المحتوى الرئيسى

"أيوب الشرقية" مُسن ابتلاه الله فيما يملك.. دعا أن يُرزق بطفلة فعثر عليها وسط الزراعات

03/13 20:23

كنا نقف خارج قاعة بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، خطف أنظارنا رجل ترتعش يداه خلال تناوله الطعام، أنهكت التجاعيد وجهه، حتى كادت تُغلق عينيه الصغيرتين، بملابس ممزقة، ويدين أكلهما الشقاء والتعب.

هرولنا إليه، وفي أعيننا مئات الأسئلة وعلامات التعجب: من أنت، ومن أين أتيت، وكم عمرك، وما قصتك التي جعلتك تصل إلى هذا الحال من إرهاق الزمن، ورغم ذلك تظهر مليئًا بالصبر والقوة؟

محمد متولي محمد، رجل طرق منتصف عقده الثامن من العمر، له قصة طويلة، درب من دروب الإنسانية، رغم فقره واحتياجه، إلا أنه ظل يُقدم العطاء طيلة 85 عام لم ينقطع يومًا، ولم يكل من حمد الله وشكره، رغم ضيق ذات اليد.

يقطن "عم محمد" بقرية السماعنة بمركز فاقوس الشرقية، في أحد البيوت البسيطة، ابتاعه الزمن كل ما يملك، إلا "ثلاجته" الصغيرة، التي يحفظ فيها لابنته "التبني" دوائها وطعامها البسيط.

ظل هذا الرجل البسيط، يعمل "شيال" طيلة أكثر من 60 عام، حتى ارتعشت يداه، وأصبح غير قادر على حمل أي شئ ولو كان بسيطًا، ورغم صبره وقوته، إلا أن حزنًا ينصب من عيناه كلما نطق شيئًا.

تبني طفلة.. "درب من دروب الإنسانية"

عندما تستمع لبقية القصة، تعتقد أنها درب من دروب الخيال، أو ربما شيئًا غير حقيقيًا ولم يحدث، ومن الممكن أن تعتقدها "حكاية من ألف ليلة وليلة".

"في سنة 1985، كنت نازل أرض مزروع فيها قطن، لقيتها مرمية، حد رماها على راسها، بنت يوم أو يومين، لم يُقطع حبلها السُري حتى، واقعة وسط الزرع، بتعيط من الجوع والعطش.

هكذا بدأ عم محمد قصته الطويلة في تبني "أم هاشم" طفلته الوحيدة، فلم يرزقه الله أطفالًا، ولم يعترض على هذا القدر، ولم يطلب أكثر مما أعطاه الله رزقًا، إلا أنه لم يتردد لحظة في أخذ الطفلة لمنزله الفقير والبسيط، خطفته طيبته وشعوره بالإنسانية، أخذها وأطعمها طيلة 33 عام، لم يكل يومًا أو يمل.

كان يعتقد في بداية نظراته الأولى لهذه الطفلة، ملقاه وسط شجيرات القطن، أنها عوَض الله له عن حرمانه من الأطفال، ولم يعلم في تلك اللحظات أنها عوَض الله له لتكون سببًا من أسباب دخوله الجنة.

وبعد أيام قليلة من العثور على "الملاك الصغير" كما يُسميها، اخترق قلبه شعور بالقلق حول صحتها، وبعد الركد وراء عشرات الأطباء، اكتشف أن رزق الله له، جاء في طفلة مريضة بنوبات الصرع من الدرجلة الثالثة والشلل الرباعي وضمور المخ.

وعلى الرغم من حزن قلبه الطيب، إلا أنه لم يمل يومًا في تربيتها، ولم يبخل عليها بأي مال، وأصبح "يقتطف من قوت يومه" لشراء الدواء لها، وابتاع ما يملك من أجل دوائها، صابرًا محتسبًا لما أعطاه الله، وكأنها طفلته حقيقة.

وفي ذات يوم، ضاقت الدنيا على الرجل الطيب، وبحث عن حل، فتوجه إلى العلاج على نفقة الدولة، وبدأ في صرف العلاج لابنته مريضة الضمور والشلل، إلا أن نعمة الله له كادت أن تؤخذ منه فجأة، بسبب الدواء الخاطئ.

"ببقى جعان وبشيل من قوتي عشان أجيبها علاج، وكانت هتموت وتروح مني، صرفولها دوا غلط في مستشفى صيدناوي، ومن ساعتها بطلت أعالجها على نفقة الدولة في أي حاجة"، هكذا قال عم محمد، وبدأت رحلة صبره الطويلة.

أما زوجته، لم تكن أفضل حالًا من طفلته، فكانت مريضة سكر وسرطان، وأجرت عملية جراحية، ألقي خلف القضبان بسببها أول مرة، وبعث الله له موسسة "مصـر الخيـر" بصيص أمل، استطاع أن يُسدد دينه ويُخرجه للنور، لأكثر إثنين يحتاجون حنانه وطيبة قبله.

رجل مناضل، نضاله استمر 85 عام دون توقف، تكبد العناء دون مقابل سوى أن يرى سعادة مرسومة على شفاه زوجته وطفلته، ورغم أن رزقه في الدنيا ظل ضيقًا طيلة عمره، إلا أن لم يمل من رفع يديه إلى الله شاكرًا لما أعطاه.

بعين يملأها الصبر، تجعلك تسقط في بحر من الدهشة، قال عم محمد: "البنت الغلبانة دي أنا أمها وأبوها وكل حاجة، زوجتي مريضة وأقوم لكل أعمال البيت من نظافة وطهي الطعام، وإعطائها الدواء في موعده، وتوضيب المنزل، وكل شئ يخطر على بالك أقوم به، لها ولوالدتها المريضة".

وأكد عم محمد أن وزارة التضامن الاجتماعي تصرف لطفتله معاش استثنائي يبلغ 150 جنيهًا، وآخر له ولزوجته يبلغ 360 جنيه، ورغم كِبر سنه، إلا أنه مستمر في عمله الشاق كـ"شيّال"، من أجل أن يكفي بيته وطفلته المريضة، التي تستهلك أكثر من 30 جنيه يوميًا للحفاضات كبار السن، بما يعادل 900 جنيه شهريًا، وعشرات الجنيهات شهريًا للدواء.

وعلى الرغم من المعاش الضئيل، إلا أنه حصل على شقة بسيطة من المحافظة، ورغم هذا ظلت المحافظة تتحصل منه على القسط الشهري، قائلًا: "المفروض يكون ليا شقة عشان البنت العيانة دي، تميلك، مدفعش كل شهر قسط يقطم وسطي وأدخل بسببه السجن"، وكانت حبسته الثانية غارمًا بسبب الأقساط الشهرية لتلك الشقة.

وكانت المؤسسة ملاذ إنقاذ لهذا الرجل الفقير، بعد حبسه غارمًا مرتين، لعلاج زوجته مريضة السرطان، ولعلاج أبنته مريضة ضمور العضلات والشلل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل