محمود محيي الدين ينعي الدكتورة هناء خير: أسست لمدرسة راقية للقيم العلمية الرفيعة

نفتقد أستاذتنا الجليلة الدكتورة هناء خير الدين التي أسست لمدرسة راقية للقيم العلمية الرفيعة وتطبيق أسس البحث والتحليل الاقتصادي.

كانت صاحبة همة في العلم والعمل ومنهجًا للانضباط واحترام الرأي واستقلاله.

ما زلت أتذكر بداية محاضرتها الأولى لنا في السنة الثانية في مادة النظرية الاقتصادية الجزئية، التي اشتهرت بالاقتصاد التحليلي، والزملاء يتابعون شرح الدكتورة هناء صاحبة الهيبة في مزيج من شغف وفضول وقلق مما هم مقبلون عليه. وقد تشرفت بأن أكون معيداً لهذه المادة تحت إشرافها لسنوات؛ فلم تبخل بتوجيه أو نصيحة ليس فقط في تفاصيل شرح العلم للطلاب لكن في كيفية التعامل في محراب العلم وطريقة إدارة قاعات الدرس والبحث وأسس التقييم.

ولا أنسى إذ نسيت تشجيعها لي، كَدَأْبها مع طلاب العلم والمبعوثين، أثناء دراستي خارج البلاد وتعليقاتها على مشروعات فصول كتبتها لرسالة الدكتوراه ومناقشتي في نتائج البحوث القياسية.

وأتذكر توجيهها المستمر بعد عودتي من البعثة واستلامي العمل بكليتنا العتيدة بألا تلهيني نشاطات العمل العام أو التدريس عن النشر العلمي والالتزام بتقديم الأبحاث في مواقيتها للترقي وهو ما كان.

وقد كان لي معها حوار بعدما انتهيت من إعداد أوراقي العلمية للتقدم للجنة الترقي لدرجة أستاذ في عام 2004، وتزامن ذلك مع اختياري وزيرا بالحكومة وقتها؛ فقالت لعلك ستتردد في تقديم أوراقك للجنة بعدما صرت وزيراً، فإذا أرجأت التقدم بأوراقك فسيكون هذا خطأ عظيماً. فذكرت لها أني عازم فعلاً على التقدم للجنة المعنية، وأن في توجيهها وتذكرتها تأكيد لما عزمت عليه. فاسترسلت الدكتورة هناء بأنه لا منصبا يعادل في مكانته منصب أستاذ الجامعة.

لقد أسست مؤلفات الدكتورة هناء المنفردة والمشتركة في أصول الاقتصاد والنظرية الاقتصادية الجزئية والاقتصاد الرياضي والقياسي في تعليم و تعريف أجيال من الاقتصاديين المصريين والعرب بقواعد العلم.

وعرفت إسهاماتها العلمية كل ذي اهتمام وبصيرة بتطورات الاقتصاد وفرصه وتحدياته في مجالات شتى منها تقييم السياسات الاقتصادية والتجارية والتضخم والنمو وتوزيع الدخل.

رحم الله أستاذة جليلة قديرة مثابرة كريمة كانت في حياتها قدوة، وفي صبرها في مرضها عظة، وهي اليوم بعد وفاتها إلى بارئها لنا فيها مما تركته من أثر وفضل، وصعود روحها الطاهرة إلى بارئها عظات كبار.