المحتوى الرئيسى

«هدنة الثعالب».. ماذا سيفعل ترامب وكيم فى «قرية السلام»؟

03/13 22:51

تحول درامى تشهده العلاقات فى شبه الجزيرة الكورية، فمن توتر دائم نتيجة التجارب النووية والصاروخية لبيونج يانج، إلى رغبة فى الحوار - ليس فقط - مع الجارة الجنوبية، لكن مع الولايات المتحدة التى تصورها الدعاية فى الدولة الشيوعية على أنها العدو الإمبريالى الذى ينبغى تدميره، وسول التى تحولت ــ مع رئيسها مون جيه إن - من طرف حليف لواشنطن، إلى وسيط يسعى لإيجاد حل للأزمة عبر الحوار الدبلوماسى، ليشاهد العالم فى مارس ٢٠١٨ إعلانًا عن قمة كورية - كورية بين القادة، هى الثالثة فى تاريخ البلدين، والأولى من نوعها فى عهد الزعيم الشاب كيم جونج أون نهاية أبريل، وقمة تاريخية أخرى يرتقب العالم رؤيتها فى مايو بين كيم جونج أون ودونالد ترامب، اللذين طالما واجها بعضهما البعض على مدار العام ٢٠١٧ بتغريدات وبيانات تذكى الخلافات الممتدة على مدار أكثر من ٧٠ عامًا، ومع كل هذه التغيرات تدور التساؤلات حول الأسباب والنتائج المرتبطة من هذا التغيير، إضافة إلى الفائدة التى تعود على كل الأطراف الفاعلة فى تلك الأزمة التى أشعلتها الحرب الباردة، وظلت نيرانها ممتدة حتى اليوم.

الخلاف بدأ من القاهرة بعد اجتماع تشرشل وروزفلت فى «مينا هاوس»

احتلت اليابان عام ١٩١٠ شبه الجزيرة الكورية، وأسقطت مملكة «جوسون» آخر الممالك الكورية، لتستعبد أهلها وترتكب جرائم لا يزال أثرها ممتدًا حتى يومنا هذا فى العلاقات بين طوكيو وسول، ونتيجة لذلك، اجتمع كل من رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل ورئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت والزعيم الصينى تشيانج كاى شيك فى مينا هاوس بالقاهرة عام ١٩٤٣، ليخرجوا بالإعلان الذى رسم شكل منطقة شرق آسيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية «١٩٣٩ ــ ١٩٤٥»، ونص الإعلان على أن الدول الثلاث ستعمل على القيام بعمليات عسكرية ضد اليابان، وزيادة الضغط عليها للانسحاب من الجزر التى احتلتها منذ الحرب العالمية الأولى، وأضاف روزفلت نصًا: «القوى الثلاث الكبرى المذكورة سابقًا، مدركة استعباد الشعب الكورى، ومصممة على أن تجعل كوريا حرة ومستقلة فى الوقت المناسب».

هذا السطر اعتمدت عليه واشنطن لاحقًا فى مناقشة المسألة الكورية فى مؤتمر يالطا عام ١٩٤٥، ووضعها تحت وصاية مشتركة مع الاتحاد السوفييتى، وهو الأمر الذى رفضه الكوريون لتعرض واشنطن القضية أمام الأمم المتحدة، التى اقترحت بدورها إجراء انتخابات وإنشاء حكومة مستقلة فى عموم البلاد، وهو ما حدث فى الشطر الجنوبى الذى تسيطر عليه أمريكا لتؤسس حكومة رأسمالية فى أغسطس عام ١٩٤٨، أما الشمال الذى تأسس فيه الحزب الشيوعى واللجنة الشعبية المؤقتة لشمال كوريا، فقد أعلن قيام حكومته برئاسة كيم إل سونج فى سبتمبر من العام نفسه.

يشهد الكوريون مأساة الحرب الأهلية «١٩٥٠- ١٩٥٣» وتنتهى بتوقيع الهدنة وتنقسم كوريا عند دائرة عرض ٣٨، وتبقى القوات الأمريكية فى الجنوب حتى الوقت الحالى، وهو ما تراه بيونج يانج احتلالًا، ليظل الخلاف مشتعلًا تتخلله حادثة احتجاز سفينة التجسس الأمريكية بويبلو عام ١٩٦٨، واغتيال ضابط أمريكى فى قرية الهدنة الحدودية بين الشمال والجنوب لتبقى المقاطعة هى السبيل بين واشنطن وبيونج يانج، حتى تفكك الاتحاد السوفييتى ١٩٩١، وتبدأ محاولات الحل الدبلوماسى عبر الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، الذى حطت طائرته على أراضى الدولة الشيوعية عام ١٩٩٤ قبل شهر واحد من وفاة مؤسس كوريا الشمالية كيم إل سونج، ليقنعه بالجلوس على مائدة المفاوضات من أجل حل الأزمة النووية، وتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات تخللتها زيارات متبادلة ومفاوضات مع الدول الكبرى «٢٠٠٣ ــ ٢٠٠٨» ورفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن ذلك لم ينفِ حدوث توترات نتيجة التجارب النووية واحتجاز المواطنين الأمريكيين.

سياسة الزعيم الجديد كيم جونج أون، الذى ورث الحكم عن والده نهاية العام ٢٠١١، جاءت لتركز بشكل كبير على تطوير البرنامج النووى والصاروخى لنرى فى الأعوام ٢٠١٣ ــ ٢٠١٦، ٣ تجارب نووية إضافة إلى تجارب صاروخية، ويكون عام ٢٠١٧ ذروة الأحداث بإجراء ١٢ تجربة صاروخية ناجحة وتجربة قنبلة هيدروجينية، وصعودًا للرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى اتخذ عبر المجتمع الدولى عقوبات مشددة زادت من عزلة بيونج يانج، ويصل إلى الذروة بإعلان إعادتها إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب فى نوفمبر الماضى.

البرنامج النووى لكوريا الشمالية بدأ بعد وضع واشنطن رءوسًا نووية فى الجنوب

سئل الرئيس الأمريكى هارى ترومان عام ١٩٥٠ حول إمكانية استخدام الأسلحة النووية ضد كوريا الشمالية فى حال تفاقمت الأوضاع، فرد صاحب قرار إلقاء القنبلة الذرية على مدينتى ناجازاكى وهيروشيما، قائلًا: «ذلك يتضمن كل الأسلحة التى نمتلكها»، ووضعت الولايات المتحدة عام ١٩٥٧ عددًا من الصواريخ ذات الرءوس الحربية النووية فى أراضى حليفتها الجنوبية، وهو ما أثار مخاوف الشمال من التعرض لهجمات نووية أمريكية قادمة من الأراضى الجنوبية، وهو ما دفع الزعيم الكورى الشمالى كيم إل سونج إلى إرسال عدد من المهندسين والعلماء لدراسة هذا المجال فى الاتحاد السوفييتى، حيث وقعت الحليفتان اتفاقية للتعاون النووى عام ١٩٥٩، وتم إنشاء أول مفاعل نووى فى مدينة يونج بيون للأغراض البحثية عام ١٩٦٥ بطاقة لا تتعدى ٢ ميجاوات.

ورغم توقيعها اتفاقية حظر الأسلحة النووية عام ١٩٨٥، إلا أن الأقمار الصناعية الغربية استطاعت التقاط صور تشير إلى قيام بيونج يانج بأنشطة متعلقة بتخصيب اليورانيوم قادرة على إنتاج الوقود النووى عام ١٩٨٩، وتزداد الأزمة سوءًا حينما منعت مفتشى وكالة الطاقة الذرية من زيارة مفاعل يونج بيون مرتين بين عامى ١٩٩٢ و١٩٩٤، وهو ما دفع الولايات المتحدة للدخول كوسيط، فتوقع اتفاقية إطارية فى ٢١ أكتوبر ١٩٩٤ تنص على إيقاف الشمال أنشطة تخصيب اليورانيوم فى مقابل قيام الولايات المتحدة بتزويدها بالوقود والتعاون الاقتصادى، إضافة إلى تزويد مفاعلين كوريين شماليين اثنين بالماء الخفيف اللازم لإنتاج الطاقة النووية السلمية.

زار نائب وزير الخارجية الأمريكى جيمس كيلى، بيونج يانج عام ٢٠٠٢ التى اعترفت بأن لديها برنامجًا لتخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية، وهو ما دفع جورج بوش لتعليق تزويد كوريا الشمال بالوقود، مطالبًا إياها بتقديم توضيحات، فتطرد مفتشى وكالة الطاقة الذرية من أراضيها، وتعلن الانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية عام ٢٠٠٣، ومع ذلك نجحت القوى الكبرى فى الجلوس مع بيونج يانج مرة أخرى على مائدة المفاوضات المعروفة باسم «المفاوضات السداسية»، حيث شاركت كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا وكوريا الشمالية فى هذه الجلسات التى انتهت بالفشل عام ٢٠٠٩ إثر عدد من الحوادث، أبرزها إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا للفضاء فى ٥ أبريل من العام نفسه، وهو ما دعا الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى القول: «تجب معاقبة من قام بانتهاكات»، وتجرى تجربة نووية ثانية فى مايو من العام نفسه، وتبدأ سلسلة أخرى من الجولات طورت خلالها بيونج يانج سلاحها النووى وصواريخها الباليستية أدت إلى تشديد العقوبات وعزلها دوليًا عبر مقاطعة عدد من الدول بينهما الكويت والإمارات.

قصة 3 رجال تولوا الوساطة بين بيونج يانج وواشنطن حتى الإعلان عن الاجتماع التاريخى

إذا كان حديث العالم عن قبول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون فى مايو، فإن ذلك يرجع إلى جهود الوساطة التى قامت بها سول عبر مستشارها الرئاسى لشئون الأمن الوطنى جونج إى ــ يونج ورئيس استخباراتها سو هون خلال الثلث الأول من شهر مارس، وهو ما لم يكن ليتم لولا فوز الرئيس مون جيه إن المنتمى إلى الحزب الديمقراطى صاحب الاتجاهات الليبرالية فى الانتخابات الرئاسية فى مايو من عام ٢٠١٧ بعد أجواء عصيبة مر بها الشارع الجنوبى فى أعقاب الكشف عن فضيحة الفساد المدوية التى أطاحت بسلفه اليمينية بارك جون هيه، التى كانت سلطتها محل انتقاد من قبل النظام الكورى الشمالى.

من خلال خطاب العام الجديد ٢٠١٨ للزعيم الشمالى، الذى أبدى فيه رغبته فى حوار مع سول، ليشارك بوفد رياضى وفنى فى الأوليمبياد والبارالمبياد الشتوية، التى تستضيفها مدينة بيونج تشانج الجنوبية، استطاع الرئيس مون التقاط طرف الخيط لمزيد من الحوار المنقطع، وكسب ثقة الشمال الذى أرسل بدوره وفدًا على رأسه شقيقة الزعيم كيم يو جونج التى تتولى منصب النائبة الأولى لرئيس قسم اللجنة المركزية لحزب العمل الكورى الحاكم وكيم يونج نام رئيس مجلس الشعب الأعلى، لتصبح الزيارة الأولى لأحد أفراد «آل كيم» الحكام للجنوب، لتدعو مون لزيارة الشمال ليبدأ دور الوساطة بالقول: «لنهيئ الظروف الملائمة لتلبية الدعوة فى المستقبل»، مؤكدًا فى الوقت نفسه أن الحوار مع الولايات المتحدة لا بد منه لإحلال السلام فى شبه الجزيرة الكورية.

خلال الأعوام العشرة الماضية، كان حزب سيه نورى ــ أصبح الآن كوريا الحرية ــ اليمينى على رأس السلطة فى الجنوب، حيث تدهورت خلالها العلاقات بين الكوريتين لتصل إلى القطيعة بغلق مجمع كيسونج الصناعى الذى يعمل فيه عمال الشمال برءوس أموال الشركات الجنوبية وقطع خط الاتصالات الساخن فى فبراير من عام ٢٠١٦ فى أعقاب إجراء الشمال تجربته النووية الرابعة، وقد أظهرت تحقيقات فى سول أن بارك قد أمرت بوقف العمل فى المجمع من جانب واحد. قبل الأعوام العشرة العجاف فى علاقات سول وبيونج يانج، صعد على رأس السلطة فى انتخابات ديمقراطية كيم ديه جونج، المنتمى إلى نفس تيار الرئيس الحالى فى عام ١٩٩٧ ليبدأ سياسة مختلفة مع الشمال عرفت بـ«الشمس المشرقة» فيعبر دائرة عرض ٣٨ باتجاه العاصمة الشمالية، ليلتقى زعيمها كيم جونج إل وتبدأ أولى القمم الكورية عام ٢٠٠٠، ويحصل على نوبل للسلام، ويخلفه الليبرالى رو مو هيون، الذى عقد القمة الثانية عام ٢٠٠٧ بتخطيط من مستشاره وصديقه فى ذلك الوقت مون جيه إن، وينقطع الخيط حتى يعود الليبراليون للبيت الأزرق فى مايو ٢٠١٧. ما يجمع كيم، ورو، ومون ليس فقط لانتمائهم إلى حزب واحد يميل إلى فتح الحوار مع الشمال لكن أيضًا تاريخ نضالى أمام الحكم العسكرى فى كوريا الجنوبية طوال ٣٠ عامًا واجهوا خلالها السجن والقمع، ولكن فى الوقت ذاته كانت تجمعهم رغبة دائمة فى السلام والديمقراطية.

ورغم كل ذلك فالقمة الثالثة (القمة الكورية ــ الكورية) تأتى وعلى رأس السلطة فى الشمال زعيم شاب كان مثار حديث العالم خلال الأعوام الخمسة الماضية لا سيما العام الماضى مع ازدياد وتيرة تجاربه النووية والصاروخية، ليس هذا فحسب فإذا كانت القمتان الماضيتان قد شهدتهما العاصمة بيونج يانج، فإن هذه المرة ستكون القمة فى الجانب الجنوبى من قرية الهدنة «بان مون جوم».

هذه القمة لن ترسم فقط ملامح العلاقات الكورية ــ الكورية والقضايا العالقة والمتمثلة فى الأسر المشتتة أو المساعدات أو حتى مجمع كيسونج الصناعى، لكن أيضًا سترسم ملامح اللقاء الذى ينتظره العالم بين كيم وترامب لا سيما ما يخص القضايا التى ستتم مناقشتها فيما بينهما، والتى سيأتى على رأسها قضية النزع النووى والعقوبات.

ومع تأكيد الرئيس مون جيه أهمية الحوار من أجل إحلال السلام فى شبه الجزيرة الكورية، إلا أنه قد أكد خلال حفل تخرج عسكرى العمل على زيادة القدرات الدفاعية لبلاده أمام القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية.

وفى عدة مناسبات كان آخرها فى لقائه نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس قبيل لقاء الوفد الشمالى فبراير الماضى، أكد مون التزام كوريا الجنوبية بالتحالف مع الولايات المتحدة باعتبارها الداعم الأساسى لنزع أسلحة كوريا الشمالية، مشيرًا إلى أن الانخراط فى الحوار مع سول، الذى أفضى إلى مشاركتها فى أوليمبياد بيونج تشانج، هو نتاج لجهود ومواقف واشنطن الحازمة.

تأثير العقوبات أبرز دوافع الشمال للحوار.. والصين سر تغير الموقف الأمريكى

نقل مستشار الرئيس الكورى الجنوبى للأمن القومى، جونج إى يونج، إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، رسالة شفهية من زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، تقول إنه يمكن تحقيق إنجازات كبيرة فى حال عقد مباحثات بينه وبين الرئيس ترامب، مشيرًا إلى عزمه نزع السلاح النووى، وتفهمه التدريبات المشتركة الدورية بين سول وواشنطن، وهو الأمر الذى يثير تساؤلات حول الدوافع التى غيرت موقف النظام الذى يحكم الدولة الأكثر سرية فى العالم.

ويقول مدير وحدة دراسات استراتيجيات الوحدة فى مركز دراسات سيه جونج بكوريا الجنوبية، جونج سونج جانج، إن كوريا الشمالية تواجه عقوبات شديدة، مشيرًا إلى أن استمرار تلك العقوبات سيؤدى إلى فشل خطط التنمية الاقتصادية والعسكرية لبيونج يانج.

وأضاف «جونج»، فى تصريحات لصحيفة «دونج آه إلبو» الكورية الجنوبية، أن استمرار العقوبات سيؤدى إلى أزمة اقتصادية ستكون عبئًا كبيرًا على كيم جونج أون.

وحول امتلاك كوريا الشمالية السلاح النووى، يشير رئيس مركز الدراسات الدولية لكوريا الشمالية، «آن تشان إل»، لصحيفة «دونج آه إلبو» الكورية الجنوبية، إلى أن طالما ظل السلاح النووى أداة للدبلوماسية، فإن بيونج يانج ستستغل هذه الفرصة من أجل تطبيع العلاقات مع الجارة الجنوبية والولايات المتحدة.

على العكس منهم يشير الرئيس السابق لمعهد دراسات الوحدة الكورية «كيم تيه اوه»، إلى أن هناك معركة كبيرة خلال المفاوضات مع كوريا الشمالية من أجل نزع السلاح النووى، متسائلًا فى حوار مع صحيفة «جوسون إلبو» الكورية الجنوبية: «كيف توقف بيونج يانج تهديداتها العسكرية وتضمن أمنها فى الوقت نفسه، ولهذا لا يمكن إعطاء مصداقية لمساعى السلام التى تقوم بها كوريا الشمالية»، حسب قوله.

ويعتبر دونالد ترامب أول رئيس أمريكى يقبل بدعوة الحوار المباشر من قبل كوريا الشمالية وهو فى السلطة، فقد سبق وعرض الأمر على بيل كلينتون وبوش وأوباما، وذلك حسب CNN.

ونفى المبعوث الكورى الجنوبى، جونج إى يونج، فى تصريحات لصحفيين، اشتراط واشنطن إجراءات ملموسة من الشمال للقاء القمة الكورى الشمالى والأمريكى، وهو ما يعنى أن الرئيس الأمريكى الخامس والأربعين فى تاريخ الولايات المتحدة قد قبل الحوار دون شروط مسبقة، وهو ما يطرح التساؤل حول هذا القبول رغم حالة الشد والجذب، التى امتدت قرابة ١٥ شهرًا هى عمر «ترامب» فى البيت الأبيض.

وقال مسئول كورى جنوبى، فى تصريحات لوكالة يونهاب للأنباء، إن «جونج» نقل رسالة خاصة مكتوبة من كيم إلى الرئيس الأمريكى، فى محاولة لبناء جدار الثقة بينهما.

ويشير أستاذ دراسات كوريا الشمالية بجامعة دونجكوك الجنوبية، «كو يو هوان»، إلى أن ما يهم الولايات المتحدة من هذا الحوار هو الاهتمام بمصالحها الإقليمية بمنطقة شمال شرق آسيا، بما فى ذلك وجودها العسكرى فى شبه الجزيرة الكورية، مؤكدًا قلق واشنطن من تراجع تأثيرها فى المنطقة، ورغبتها فى التأثير على توازن القوى أمام الصين.

ويقول مدير معهد دراسات شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، جونج يونج نيين، إن الولايات المتحدة قد تستخدم كوريا الشمالية كورقة تفاوض مع الصين، مشيرًا فى تصريحات نقلتها وكالة أنباء يونهاب، إلى أن كوريا الشمالية لن تعتمد على الولايات المتحدة، لكن ستكون نافذة لواشنطن للتعامل مع بكين.

الصفقة العظيمة: نزع السلاح النووى مقابل رفع العقوبات

فى مايو المقبل، سيجلس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون على الطاولة فى رأس كل منهما موضوعات، يأتى فى مقدمتها بالنسبة لواشنطن مسألة نزع السلاح النووى، والآليات المستخدمة للتخلص من الأسلحة النووية.

على الجانب الآخر ستكون مسألة رفع العقوبات محل نقاش مطروح من جانب الزعيم الكورى الشمالى، حيث يواجه نظامه أزمة اقتصادية طاحنة بسببها حيث استهدفت أكثر من ٩٠٪ من صادراتها.

ويقول الدكتور نام سونج أوك، أستاذ دراسات كوريا الشمالية بجامعة كوريا، فى تصريحات للنسخة الكورية من راديو صوت آسيا، إنه يجب النظر إلى إرادة كوريا الشمالية فى نزع السلاح النووى، مشيرًا إلى أهمية عودة مفتشى وكالة الطاقة الذرية إلى بيونج يانج وممارسة عملهم، فى المقابل ستطلب كوريا الشمالية رفع العقوبات، وهو ما يجب أن يكون فى إطار تبادلى.

وكان الرئيس الأمريكى، قال إن محادثاته المزمعة مع زعيم كوريا الشمالية، قد تنتهى دون التوصل لاتفاق أو تؤدى إلى «أعظم اتفاق للعالم»، مما يزيل التوتر بشأن برنامج بيونج يانج النووى.

وأضاف «ترامب»، فى تجمع لحملة المرشح الجمهورى للكونجرس ريك ساكونى فى غرب بنسلفانيا، مؤخرًا: «قد أغادر سريعًا، إذا لم يكن التقدم ممكنًا، لكنى أعتقد أن كوريا الشمالية تريد صنع السلام، والوقت قد حان».

واستكمل «ترامب» حديثه: «من يعرف ما الذى سيحدث؟ من الممكن أن أغادر الاجتماع سريعا أو ربما نجلس ونبرم أعظم اتفاق للعالم».

ويقول مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مايك بومبيو، إن الاجتماع المزمع بين ترامب وكيم ليس مجرد استعراض.

وأضاف «بومبيو»: «الرئيس ترامب لا يفعل ذلك على سبيل الاستعراض. هو ذاهب لحل مشكلة».

وقال «بومبيو»، إن الولايات المتحدة تتوقع من كوريا الشمالية وقف كل التجارب النووية والصاروخية قبل عقد أى اجتماع، غير أنه أشار إلى أن المناورات الأمريكية حول شبه الجزيرة الكورية ستستمر خلال فترة الاستعداد للمحادثات.

وقال إنه إضافة إلى ذلك فإن على كوريا الشمالية أن تكون راغبة فى بحث «التخلص من ترسانتها النووية بشكل تام يمكن التحقق منه ولا يمكن الرجوع عنه».

ومضى يقول إن الولايات المتحدة لن تقدم أى تنازلات وستواصل المضى قُدمًا فى فرض عقوباتها الاقتصادية ضد بيونج يانج قبل الاجتماع.

وبشأن الانتقادات الموجهة لقرار ترامب بأنه يسهم فى تعزيز مكانة زعيم كوريا الشمالية على الصعيد الدولى، رأى أن ترامب كان قد تعرض لانتقادات أيضًا لعدم الاعتماد على الدبلوماسية بشكل أكبر فى احتواء الطموحات النووية لبيونج يانج: «الآن لدينا وضع يستخدم فيه الرئيس الدبلوماسية لكننا لا نوقف حملة الضغط المكثف.. هذا هو الاختلاف الكبير هنا. العقوبات لا تزال قائمة. الوضع العسكرى لا يزال كما هو، لذا فإن الرئيس سيجلس وسيرى ما إذا كان بمقدوره التوصل إلى اتفاق».

وبالنسبة إلى مسألة وقف كوريا الشمالية كل التجارب النووية والصاروخية قبل عقد أى اجتماع، فإن الرئيس الأمريكى ذكر أن كوريا الشمالية تعهدت بوقف التجارب الصاروخية أثناء اجتماعاتنا».

وكتب «ترامب» على «تويتر»: «لم تجر كوريا الشمالية أى تجربة صاروخية منذ ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧، وتعهدت بعدم القيام بذلك أثناء اجتماعاتنا.. أعتقد أنهم سيلتزمون بتعهدهم».

سفينة على أرض محايدة ضمن الأماكن المرشحة لاستضافة اللقاء

ما أن أثيرت أنباء اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكى والزعيم الكورى الشمالى إلا وتساءل الجميع عن المكان الذى سيتم فيه عقد هذا اللقاء «التاريخى»، فهل سيكون فى واشنطن أم فى بيونج يانج، أم يتم اختيار «مكان محايد؟».

سفير الولايات المتحدة سابقًا لدى كوريا الشمالية، كريستوفر هيل، حاول الاقتراب من إجابة هذا السؤال، فقال: «لقاءات كهذه كثيرًا ما عقدت فى الماضى، ليس على الأرض، بل على متن سفن، مثل اللقاء التاريخى الذى جمع عام ١٩٨٩ الرئيس الأمريكى حينئذ جورج بوش الأب والزعيم السوفيتى ميخائيل جورباتشوف، على متن سفينة ركاب سوفيتية رست فى مرفأ مالطا، ما وضع حدًا للحرب الباردة».

واستبعد «هيل» -الذى كان يترأس الوفد الأمريكى فى المفاوضات سداسية الأطراف بخصوص برنامج بيونج يانج النووى- فى تصريحات لصحيفة «جارديان» البريطانية، أن يُعقد اللقاء فى الصين، لأن «السلطات الكورية الشمالية تريد الإظهار أنها قادرة على التعاون مع الولايات المتحدة دون وساطة من بكين».

وأضاف الدبلوماسى الأمريكى: «من غير المرجح أيضًا أن تستضيف واشنطن اللقاء المرتقب»، مرجحًا أن يُعقد فى مكان آخر فى الولايات المتحدة أو خارجها.

فى المقابل، قال فرانك أوم، كبير الخبراء فى شئون كوريا الشمالية بمعهد الولايات المتحدة للسلام بواشنطن: «كيم لن يغادر كوريا الشمالية، ولذلك يصعب التصور أن يعقد لقاء كهذا فى كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة أو أى دولة أخرى»، وأضاف: «فى الوقت نفسه، من غير المرجح أن يذهب ترامب إلى بيونج يانج، لأن ذلك لن يصب فى مصلحة تعزيز سمعته فى العالم»، وخلص إلى أن «المكان الأكثر ترجيحًا لاستضافة اللقاء هو قرية السلام بانمنجوم فى المنطقة العازلة بين الكوريتين والتى تعقد فيها مفاوضات بين الجارتين».

ونقلت «جارديان» عن كبير الباحثين فى برنامج الدراسات الأمنية بمعهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، جيم وولش، أن «الخطة المفصلة بخصوص اللقاء لم تطرح بعد».

وقال «وولش»: «على الطرفين بذل كثير من الجهد تحضيرًا للقمة المرتقبة»، متسائلا بشأن ما إذا كان ترامب سيزور كوريا الشمالية أو كيم سيصل الولايات المتحدة أو سيعقد اللقاء فى دولة ثالثة مثل كوريا الجنوبية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل