المحتوى الرئيسى

الخالدون في سجلات الصاعقة: المؤسس القائد.. والأسطورة - صوت الأمة

03/10 15:20

بالدم والنار، سطر رجال الصاعقة المصرية بطولاتهم فى سجلات الخالدين، قصص تضحياتهم توالت منذ تأسيس هذه الأسطورة العسكرية، ومستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور بمحاربتهم الإرهاب الخسيس، حيث يسطرون ضمن جنود قواتنا المسلحة أروع البطولات.

لاقت كلمات نشيد «قالوا إيه علينا دولا»، الذى كتب كلماته الرائد متقاعد «محمد الوديع الوديع»، تفاعلا غير مسبوق، ورددته جميع فئات الشعب المصرى، لدرجة أنه أصبح يردده طلاب المدارس مرتين يوميا.

اللواء جلال هريدى، مؤسس «الصاعقة»، سرد قصة تأسيس هذا السلاح المهم والخطير، قائلا: «إن بداية تأسيس السلاح، كانت بعد أن زار قائد سلاح المظلات المصرى فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، مدرسة المشاة الأمريكية، ليعجب بتدريباتها، وكانت تتضمن التدريب على أعمال الصاعقة، وعقب عودته إلى القاهرة أمر بإرسال الملازم جلال هريدى وقتها، ومعه الملازم أول نبيل شكرى لمدرسة المشاة الأمريكية لتلقى فرقة فى الصاعقة.

 فى أمريكا حرص الملازم جلال هريدى على التعليم، وكان وقتها عمره لا يتعدى العشرين عاما، ما أثار إعجاب الأمريكيين، لينجح «هريدى» فى الحصول على الفرقة بتميز، متفوقا على جميع الوافدين الذين ذهبوا إلى أمريكا لتعلم فنون «الصاعقة».

يقول«هريدى» فى تصريحات له : «إنه عقب عودته من أمريكا اجتمع مع بعض زملائه، وعرض عليهم فكرة تكوين فرقة صاعقة، وتم عرض الأمر على القيادات العليا فى القوات المسلحة، وبالفعل تمت الموافقة على إنشاء مدرسة للصاعقة، وأن يكون «هريدى» هو كبير معلميها، وبدأ فى انتقاء عدد من الضباط ليكونوا معلمين معه، وكان أول مقر لمدرسة الصاعقة فى منطقة تُسمى «أبوعجيلة»، وكان الانضمام لها اختياريا، وكان أبرز المنضمين لها الملازم إبراهيم الرفاعى.

وأضاف: «دخلت فرقة الصاعقة العديد من المعارك، كان أولها معركة بورسعيد، وقت العدوان الثلاثى فى عام 1956، وبعدما أظهروا بطولات فى هذه المعركة، تمت الموافقة على إنشاء سلاح الصاعقة بشكل رسمى فى العام 1957، لتتوالى البطولات بعد ذلك فى حروبها باليمن وسوريا وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر.

بطولات الصاعقة المصرية، لا تعد ولا تحصى، ونسرد فى السطور التالية جزءًا منها، كما وثقها «محمد شبل» بموقع المجموعة 73 تحت عنوان «ملحمة الصاعقة المصرية فوق أرض سيناء»، قائلا:  «فى أصعب فترات الحرب، وفى أصعب الأوقات التى لا تخطر على بال أحد، لم تتوقف طلعات الصاعقة الهجومية الانتحارية فى ظهر قوات العدو، لقد صنعوا بأجسادهم سدا بشريا أمام احتياطى تعبوى إسرائيلى مدرع، وحولوا دباباتهم إلى حطام».

انعكست آثار حرب أكتوبر المجيدة على الإنسان المصرى، تلك الآثار ذات الأبعاد الحضارية والنفسية، التى تبقى تحت سطح الوعى فى معظم الأحيان، وأحيانا تطفو فوقه، هكذا كان الإنسان المصرى، المتمثل فى المقاتل البطل، نظرا لقدراته الفائقة وعطائه اللامحدود، فتغيرت بسببه صورة الفرد المصرى أمام العالم بأجمعه، حيث كان لكل مقاتل مصرى بطولة فردية فى هؤلاء الرجال من وحدات الصاعقة، كما صرح بذلك اللواء نبيل شكرى، قائد وحدات الصاعقة، فى تلك الأيام المجيدة، وسرد اللواء «شكرى» فى ذلك الوقت وحدد الأسماء، التى قامت بتلك الأعمال المجيدة فى حرب أكتوبر المجيدة.

لنسرح بأذهننا مع البطل نبيل شكرى، قائد تلك الوحدات، فهو أدرى الناس بمن قام تحت قيادته بالبطولات الخارقة، التى أبرزت معدن المصرى النفيس وقدرته على تحمل الشدائد وقت المحن، فلنمض معا نستفيد من ذكر الأعمال العظيمة التى حدثت فى تلك الحرب.

 كان فيصل عبد الفتاح، هو قائد الكتيبة التى أخفت عنه القيادة، أن مسرح عملياته سيكون هو القطاع الوسط، الذى يقدر عدد القوات التى سيواجهها بحجم لواء مدرع، والمقارنة هنا تبدو صعبة لمواجهة بين مجموعة من الرجال ولواء مدرع، بل تبدو مستحيلة على الأرجح بين من يحملون أسلحة خفيفة وبين لواء مدرع مكتظ بالدبابات والعربات المدرعة والمدفعية، وقوات كوماندوز مرافقة له، أضف لذلك عمق المكان الذى سيتم فيه الاشتباك وافتقاد الدورية لأى معاونة قريبة، فكان الرجال يعلمون حجم صعوبة الموقف، كذلك أهمية الدور الحاسم، الذى سيقومون به من أجل تعطيل قوات العدو، ومنعه من الاشتراك فى المعركة الدائرة فى الضفة الشرقية من قناة السويس، حتى تنتهى قوات المشاة من تدمير خط بارليف، وإقامة خطوط صد دفاعية استعدادا لتطورات الموقف، ورغم كل ما سبق، فإن فيصل كانت روح المرح لا تفارق سلوكياته بين جنوده، ويبث فيهم الثقة بالنفس، فبدأ التحرك فوق رمال سيناء، متجهين نحو المواقع المحددة لهم تحت الظلام، يهتدون بالنجوم والقائد فى المقدمة.

 فى المكان المحدد انتهى الرجال من إعداد الحفر الدائرية، ورقدوا بداخلها فى انتظار العدو فى لحظة معينة من صباح اليوم التالى ظهرت الدبابات، مرت أمام المجموعة اليمنى، لم تطلق عليها المجموعة النار، واصلت تقدمها باتجاه المجموعة اليسرى، يتناول فيصل مسدس الإشارة، يرفع يده لأعلى ويضغط على الزناد، تنطلق إحدى طلقات الإشارة البيضاء لتضىء الدبابات الضخمة الهادرة أمام الرجال، ولتبدأ المعركة على المحور الأوسط، اشتعلت خمس دبابات.

إن انفجار دبابة منظر رهيب، لا يعادله أثناء اشتباكها إلا طلقة مدفعها، وبين الرجال كان فيصل ينتقل من مكان إلى مكان، من مقاتل لآخر، كأنه تجسيد لروح هؤلاء الرجال بعد تعطيل مدرعات العدو، ارتد مع رجاله إلى منطقة رملية كثيفة أعجزت العدو عن مطاردته، كما تمكن من تخفيف الهجوم المعادى على المجموعات الأخرى، ليتيح لها الارتداد بعيدا عن منطقة الكمين التى اكتظت بالمدرعات الإسرائيلية المشتعلة، حينئذ صدرت الأوامر بعودة الرجال، وانقسم الرجال إلى مجموعات تسربت ليلا مخترقة دفاعات العدو، وتمكن الرجال ومعهم فيصل من الوصول للضفة الغربية من القناة، ولكن عودتهم لم تكن تعنى انتهاء المهمة.

أعدت القيادة خطة لبدء تطوير الهجوم نحو الشرق، واستدعت لتلك الخطة دفع مجموعة من رجال الصاعقة نحو أحد المضايق الرئيسية على المحور الأوسط، وهو مضيق السالكة، لتعطيل تقدم قوات العدو المدرعة عنده، وطلب فيصل بإلحاح أن يقوم بتلك المهمة، وعندما أجيب إلى طلبه بدأ فى اختيار الرجال، وفى الوقت المحدد لهم كانوا يتمركزون داخل رأس كوبرى لإحدى فرق المشاة، وبينهم وقف فيصل يقول «أذكركم بالعملية الأولى، قلت لكم إن من يقبل على الموت توهب له الحياة، فلا يفكر أحدكم إلا فى المهمة، سنغلق المضيق أمام مدرعات العدو حتى لو سددناه بأجسادنا».

وانطلقوا إلى الأمام.. كان عليهم تجنب قوات العدو المحتشدة فى المنطقة، تمكنوا من الإلتفاف حول منطقة حشود ضخمة كبيرة للعدو، عند جبل حبيط، ثم عبروا منطقة كثبان رملية، ليصلوا بعد ذلك إلى المنطقة الصخرية التى تعد بداية لسلسلة الجبال التى تأخذ فى الارتفاع حتى تصل إلى بداية المضيق، صباح يوم 14 من أكتوبر، شاهد النقيب فيصل أسرابا كبيرة من الطائرات المصرية، تتجه نحو قصف مواقع العدو، كان الهجوم الكبير الذى انطلق ليستهدف التطوير، وخرجت مدرعات العدو من مرابضها تتفرق فى كل اتجاه، محاولة الابتعاد عن الطائرات المصرية ونيرانها، استعد الرجال فى الحفر للاشتباك عندما شاهدوا بعض هذه القوات يتجه مباشرة نحو مواقعهم، تملقت أسماعهم طلقة الافتتاح، لكن النقيب فيصل، آثر الانتظار ليرى ما إذا كانت هذه القوات قد اكتشفته أم لا، بعد لحظات اتضح له أن الدبابات تنوى احتلال مواقع خلف التبة التى يرقدون فوقها، وهنا قرر أن يبدأ الاشتباك فورا.

أطلق بندقيته على أحد جنود العدو الذى يركب فوق برج إحدى الدبابات، وسقط الجندى قتيلا، وكان ذلك إيذانا ببدء القتال وإطلاق القذائف، واشتعلت معها حدة المعركة، وكانت رهيبة منذ اللحظات الأولى، تفجرت دبابات العدو، ولكن ظهرت قوات أخرى سارعت لحصار المنطقة، وأخذت قنابل الهاون، تنهال على الموقع والمكبات تسبق الحصار، وأدرك الرجال أن الاستشهاد بات قريبا، وصاح البطل فيصل فليأخذ كل منكم ثمن روحه وفعل استشهاده، حارب الرجال ببسالة وروت دماؤهم المصرية العزيزة الرمال، التى تمسكوا بها، ورأى بعضهم البعض يسقطون شهداء أمام أعينهم، واستقر شباب النقيب البطل فيصل محمد عبد الفتاح وحيويته وحبه لمصر فوق رمال سيناء، وذهب معه كل جنوده مع الشهداء والصديقين، فلم يعد من دورية مضيق المسالكة مقاتل، فيما عدا جريح واحد، تمكن من العودة، ليكون الشاهد الوحيد على بسالة القائد وزملائه، وقد أبى القدر أن ينهى على كل هذه المجموعة العظيمة من الرجال عدا جريح، ليحكى للأجيال المقبلة ما حدث.

أما المجموعة 39 قتال، فهى مجموعة قوات خاصة أنشئت عقب نكسة يونيو 67 تحت قيادة الشهيد إبراهيم الرفاعى، وتألفت من مزيج من قوات الصاعقة البحرية، وهم النواة الأولى فى عمليات المجموعه39 قتال من أكفأ رجال الصاعقة البحرية، ثم من قوات الصاعقة البرية من ك 93 صاعقة بقيادة الملازم أول محسن طه، و103 صاعقة بقيادة النقيب محيى نوح، واختار الرفاعى رجاله من المشهود لهم بالكفاءة والشجاعة.

بدأ تكوين المجموعة – وفقا لكتابات عسكرية وثقت هذه البطولات – بجماعة صغيرة من ضباط الصاعقة المعروفين بقدراتهم القتالية العالية، ثم تطورت من فصيلة، الصاعقة البحرية إلى انضمام 2 فصيلة صاعقة برية 93 و103، وبتعدد العمليات تطورت إلى سرية (نحو 90 فردا ما بين ضابط وصف ضابط وجندى) إلى أن أصبح عدد العمليات التى قامت بها هذه السرية 39 عملية، فتطورت السرية إلى تشكيل أطلق عليه (المجموعة 39 قتال)، نسبة إلى عدد العمليات التى قاموا بها قبل تشكيلها الرسمى، بدأت المجموعة فى البداية بالاستعانة ببعض العناصر لمعاونة الرفاعى فى القيام بالعمليات المكلف بها، خاصة من الصاعقة البحرية، حتى تم تشكيل المجموعة كوحدة مقاتلة مستقلة.

لا تكفى مجلدات لسرد بطولات المجموعة 39 قتال، ويكفى أن البطل إبراهيم الرفاعى قد استشهد، وهو يقوم بإحدى هذه العمليات، ويصفه موقع المجموعة 73 مؤرخين بالقول «اسم إبراهيم الرفاعى يمثل نارا.. ويتقد جمرا على القادة الإسرائيليين وجنودهم»، وعلى الجانب الآخر كان هذا الاسم هو الملاذ الآمن والحل الأمثل والأسرع والأصوب تجاه المشكلات التى كان يسببها العدو الإسرائيلى للمصريين.

فكان إبراهيم الرفاعى ذلك الأسد الجسور، وهو السهم الأصلب فى كنانة القيادة المصرية آنذاك. إبراهيم الرفاعى.. أسطورة الصاعقة، لا يمكن لأى قارئ عن هذا البطل، إلا أن يقف مشدوها أمام سيرته العطرة.. بل إنه لا يستطيع أن يمنع جسده من الاهتزاز إثر هذه القشعريرة الداخلية والهزة الوجدانية التى تهبه عبر القراءة عن هذا البطل.. فقد خلق هذا البطل ليحارب.. وخلق ليدافع عن الدين والأرض والعرض، فتكاملت فيه الصفات النفسية والجسدية ليكون مقاتلا من نوع فريد».

استجابة لـ"صوت الأمة".. إذاعة نشيد الصاعقة "قالوا إيه" فى طابور الصباح والفسحة

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل