المحتوى الرئيسى

أزهري مقاوم: الله لم يكلفنا بإقامة مجتمع الملائكة على الأرض

03/12 21:56

وصف الباحث الأزهرى، الدكتور عبدالباسط هيكل، الحديث الدائر حول تجديد الخطاب الدينى، بأنه مجرد فعاليات إنشائية، تنحصر فى بروتوكولات مؤسسية تظهر فقط أمام الكاميرات ووسائل الإعلام.

وأصدر «هيكل» وهو أستاذ علوم العربية وآدابها جامعة الأزهر، مؤخرًا كتاب «باب الله.. الخطاب الدينى بين شقى الرحى»، الذي تضمن ٦ رسائل لتفكيك مفاهيم الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها الإخوان بشأن الخلافة الإسلامية والجهاد والطاعة وغيرها من الأمور.

واعتبر فى حواره مع «الدستور»، أن الخطوة الأولى للتجديد يجب أن تنطلق من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية فى الخطاب الدينى، ثم رصد الإشكاليات التى تحول دون تجديده، وعلى رأسها القراءات الانتقائية والاختزال والتعميم، والخلط بين الخطاب البشرى الاجتهادى والنص الإلهى المقدس.

■ أصدرت مؤخرًا كتاب «باب الله».. فلماذا اخترت هذا العنوان؟

- «باب الله.. الخطاب الدينى بين شقى الرحى»، هو إشارة إلى الخطابات الإسلامية المتنازعة حول أحقيتها بالتمثيل الحصرى للإسلام، فكل جماعة إسلامية تجعل من نفسها «باب الله» الوحيد، وتجعل فهمها للإسلام هو الإسلام نفسه، وتنظيمها هو طوق النجاة، وطريقها هو سبيل الله الذى أمر باتباعه.

غاب عن خطاب هؤلاء الحد الفاصل بين الجماعة والإسلام، وبين الأداة والغاية، ولذلك جاء الكتاب فى هذا التوقيت، لأننا أصبحنا فى حاجة إلى إعادة الإنسان ليكون فاعلًا فى بناء دولته مرة أخرى، فالله ليس مكلفًا بتقديم التفاصيل ومواكبة التطورات ومواجهة متغيرات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل والعمل لها، بل الإنسان هو المكلف بذلك. ولا يمكن للإنسان تحقيق هذه الانطلاقة دون تفكيك أفكار منظّرى الدولة الإسلامية، الذين يزعمون بوجوب تأسيسها وفقا لنص مقدّس، ورد الطرح المتعلق بالدولة والخلافة إلى سياقه الحقيقى، كفعل تاريخى، أتى فى إطار زمنى ونسبى.

■ كيف أثرت فكرة «باب الله» على المجتمعات الإسلامية؟

- بناء على هذه الفكرة، يصف المنتمون لهذه الجماعات أى خصومة مع جماعتهم، بأنها خصومة مع الإسلام، ويرون ترك الجماعة تركا للدعوة الإسلامية، وبهذا تكون الدعوة والتنظيم شيئًا واحدًا، لا ينفصلان، وتصبح الوسيلة جزءا من الفكرة، وبهذا تجمد الجميع عند نقطة واحدة، ولم يعد ممكنا لهم أن يتخلوا عنها قيد أُنملة، فالجماعة - كوسيلة واجبة – أصبح لها قداسة فكرة الدعوية الإسلامية، وبهذا وقع هؤلاء فى أزمة حول علاقة الدولة بالإسلام، وهى أزمة حاول المسلمون إبعادها عن الدين لقرون طويلة.

ومثل هذا الخطاب من الجماعات ورؤيتها، لم تنعكس على اغتيال المخالف لها فقط، بل اغتالت الدين ذاته، وهدمته فى نفوس العامة، وحدث هذا حين تحوَّل التنافس السياسى إلى معركة دينية وجودية، وأصبح انتصار الجماعات يمثل انتصارا للإسلام، وخسارتها تمثل هزيمة للإسلام.

■ كيف نتجاوز هذه الأفكار؟

- البداية تكون بالاعتراف بوجود مشكلة فى الخطاب الدينى، حتى نفكّر فى الحل، ويجب أن نبدأ من رصد الإشكاليات التى تعوق انطلاق عمليات التجديد، وأهم هذه الإشكاليات هى قراءة كتب التراث بشكل انتقائى يردد المصطلحات ولا يناقشها، ويرسخ الأحادية والتعميم والاختزال، وتتداخل فيه المفاهيم وتغيب عنه المنهجية والعقلانية.

ولا بديل أمامنا عن قبول التعددية، لأنها تُخرجنا من حالات المساجلة والمغالبة، وتنهى الإقصاء المستمر لخطابات أخرى حاضرة فينا، وإن زعمنا غيابها، أو تغييبها بما يستنزف طاقاتنا، ويضعف من محاولات التعايش بيننا.

■ هل انطلق قطار التجديد الدينى فى الفترة الأخيرة؟

- تجديد الخطاب الدينى مازال محصورًا فى شكل بروتوكولى ومؤسسى، نراه فى المحافل، حيث تنطلق الكلمات البليغة الرنانة من أعلى المنصات كردِّ فعل لخطاب الجماعات، وينتهى التجديد بانتهاء الفعالية الإنشائية أمام الكاميرات الإعلامية، دون ممارسات حقيقية لتجديد الخطاب الذى أصيب بالـ«دوجمائية»، نتيجة الالتباس بين مفهوم الخطاب الحامل لرسالة دينية، وبين النص المقدس فى ذاته.

■ ما المقصود بالخلط بين الخطاب والنص المقدس؟

- المقصود أن الخطاب الدينى انتزع قداسة مغلوطة، تشعرنا بالحرج عند إخضاعه لمنهج البحث النقدى، لذلك أصبحنا لا نقترب من الخطاب إلا لاختصار شرح، أو لإيجاز مُفصَّل، أو للتوفيق بين المستجدات وأقوال القدامى من علماء التراث، دون أى محاولة نقدية لتفكيك وتحليل هذه الخطابات بوصفها رسائل لغوية، أو محاولات فهم بشرى للنص الدينى.

■ كيف نقرأ كتب التراث فى ضوء هذا الفهم؟

- نحتاج إلى تدريب مستمر على ممارسة القراءة التحليلية النقدية، البعيدة عن التعالى أو التبرير، أو «الدوجما» السائدة فى جانب كبير من الخطاب الإسلامى، وعلينا إظهار أوجه التعدد فى أقوال القدامى، والتعامل مع نتاجهم بوصفه فهما ظنيا للنصوص، ذى دلالة احتمالية، لأن الباحث القديم أو المعاصر يتأثر فى قراءة النصوص بثقافة عصره.

وعلينا أن ندرك أن أخطر ما وقع فيه الخطاب الإسلامى المعاصر هو تثبيت المعنى عند فهم بعينه، وترويجه كأنه المعنى الوحيد المطابق لمراد الله، ما أعطى للمنتج البشرى سلطة الإلهى، دون أن نعى أن كلا منا يقدم قراءته وفهمه، ولا يحق له الزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة.

لذا يتوجب على صاحب الخطاب أن يُشارك ولا يُقصى، ويُحاور ولا يُصادر، كما لا يجب أن نُهدر جهود القدامى، كما يريد البعض، بل نقتلها بحثا وفهما، عبر وضعها فى إطار الدرس النقدى العلمى، كما نحتاج إلى قراءات من المعاصرين للوحى المقدس، دون المزج بين شخص المفسر وتجربته وبين النص الدينى نفسه.

■ ما أهم القضايا الفكرية التى يجب تناولها فى إطار التجديد من وجهة نظرك؟

- فكرة الدولة الإسلامية، ومتى ظهرت؟، وكيف اكتسبت معنى دار الإسلام بمفهومها الفقهى؟، وكيف تحوّلت إلى عنوان لمشروع استعادة الخلافة الإسلامية وتديين الدولة المعاصرة؟، وهو ما ناقشته فى كتابى «باب الله»، حين حاولت تفكيك الأفكار التأسيسيّة فى خطاب الجماعات، وكشفت اتفاقها فى بنية أفكارها وإن تفاوتت فى درجات الإعلان والخفاء ومرحلية الوسائل وحِدَّة الخطاب.

وفى هذا الكتاب توقفت عند الإشكاليات المعقّدة التى خلفها خطاب فصائل الحركة الأصولية، وتأثيره على الثقافة العامة، وفى مقدمة ذلك ضياع غاية الرسالة الإسلامية القائمة على تكليف الله للإنسان فى الأرض، كما تناولت إشكاليات الخطاب الدينى الرسمى، التى تعوق عملية التجديد، وعلاقة الدين بالدولة، كما جاء فى فكر الإمام محمد عبده.

■ تستمد معظم الجماعات شرعيتها من دعوتها لإحياء «الخلافة الإسلامية».. فهل للخلافة مفهوم شرعى يتوجب تطبيقه؟

- «الخلافة الإسلامية» كانت من ضمن الأسئلة، التى درستها فى قضية التجديد الدينى، وهل هى نموذج شرعى دينى ثابت وتوقيفى أنتجه الوحى المقدس وتجب استعادته؟ أم هى نموذج تاريخى قابل للتطور والتجاوز أنتجه الفعل الإنسانى المتأثر بقيمه وبيئته الزمنية والمكانية؟.

وفى ضوء ذلك، كيف نفهم النصوص التى استند إليها منظرو الخلافة فى مشروعهم؟، ولماذا تحوّلت الخلافة فى الوجدان الإسلامى إلى حُلم وأصبحت أصلا يعود المسلمون للطواف حوله مرارا دون تجاوزه؟، وكيف تحولت إلى دولة ثيوقراطية فى أذهانهم؟. كيف يمكن النقد والمراجعة لسلطة تنطلق من عبارة «الحاكمية لله» وتحرم الحاكم والمشرع من حقه فى الاجتهاد؟ أليس هذا التصوّر يعطى المجتهد فى العلوم الشرعية سلطة دينية ووصاية بوصفه المختص بالتوقيع نيابة عن الله على حدّ تعبير ابن القيم؟ وكيف نقاوم ظاهرة التكفير إذا كانت محاولة التفكير والاجتهاد الحرّ متهمة بتعارضها مع مبدأ «الحاكمية»؟ وكيف يكون الإبداع والعقلانية العلمية ومصادر معرفتنا بالدولة منحصرة فى استنباط المجتهد لأحكامها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تنجح الجماعات الدينية عبر تاريخها فى تجاوز مرحلة تفكيك الدولة إلى تقديم نموذج للدولة؟ ولماذا لم ينجح العرب خلال القرن الأخير فى إحداث تحوّل حضارى؟، بل تعيش الدول العربية حالة من القبلية العِرقية أو تخضع لسيطرة الجماعات الدينية، مع وجود قشرة رقيقة ضعيفة اسمها الدولة، وإلى متى يصبح استبداد السلطة هو حزام الأمان الذى يمسك مجتمعاتنا عن التفكك؟.

■ ما أهم الأفكار الأخرى التى يستند إليها فكر الجماعات ويتوجب تفكيكها؟

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل