المحتوى الرئيسى

هل ينجح فيلم النجمة كلير فوي الذي صور بكاميرا هاتف ذكي؟

03/12 22:52

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

عندما تجد أن ممثلاً مثل مات ديمون ظهر كضيف شرف في فيلمٍ روائي صوِّرَ بكاميرا هاتف ذكي من طراز "آي فون"، فلا بد أن هذه الطريقة في التصوير ستصبح الأسلوب السائد في المستقبل.

الفيلم يحمل اسم "آنساين" (المختلة عقليا)، وهو من إخراج ستيفن سودربرغ، الذي قد يكون أكثر مخرجٍ تعاون معه ديمون خلال مسيرته الفنية. والملمح المختلف في هذا العمل هو منظومة التصوير.

وقد حظي اختيار سودربرغ لهذه التقنية ليستخدمها في تصوير الفيلم - الذي كان أحد الأعمال المشاركة في مسابقة مهرجان برلين السينمائي الدولي في أحدث دوراته - بتغطية إعلامية مكثفة، وهو أمرٌ مغايرٌ لما جرى مع أحدث فيلم روائي شهير، صُوِّرَ أيضا باستخدام هاتف من طراز "آي فون"، وهو عملٌ أخرجه شون بيكر ويحمل اسم "تانجيرين"، إذ لم يُكشف عن طريقة تصوير هذا الفيلم، سوى مع ظهور قائمة أسماء المشاركين فيه من ممثلين وفنيين على الشاشة في عرضه الأول.

ويقول سودربرغ الذي بدأ مشواره عام 1989 بفيلم "جنس وأكاذيب وشريط فيديو"، الذي اتسم بطابعٍ تجريبي مفرط ، إن الهدف من وراء تقديم عمله الأخير بتلك الطريقة، كان يتمثل في إحداث مزيدٍ من مشاعر التشويق والإثارة كتلك التي أحاطت بأول أعماله.

وتقوم ببطولة فيلم "المختلة عقليا" كلير فوي بطلة مسلسل "ذا كراون" (التاج)، وتجسد فيه شخصية شابة تُجبر على البقاء في مصحةٍ للأمراض النفسية تعتقد أن الشخص الذي يطاردها يعمل فيها.

وكشف المخرج النقاب عن أنه كان يرغب في عرض فيلمه باسمٍ مختلف "ولكن ذلك لم يحدث، لذا حاولت إبقاءه في طي الكتمان لأطول وقتٍ ممكن. قررت ألا أتبنى موقفاً دفاعياً بشأن مسألة تصنيفه كـ "الفيلم الذي صُوِّرَ بهاتف آي فون"، وإذا أتى الناس (لمشاهدة العمل) بدافع الفضول؛ حسناً، فلا يزال هناك سعر بطاقة الدخول" الذي يتعين عليهم دفعه.

على أي حال لا يزال تصوير فيلمٍ ذي ميزانية كبيرة بهذه التقنية أمراً نادراً، إلى حد أن مثل هذا العمل لا يزال يُوصف بعبارة من قبيل "ذاك الفيلم الذي صُوِّرَ باستخدام هاتفٍ من طراز آي فون".

لكن الإطراء الذي لاقاه شون بيكر بعد تقديمه لفيلم "تانجيرين" عام 2015، وهو العمل الذي حقق إيراداتٍ من شباك التذاكر تزيد بواقع ثماني مرات على ميزانيته الأصلية، جعل الرجل يشعر بالقلق مما إذا كان يساعد على القضاء على الوسيط الفني الذي يحبه، ألا وهو تصوير الأفلام السينمائية بالطريقة التقليدية المُتعارف عليها.

وقد أدلى وقتذاك بتصريحاتٍ أقر فيها بأنه شعر بالقلق إزاء "موت الفيلم" بصورته التقليدية، مضيفاً بالقول "هناك خاصيةٌ بعينها للفيلم السينمائي، لا ترتبط بماهية المُرشِحات التي تستخدمها على الكاميرا الرقمية الخاصة بك. أنتَ (في هذه الحالة) لا تستطيع تحقيق التأثير نفسه".

لكن مشاعر الذنب وتأنيب الضمير هذه، لا تساور مخرجين آخرين مثل تيمور بيكمامبيتوف الكازاخي المولد، الذي قدم عام 2008 فيلم "وانتِد" (مطلوب) من بطولة أنجلينا جولي، وكذلك "بن هور"؛ ذاك العمل سيء الطالع بشكلٍ أكبر، الذي يمثل رؤيةً حديثةً من عمل قُدِمَ بالاسم نفسه في خمسينيات القرن الماضي وأحدث دوياً كبيراً.

وقد شهد مهرجان برلين أيضاً عرض فيلم لـ "بيكمامبيتوف" يحمل اسم "بروفيل" (حسابٌ شخصي)، والذي يتناول قصة صحفية تُنشئ لنفسها حساباً شخصياً وهمياً على موقع "فيسبوك"، تنتحل فيه شخصية فتاة مُتحولة إلى الإسلام تتبنى أفكاراً متشددة.

وتدور أحداث العمل بالكامل في حيز شاشة كمبيوتر، دون أن تتجاوزها قيد أنمُلة. كما تضمن إنتاجه استخدام تطبيق "سكايب" وكذلك هواتف محمولة، بهدف تصوير المشاهد بشكلٍ متزامن في دولٍ مختلفة. وسبق أن استخدم بيكمامبيتوف في عام 2015 الأدوات نفسها لكي يقدم - وبنجاح - فيلم "أنفريند" (إلغاء صداقة). واعتبر أن عمليْه هذين يندرجان في إطار ما سماه الأفلام التي تُصوّر "الحياة على شاشة" الوسائط الإلكترونية.

ويقول بيكمامبيتوف: "الدراما الإنسانية تطورت .. وإذا ما (أُريد) لقصصنا أن تبقى متوافقة مع الواقع، فعليها أن تتطور بدورها. لقد انتقلنا للعيش على وسائط رقمية، وأصبحت الطرق التي نتفاعل بها لا تنفصل عن هواتفنا وأجهزتنا اللوحية. فالناس يذهبون للنوم، وهواتفهم في أيديهم".

ويخطط هذا المخرج حالياً لتقديم فيلمٍ صُوِّرتْ كل لقطاته بالهواتف المحمولة، بجانب نسخة من روميو وجولييت تظهر على شاشة الكمبيوتر.

ويضيف تيمور بيكمامبيتوف أنه سيشعر بالسعادة كذلك إذا رأى فيلماً يتناول كارثةً ما، وقد صُوِّرَ وكأن أحداثه تدور على شاشة أحد الوسائط الإلكترونية "فقط لأننا جميعاً سنرى أي شيء مروع إذا وقع - لا سمح الله - على هذه الشاكلة. فكلنا سنلتقط - في هذه الحالة - صوراً وسنبث لقطاتٍ حيةً مباشرة، مهما كان ما يدور من حولنا" بشعاً.

وتلائم حبكة فيلم "حساب شخصي" وأحداثه بوضوح عالم الهواتف الذكية وتقنياتها وخصائصها، وهو ما سار على دربه كذلك "تانجيرين".

ورغم أن التقنيات المستخدمة في التصوير باستخدام الكاميرات المحمولة تطورت كثيراً منذ إنتاج فيلم "ذا بلير ويتش بروجيكت" (مشروع الساحرة بلير)، الذي قُدِمَ عام 1999 وكانت لقطاته مهتزة وكُتِبتْ حبكته لكي تشرح أسباب تردي مستواه من الوجهة التقنية، فإن سودربرغ أقر بأنه احتاج - حتى في عام 2018 - إلى فيلمٍ تلائم قصته مسألة استخدام الهواتف الذكية في تصويره.

وهنا بدا أن فيلم "المختلة عقليا" يلائم هذه المواصفات، وهو فيلم رعبٍ نفسي عالي النبرة، يحمل إيحاءاتٍ تومئ بأنه من أفلام الدرجة الثانية، ذات المسحة التجارية والميزانية المنخفضة.

ويقول سودربرغ: "أعتقد أن الإيجابيات تتمثل في أن بوسعي أن أضع العدسات في أي مكان في غضون ثوانٍ معدودات، كما يمكنني أن أعيد مشاهدة اللقطة خلال دقائق. فالأمر لا يتطلب أكثر من تثبيت المشهد وتصويره، وهو ما يُبقي على الحيوية (التي تتسم بها اللقطات). الجوانب السلبية الوحيدة تكمن بحق في أن الهاتف حساسٌ للغاية للاهتزاز، وأن أجهزة الاستشعار (فيه) صغيرةٌ بشدة".

وفي عام 2005، أسس برونو سمادجا مهرجاناً للأفلام التي تُصور بالهاتف المحمول، وذلك بمجرد أن أُضيفت الكاميرات إلى تلك الهواتف.

غير أن هذا الرجل لا يزال يؤمن بأنه يتعين على صُنّاع هذا النوع من الأفلام، أن يولوا اهتمامهم لنقل الصورة كما هي لا أن يعملوا على تجميلها، مُشدداً في هذا الصدد على أن تكون "الصورة سابقةً للوحة. فمع الفنانين البارعين؛ يمكنك أن ترى رسوماتهم التي تكون في الغالب رائعةً في حد ذاتها، لكنك تجد أنهم يمضون فيها إلى آفاقٍ أبعد".

وتتضمن دورة عام 2018 من المهرجان مشاركاتٍ لمخرجين من 22 دولة، ولا تتجاوز مدة الأفلام المشاركة دقيقةً واحدةً لكلٍ منها. ويعد المخرج الفرنسي الشاب مورغا سيمون نجم هذه الدورة، وقد سبق أن أخرج أول أفلامه الروائية، بعدما نافس في دوراتٍ سابقة على الفوز بجوائز ذلك المهرجان. وعُرِضَ ذاك الفيلم ويحمل اسم "آيه تيست أوف إنك" (مذاق الحبر) في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي عام 2016.

ورغم كون سمادجا مؤسساً لهذا المهرجان، فإنه يقول إنه ليس واثقاً من أنه سيكون طبيعياً في يومٍ ما، "أن يتم تصوير فيلمٍ روائي بكاميرا هاتف. كلا. صناعة السينما هي نوعٌ من الفن، وثمة احتياجٌ لقدرٍ كبير من الإبداع، لكي يكون لدينا فنيون يقفون وراءها، من أجل خلق طابع جمالي للفيلم. أنا لا أريد فقدان ذلك".

وبينما سارع مخرجٌ مثل شون بيكر بالعودة - فور انتهاء تصويره لـ"تانجيرين" - إلى الطرق التقليدية لتقديم الأعمال السينمائية، ورُشِحَ بفضل ذلك لنيل جائزة الأوسكار عن فيلمه "ذا فلوريدا بروجيكت" (مشروع فلوريدا)، يقول سودربرغ إن تجربة تصوير "المختلة عقليا" أعادت ضخ دماء النشاط والحيوية في عروقه.

ومضى بالقول متأملاً: "يُفترض أن أبدأ تصوير فيلمٍ جديدٍ خلال أسبوع. وأعكف على التفكير في ما إذا كان بمقدوري العودة إلى الطريقة العادية في العمل، أم أنني بِتُ متيماً على نحوٍ مفرط، بما يُتاح لي الفرصة للقيام به بفضل التكنولوجيا الجديدة؟ إحساسي في هذا الصدد يقارب ذلك الشعور بالإثارة الذي أفعمني حينما كنت أخرج أفلاماً في مرحلة المراهقة".

وربما يشكل رد فعل النقاد على فيلم "المختلة عقليا" العامل الذي سيحسم قرار سودربرغ في هذا الشأن. ويقول الرجل إنه حذر ممثليه من أن الانتهاء في غضون أسبوع من تصوير فيلمٍ، ذي ميزانية منخفضة وطاقم عمل محدود العدد بشدة، وبأدواتٍ بسيطة، ومُصوَّر باستخدام هاتف ذكي، لن يبدو كما لو كان نتاج عمل فتية صغار في المدرسة الثانوية فحسب، بل وكأنه عملٌ نفذه صبية أقل سناً من ذلك أيضاً.

ومن بين من بدوا غير معجبين بالصورة التي خرج عليها الفيلم، الصحفي العامل في هوليوود دافيد روني، الذي كتب يقول إن العمل "يبدو رتيباً بوجهٍ عام. كما أنه يقدم - وبوضوح - الكثير من ممثليه على نحوٍ غير إيجابي، رغم أنه من المحتمل أن ذلك كان يمثل التأثير المرغوب فيه" من جانب صناع الفيلم.

لكن وجود مخرج مثل سودربرغ واسم ممثلة كـ "فوي" بين أفراد فريق العمل، لعب دوراً حاسماً على ما يبدو في خروج هذا الفيلم إلى النور وعرضه في دور السينما، فلولاهما لكان من المشكوك فيه، أن يحدث ذلك من الأصل. ورغم ذلك يصر مخرج العمل على أن غزوته في مجال الأفلام التي تُصوَّر باستخدام الهواتف النقالة، تمثل جزءاً من تحولٍ زلزاليٍ محتمل بالنسبة للمخرجين في عصرنا الحالي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل