المحتوى الرئيسى

مطابخ القنوات التليفزيونية للمرة الثانية | المصري اليوم

03/14 05:31

كنت أتوقع منذ عامين أو أكثر عندما كتبت عن هذا الموضوع فى جريدة الأخبار أن يعيد المسؤولون عن القنوات التليفزيونية النظر فى برامج طهى ما يقوم به الطهاة أصحاب الطراطير البيضاء من التبارى فى التفنن فى تقديم أنواع الأطعمة الفاخرة التى لا يقدر على تناولها إلا طبقة معينة خاصة فى ظل الظروف الصعبة للغاية التى يعيشها أغلب المواطنين المصريين بعد موضوع تعويم الجنيه المصرى وارتفاع قيمة الولار إلى أكثر من الضعف حتى إن كثيرا من المواطنين اضطروا للاقتصاد بقدر ما يستطيعون فى وجباتهم الغذائية المتواضعة المستوى إلى أن تتحسن الظروف وتتحقق الوعود التى يسرف فى الإدلاء بها الذين بأيديهم الأمر فى الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة حتى آمن البعض بهذه التصريحات وانتظار الفرج القريب.

ولكن على ما يبدو فإن السمؤولين عن هذه القنوات التليفزيونية لا علم لهم بالظروف والأحوال الاقتصادية التى تمر بها البلاد أو ليس لديهم الوعى الكافى كمسؤولين عن الإعلام فى هذا البلد وبأحوال مجتمعهم أو لا يدركون أن فى بلدهم طبقات فقيرة وطبقات معدمة غير هذه الطبقة القادرة على تناول منتجات مطابخ قنواتهم من الأطعمة الفاخرة التى يتفنن فى إبداعها أصحاب الطراطير البيضاء وتتغزل فى عرضها الكاميرات على شاشات التليفزيون.

كنت أتوقع بعد أن قررت الدولة أن تحتكر الإعلام المرئى والمسموع أن تتغير الأمور إلى الأفضل ودراسة ما تقدمه من برامج وأعمال درامية تراعى ظروف هذا البلد. ودعنا من مستوى الأعمال الدرامية فإن عملية النهوض بها تبدو عسيرة للغاية بالنسبة لهم بدليل- حسب معلوماتى- أن ما سوف يشاهده الناس فى شهر رمضان المبارك القادم لا يختلف من حيث مستواه عما شاهدوه فى رمضان السابق إن لم يكن أسوأ، فهم مازالوا وفق سياسة النجم والمهم أن تحصل كل قناة على النجوم الذين يحققون دخلا كبيراًِ من الإعلانات وليذهب المستوى إلى الجحيم، والسخرية من شعارات القوة الناعمة والارتقاء بذائقة المشاهد وتقديم الفن الذى يقف بمثابة حائط صد فى وجه اتحاهات كثيرة ليست فى صالح هذا المجتمع.

المهم أن نركز على موضوعنا وهو أخطر البرامج التى تقدمها القنوات وهى برامج الطهى.

وفى كثير من الأحيان حيث يزداد الطين بلة ويزداد تأثير البرنامج على المتفرج المسكين بالحرمان وذلك عندما يستضيفون نجماً أو نجمة فى البرنامج وبعد انتهاء عملية الطهى ويثير الطعام شهية الجائع ويبدأ الضيوف فى تذوق الطعام بينما يكتفى المتفرج المسكين بالمشاهدة وهو يتلمظ فى حسرة شديدة ويلعن أبوالفقر والحرمان وقد لا يعى المسؤولون عن هذه البرامج ما تجلبه من تأثير بل إنهم قد يتنافسون مع قنوات أخرى فى الحصول على طهاة مشهود لهم بابتكار أنواع جديدة من الأطعمة التى تثير لعاب كل من يشاهدها على شاشة التليفزيون وزيادة شعورهم بالحرمان، هم لا يدركون خطورة ذلك، فإن هذا النوع من الحرمان إذا ما تكرر كثيراً فإنه لابد وأن يدفع صاحبه إلى أى سلوك منحرف قد يصل إلى السرقة أو ارتكاب الجرائم المختلفة التى قد تبدو صغيرة فى البداية ولكنها ما تلبث أن تتطور وتكبر. وأنا أتذكر أنه بعد بعد هزيمة يونيو 1967 عاشت مصر فى ظروف اقتصادية ألعن مما كانت من قبل وانتشرت الشقق المفروشة حيث يقوم القادرون من أشقائنا العرب باستئجارها، وتخلى الكثير من المصريين عن القيم والأخلاق ولعنوا سلسفيل أبوالشعارات التى أدت بهم إلى الهزيمة وتردى الحال وبدأوا فى محاولة الحصول على المال بأى شكل من الأشكال حتى كثرت النكت والتعليقات الساخرة على مايدور. ولذلك فنحن لا نريد أن تتكرر هذه الأمور ونتفنن فى خلق المثيرات التى تزيد من شعور المواطن الغلبان بالحرمان وإدراكه أنه رغم معاناته الشديدة فإن هناك أناسا يتناولون كل يوم هذه الأصناف الفاخرة للغاية من الأطعمة بينما هو يحصل على ثمن الفول والطعمية بشق الأنفس.

قد يبدو المحتوى بسيطاً، أى ما يحدث فى كل حلقة من حلقات الطهى على شاشات التليفزيون. فالمشهد الذى أمامنا بكل بساطة لرجل يضع على رأسه طرطوراً أبيض ويقوم بعملية الطبخ، أى أن الأمر ظاهرة قد تحدث كل يوم فى أى مكان ولكن ماذا يطبخ هذا الرجل، هذه هى المشكلة كما يقول هاملت فماذا ينتج عن عملية الطبخ هذه؟ تنتج أصناف مبهرة من الطعام لم يسمع عنها المتفرج أو يراها من قبل. وقد يهتم القادر بإحدى الحلقات ليعرف صنف الطعام فقد تجذبه مكوناته وهو من البداية يصر أن تأتى زوجته أو الطاهى الخصوصى الذى يعمل عنده للمشاهدة بل يتطلب الأمر أن تقوم الزوجة تحت إلحاح زوجها بتسجيل الحلقة أو الرجوع إليها على «اليوتيوب» وهو فى هذه الحالة لا يشعر بالحرمان كغيره ولكن دافعه هو الفضول ولن ينتهى الأمر إلا بعد أن يتذوق الصنف. أما غيره من خلق الله فيكتفون بالمشاهدة والحسرة ولعن الظروف التى يعيشونها. وقد يحاول الكثير منهم الحصول على مثل هذه الأصناف الشهية بأى طريقة وهنا يكمن الخطر الذى نتوقع حدوثه إذا استمر الحال على ما هو عليه.

وقد أشرت فى المقال السابق الذى نشرته فى جريدة «الأخبار» إلى أن الحل بسيط ويرضى من يهتم بمشاهدة هذه البرامج وذلك على استغلال عبقرية هؤلاء الطهاة أصحاب الطراطير البيضاء وشحذ مواهبهم باختراع وجبات شهية قليلة التكلفة تبدو فى شكلها مثيرة لفضول المشاهدين عن طريق استخدام المواد الخام المألوفة لدى المصريين خاصة بالنسبة للطبقات غير القادرة وتقديمها أو بمعنى أدق وطهيها بأشكال مختلفة لم يألفها من يشاهدها بحيث ينتج عنها أصناف شهية وبحيث يدرك جمهرة المشاهدين البسطاء أن مطابخ القنوات التليفزيونية تهتم بغذائهم هم الآخرين وأن الطاهى الذى يضع الطرطور الأبيض على رأسه إنما وضعه لأنه مهتم بالطهى لهم كما كان مهتما بالطهى لغيرهم من القادرين. وأستطيع أن أقول إن فى قدرته ذلك فالأصناف الشعبية من الأطعمة كثيرة للغاية وإذا أجاد المرء طهيها وتفنن وأبدع فسوف تثير لعاب من يراها ويقبل عليها ويلتهمها فى شهية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل