الأخيرة.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه فى السنوات الأولى التالية للعمل بهذا النظام تزايدت أعداد المسجلين وفقاً لأحكامه، بحيث بلغت ملايين ثم تراجعت إلى نصف مليون مؤمن عليه، لأسباب متعددة من بينها التداخل مع قانون التأمين الاجتماعى بالنسبة لعمال المقاولات والبناء والتشييد وعمال النقل البرى وغيرهم من العاملين بالمادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى (الأجور الحكمية).

والآن لماذا نطالب بإعادة الحياة إلى نظام التأمين الاجتماعى الشامل كحق من الحقوق التى كفلها الدستور رغم كل الصعوبات والمعوقات التى تقف حائلاً دون تنفيذه على الوجه المستهدف؟ الأسباب متعددة قد لا يكون سردها محله الآن ولكن على رأسها مستوى الوعى التأمينى، والاستمرارية وأولوية اهتمام الجهاز المسئول عن التنفيذ باعتباره رسالة إنسانية فى المقام الأول.

والمطلوب فى المرحلة المقبلة تبسيط الإجراءات إلى الحد الأدنى والترويج بالوسائل المناسبة والتعاون والتنسيق مع النقابات العمالية.. ومنظمات المجتمع المدنى وعلى الأخص نقابة عمال البناء واتحاد المقاولين واتحاد عمال الزراعة والبنوك الزراعية وبنوك القرى والجمعيات التعاونية الزراعية المنتشرة بكافة القرى (1210 فروع)، فضلاً عن الاتحادات والنقابات والروابط والجمعيات الأهلية ذات الصلة وكل هؤلاء مطلوب منهم أن يضعوا أيديهم فى أيدى جهاز التأمين الاجتماعى، وهذا كله تحت مظلة مساندة سياسية على كافة المستويات تحقيقاً للحلم الكبير الذى أطلقه الرئيس السيسى.

أولاً: أرجو أن تتزايد يوماً بعد يوم مبيعات شهادات أمان للمصريين حتى تغطى كافة أفراد الشعب ممن تتراوح أعمارهم بين 18، 59 عاماً لتحقيق الأهداف المتعددة التى تكفلها باعتبارها عنصراً مكملاً ومرحلياً.

ثانياً: شهادة أمان ليست بديلاً عن التأمين الاجتماعى والصحى القومى الشامل، ويتعين أن تولى كافة الأجهزة المعنية كل الرعاية وكل التعاون وكل الجدية فى هذا المسار مع الاستفادة من نتائج تعداد سكان مصر عام 2017 التفصيلية كأساس لتحديد الطوائف التى لا يغطيها كل نظام من أنظمة التأمين الاجتماعى السارية «مرحلياً».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل