المحتوى الرئيسى

«هبة»: «المراكز الإبراهيمية».. تُعد لـ«كتاب مقدس» جديد والصراعان «العربى - الإسرائيلى» و«السنى - الشيعى» على قمة أجنداتها

03/13 10:58

قالت الدكتورة هبة جمال الدين، مدرس النظم السياسية بمعهد التخطيط القومى وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية وصاحبة الدراسة: إن الدبلوماسية الروحية، التى نشطت منذ مطلع الألفية من خلال مراكز متخصّصة، فى جوهرها، محو للفواصل بين الأديان، ودعوة لقيام الدين الإبراهيمى العالمى، مما يمهد الأرض عملياً لاستيلاء إسرائيل على الأراضى الفلسطينية. وأضافت «هبة» فى حوارها لـ«الوطن»، أن «المخطط الذى تدعمه دول غربية لتصفية الصراع العربى - الإسرائيلى خطير ولا يمكن الاستخفاف به»، مؤكدة أن المراكز الإبراهيمية تُعد لـ«كتاب مقدس» جديد مأخوذ من نصوص من الكتب السماوية، لكنها ليست محل خلاف بين أتباع الديانات الثلاث، موضحة أن الصراعين «العربى - الإسرائيلى» و«السنى - الشيعى» على قمة أجندات هذه المراكز، لأن الهدف النهائى تهويد القدس وتمكين إسرائيل من السطو على المقدّسات الإسلامية والمسيحية، مشيرة إلى أن الديمقراطيين فى الولايات المتحدة لجأوا إلى هذه المخططات بعد فشل مساعيهم فى تمكين الإسلاميين بعد ثورة 30 يونيو.

عضو «المصرى للشئون الخارجية» لـ«الوطن»: «تل أبيب» تسعى لتهويد القدس بشراء كراسى أستاذية بالجامعات الكبيرة

كيف بدأ اهتمامك بالبحث عن الدبلوماسية الروحية؟

- فى أحد المؤتمرات العلمية منذ نحو عامين، قابلت باحثاً مغربياً حدّثنى عن وجود اهتمام دولى متزايد ليس فقط بالدراسات المستقبلية، التى هى موضع اهتمامى، لكن بالدراسات المستقبلية الدينية على وجه الخصوص، وأن الاتحاد الأوروبى يمول مراكز متخصّصة فى «الدبلوماسية الروحية»، وكان هو من أخبرنى عن وجود إدارة خاصة داخل وزارة الخارجية الأمريكية، وأحد محاور اهتمامها هو دعم الدبلوماسية الروحية، وكنت فى المغرب فى ديسمبر الماضى، وعلمت أنه كان هناك مؤتمر كبير عُقد فى الشهر نفسه عن الدبلوماسية الروحية وقدرتها على المساهمة فى التنمية ودورها السياسى فى حل النزاعات، وأن رجال دين مصريين شاركوا فى المؤتمر، وأجندة المؤتمر تناولت قضايا شديدة الحساسية، والحقيقة أن المغرب مهتم بشكل خاص بقضايا مشابهة، فقد عقدت فيه مؤخراً مؤتمرات عن «الأمن الروحى»، وحمل مهرجان فاس للموسيقى 2017 شعار «المياه والمقدس»، وناقش قضية الأبعاد الروحية للمياه، وكلها فعاليات تربط التنمية ومكافحة الفقر بالقضايا الروحية.

هل هناك فرق بين الديانة الإبراهيمية والدين العالمى الموحد؟

- مصطلح الديانات الإبراهيمية أو الإيمان الإبراهيمى، نسبة إلى النبى إبراهيم، عليه السلام، «أبوالأنبياء»، والمقصود به القواسم المشتركة والتشابهات بين الأديان الثلاثة، والاستفادة منها من أجل تحقيق سلام دينى عالمى قائم على الضمير الجمعى العالمى، ويعى أصحاب هذا الطرح وجود اختلافات جوهرية بين الأديان الثلاثة إلا أن الديانات الإبراهيمية، تؤكد الأسس المشتركة بين الأديان الثلاثة، ومنها عقيدة التوحيد، والقيم المشتركة كالمحبة والإخاء والتسامح، والمقدّسات المشتركة، خصوصاً مدينة القدس، وطبعاً أهمية النبى إبراهيم داخل الأديان الثلاثة كمرجعية روحية، ودعاة هذا الفكر يرفعون شعارات مقبولة، لكنهم فى الحقيقة يسعون لتشويه حقيقة الإيمان وتغليب مصلحة إسرائيل على مصلحة أتباع الدينين الإسلامى والمسيحى، والدين العالمى الموحّد طرح آخر، ومفهوم آخر للديانة الإبراهيمية، ويشير إلى دين عالمى واحد يجمع القيم المشتركة بين الأديان، التى لا يوجد عليها خلاف، ويعد هذا الطرح الأقل قبولاً من الطوائف الدينية المختلفة بمختلف الأديان السماوية، لأنه يُفرغ جوهر الأديان ويمحو وجودها. وقد أشار أيضاً إلى الدين الإبراهيمى الواحد الرئيس الأمريكى باراك أوباما؛ خلال تقرير الدين والدبلوماسية الصادر عن معهد بروكينجز الدوحة 2013، ولاحظ أن المراكز المروجة لهذا الفكر أخذت خطوة أكثر تطرفاً وبدأت تُعد لـ«كتاب مقدس» جديد يتكون من القيم الإنسانية العامة محل اتفاق اتباع الأديان الثلاثة، لتحل محل التوراة والإنجيل والقرآن وتصبح هذه المراكز نفسها أماكن مقدسة بدلاً من المساجد والكنائس والمعابد، وهذا هو الخطر الذى نرفضه جميعاً ونحذّر منه.

دورة دراسية فى جامعة فيرجينيا مضمونها أن المصريين مسئولون عن قتل اليهود على يد فرعون

هل الإدارة الأمريكية التى تأسست فى عام 2013 لدعم الدبلوماسية الروحية، والتى أشرت إليها فى الدراسة، سرية؟ وهل ما زالت نشطة؟

- الإدارة التى تأسست فى عهد الرئيس باراك أوباما رئيساً، وهيلارى كلينتون وزيرة للخارجية، ما زالت نشطة، ونصف أعضائها من رجال الدين المنتمين إلى الأديان الثلاثة، والإدارة ليست سرية، فقد وجدت كل تفاصيلها فى تقرير معهد «بروكينجز الدوحة» فى عام 2013، الذى حمل عنوان «الدين والدبلوماسية»، وشارك فيه الرئيس أوباما بنفسه، وهو أيضاً من تحدث عن الحوار الخدمى.

- يعتقد أصحاب هذا المخطط أن حوار الأديان الذى بدأ كآلية للتقريب بين الأديان أثناء الحرب الباردة، نشاط نخبوى لم يُحقّق المرجو منه، ويقترحون «الحوار الخدمى التنموى» بديلاً عنه كدعم لفكرة الدين الواحد، فبعد الاتفاق على قيم مشتركة بين الأديان الثلاثة تقوم المراكز المروّجة للدين الجديد بتقديم خدمات مباشرة للشعوب، كحملات مكافحة الملاريا بأفريقيا، وشن حملات إغاثية عقب الكوارث الطبيعية للبشر المتضرّرين فى أماكن الصراع، أى تتحول الدبلوماسية الروحية إلى خدمات ملموسة يشعر بها المواطن، وتجعل ولاءه للطرح الجديد للديانة الإبراهيمية.

وهل كان عام 2013 هو بداية الاهتمام بالدبلوماسية الروحية؟

- بدأ مع مطلع الألفية من خلال عدد من مؤسسات الدولية، مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وغيرهما من المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، هذه المؤسسات أصدرت تقارير تتحدث فيها عن أهمية دور الدين كأداة لتسوية الصراعات، وسعت لتقديم مساعدات للمؤسسات الدينية.

وما علاقة البنك الدولى وصندوق النقد بهذه الأنشطة؟

- لأن أهداف هذه المراكز المعلنة هى تحقيق التنمية المستدامة التى نجح فى تحقيقها نصف العالم العلمانى، أى الغرب، أما النصف الثانى المتدين فلم يحقق التنمية، ومنطق هذه المؤسسات الدولية أنه يجب عليهم أن يستوعبوا الجمعيات الدينية، لأنها تساعدهم فى جهودهم لمكافحة الفقر ودعم المرأة، والحث على العمل، وحماية البيئة وتحقيق السلام، وبالتالى التنمية.

كم عدد مراكز الدبلوماسية الروحية؟

- لم أتمكن من إحصائها، لكننى تابعت 18 مركزاً منها.

هل يمكن أن تعطينا مثالاً لأنشطة هذه المراكز؟

- على سبيل المثال، قام «المركز الدولى للدين والدبلوماسية»، أحد مراكز الدبلوماسية الروحية، بتطوير مناهج 1600 مدرسة فى باكستان. ونظم المركز ذاته فى مصر حلقات دراسية فى القاهرة تجمع بين القادة السوريين لمساعدتهم فى حل خلافاتهم، وأسهم فى تدريب وتأهيل اللاجئين السوريين هنا أيضاً فى عام 2012، لكننى لم أستطع الوصول إلى أىٍّ من العاملين فيه، الحقيقة أن مراكز وجمعيات كثيرة استغلت حالة السيولة التى عانت منها مصر بعد ثورة 25 يناير، وجاءت إلى مصر لأسباب مختلفة.

وما الأهداف غير المعلنة لهذه المؤسسات؟

- أحد أهم محاور اهتمام هذا الفكر هو الصراع العربى - الإسرائيلى والصراع السنى - الشيعى، وبالتالى الحديث بكثافة عن القدس والاهتمام الكبير باحتواء إيران فى العلن وتأجيج الوضع فى الخفاء، ومن بين المؤسسات المعنية بالدبلوماسية الروحية: «أبناء إبراهيم»، تحدّثت عن وجوب إعطاء الحق لأصحابه، دون أن تُحدّد من هم أصحاب الحق فى القدس.. لكن إذا نظرنا إلى الصورة الكبيرة سنجد أن أصحاب الحق الذين يحاولون الترويج لهم هم إسرائيل فى إطار موجات التزييف التى يطبقونها فى التاريخ، وهناك قس كورى من معتنقى هذا الفكر ألف كتاباً حديثاً يحمل عنوان «القدس الجديد» دعا فيه إلى ضرورة قيام دين عالمى وتحدّث عن واقع جديد تماماً للقدس، إذ يعتبرها مدينة إبراهيمية، هذا الرجل يأتى إلى مصر، ويقابل جماعات من النخبة المصرية، وبعد أول زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حاولت «الأونروا»، التى تشرف على مدارس اللاجئين، تغيير اسم القدس فى مناهج الأطفال من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائى، ليحل محله «المدينة الإبراهيمية»، وهذه المحاولة تصدى لها أولياء الأمور والمدرسون.

أحد المراكز استغل الفوضى التى أعقبت ثورة يناير.. وساعد فى تدريب اللاجئين السوريين بمصر خلال 2012 والمخطط يستهدف نسف الأديان لتحقيق مصالح الغرب.. ويجب تقديم النموذج القائم على التسامح الدينى

- من خبرتى كمتخصّصة فى الشئون الإسرائيلية فإن ضغوط ومخططات إسرائيل على «الأونروا» تنجح دائماً حتى إن كانت ستستغرق مساحة من الوقت. وخطورة هذه الخطوة أنها ليست قراراً أهوج من قرارات «ترامب»، مثل نقل السفارة إلى القدس، لكنه مخطط هادئ ومستمر، هدفه تغيير الفكر وتصفية القضية من الجذور عبر سنوات طويلة، فالأجيال الجديدة لن يكون فى فكرها المطالبة بالقدس كعاصمة من الأساس، لأن هناك جهوداً على مسارات أخرى تقودنا إلى هذه النتيجة، فهم يروجون لفكرة أن اليهود هم أصحاب الديانة الأولى فى العالم، وأنهم أصحاب حقوق تاريخية فى القدس، بل وفى فلسطين، وأنهم أصحاب الأرض، وأن القدس مدينة يهودية، ويدعمون هذه الفكرة بعشرات الطرق، منها شراء كراسى أستاذية فى الجامعات الكبيرة المتخصّصة فى تدريس ما يسمونه بـ«التاريخ والثقافة والحضارة اليهودية»، ويسعون لتغيير المناهج فى مؤسسات تعليمية مختلفة لهذا الغرض، هل يُعقل مثلاً أن يكون هناك قسم فى المتحف البريطانى عن قدماء الإسرائيليين؟! وهناك مثلاً دورة دراسية فى جامعة فيرجينيا، بالتعاون مع منظمة «اتحاد أبناء إبراهيم» باسم «تحجّر أرض فرعون»، ومضمون الدراسة أن المصريين مسئولون عن قتل اليهود على يد فرعون، ويجب أن يدفعوا ثمن هذا الجرم.

قلتِ إن الصراع السنى - الشيعى أحد محاور اهتمام مراكز الدبلوماسية الروحية.. فما طبيعة هذه العلاقة؟

- نظرياً هذه المراكز معنية بأى صراع له بعد دينى، لكننى أعتقد أن هذا الصراع مدخل لهم حتى يقنعوا الناس بقبول فكرة الدين الواحد. فهم يردّدون أن الصراع بين الأديان عنيف والصراعات بين طوائف الدين الواحد أعنف، ويؤكدون من خلال دراسات مختلفة أن أكثر الأديان إنتاجاً للصراع هو المسيحية ثم الإسلام، نتيجة الضغائن المتبادلة بين طوائف الدينيين، ويرون أن الحل عملياً هو تصفية هذه الأديان والسعى لدين جديد يقوم على القيم المشتركة، مثل المحبة والإخاء إلخ، مما يعنى أنهم يحاولون خلق جيل كاره للأديان بوضعها الحالى، وبالتالى يكون مهيأً لقبول فكرة الدين الجديد.

هل من المصادفة أن الديمقراطيين «أوباما وهيلارى كلينتون» الذين دعموا التيارات الإسلامية بعد ثورات الربيع العربى هم من دعموا أيضاً الدبلوماسية الروحية؟

- لا ليست مصادفة، فـ«أوباما وهيلارى» يؤمنان بأهمية توظيف الدين لتحقيق مصالح الولايات المتحدة، وقد لجأ إلى فكرة الدبلوماسية الروحية بعد فشل مخططه لتمكين الإسلاميين من خلال ثورات الربيع العربى، نتيجة قيام ثورة 30 يونيو ودعم الجيش المصرى لها، وكلا المخططين يحقق أهداف أمريكا وإسرائيل، فالدبلوماسية الروحية فى جوهرها محو للفواصل بين الأديان ودعوة إلى قيام الدين الإبراهيمى العالمى، مما يمهد الأرض عملياً لاستيلاء إسرائيل على القدس.

وما أفضل الطرق للتصدى لهذا المخطط؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل