المحتوى الرئيسى

الزواج القبلي.. عندما تنتصر العادات والتقاليد على الشرع

03/08 15:07

فتيات لا يمتلكن أجسادهن، أو حتى الحرية في اختيار أزواجهن، فالشريك دائما ما يكون ابن العم، ولمَ لا؟! فهن يخضعن لعادات القبيلة والتي تمثل شرعا يطُبق على الجميع في كل شيء، وإذ خالفن شرع القبيلة يتعرضن للقتل أو التعذيب أو المنع من الخروج.. وإذا تزوجت الفتاة بآخر من خارج العائلة فهذا بمثابة "العار".

هنا في محافظات الصعيد، خاصةً محافظة قنا، حيث تمتلك القبائل والعائلات، دستورا وقوانين وأعرافا مختلفة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت تلك الدساتير العرفية القديمة التى يتمسك الأهالى بها منذ مئات السنوات، تلك الأعراف تسير على الكبير قبل الصغير، والتى تمنع ارتباط الفتيات بشخص آخر من خارج قبيلتهن، خاصة قبيلتي الأشراف والهوارة اللتين ترفضان زواج فتياتهما بآخرين من خارج القبيلة.

بعض الفتيات تلجأ للانتحار هربا من ضغوطات القبيلة، والتى تحاول إجبارها على الزواج من أحد أبناء العمومة، حتى وصل عدد الفتيات اللاتى حاولن الانتحار إلى 150 محاولة خلال العام الماضي، أي ما يعادل محاولة انتحار كل 72 ساعة، حسب إحصائيات من مديرية أمن قنا ومديرية الصحة والسكان بالمحافظة.

وفي اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق اليوم الخميس، الموافق الـ8 من شهر مارس، فتحت "التحرير" ذلك الملف الشائك لدى قبائل وعائلات الصعيد، التى تتمسك بأعرافها وتقاليدها القديمة، التى تنفذها رغما عن الفتيات والذكور.

لعل قبائل "العرب والهوارة والأشراف" هى أشهر القبائل التى عرفها الصعيد على مر التاريخ، بما تحمله من أصالة وعراقة وتقالييد وقيم، استمدوها من أجدادهم، لتبقي هذه القبائل محط احترام وتقدير الجميع فى صعيد مصر. 

قبيلة العرب، هي القبيلة التى انحدرت من شبه الجزيرة العربية، وتنتشر في مختلف المحافظات الصعيدية، أما الأشراف فهي القبيلة التى يرجع نسبها إلى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما قبيلة الهوارة فهي القبيلة التى انحدرت من الشمال الإفريقي، ولعل أبرز رجالها شيخ العرب همام، محارب المماليك قديما. 

الأشراف: نرفض الزواج من خارج القبيلة حفاظا على النسب

يقول رفاعي عبد الوهاب عمر، مدير عام كلية هندسة الأزهر بقنا سابقا، ونقيب قبيلة الأشراف، إن أبناء القبيلة توارثوا عادات وتقاليد ما زالوا يحافظون عليها، حيث العرف الذي يسود على القانون، وهي العادات والتقاليد المتبادلة بين أفراد القبيلة والمجتمع، قائلاً: "لقينا عاداتنا وتقاليدنا إن بناتنا ماتتزوجش خارج القبيلة".

وتابع نقيب الأشراف: هناك بعض الهفوات في المحافظات الأخرى خارج محافظة قنا، بعد أن قام البعض بتزويج بناته لأغراب من خارج القبيلة، متهما النساء بالتسبب فى هذه الهفوات لأنهم هن من يقنعن الأب بزواج البنت من غريب"، مؤكدا أن من يزوج ابنته لغريب من خارج القبيلة لا يعيش بيننا فى الصعيد.

نقيب الأشراف استند إلى ما قاله الإمام الشافعي عن شروط الزواج وضرورة أن يتوفر في الزواج شرطان أساسيان، الأول الكفاءة في النسب، والثاني الكفاءة الاجتماعية، بمعنى الشريفة للشريف والشريف للشريفة، وأن تحدث عملية توازن بينهما، منوها بأن القبيلة ترفض زواج الفتيات من قبيلة أخرى حفاظا على النسب حتى لا تختلط الأنساب.

نقيب الأشراف، قال: وعلى الرغم من وصولنا للقرن الحادي والعشرين، فإنه لم يفلح فى تغيير عاداتنا وتقاليدنا الخاصة بالقبائل، إنما غير من عادات الثأر فقط، معتبرا أن ما تفعله القبائل ليس تعديا على حقوق الآخرين أو تعصبا حفاظا على النسل، موجها كلامه لفتيات القبائل قائلاً: "القبيلة واسعة، خدي أي حد من قبيلتك مش لازم ابن عمك، لأننا هنضمن أخلاق الزوج وهنعرف نسبه، والأهم إنه يكون شريف والبنت المفروض تسأل أبوها وأمها هما بيعملوا كده ليه، وتشوف نتيجة بحثها وسؤالها".

رجال الأشراف يتزوجون من خارج القبيلة

ونوه نقيب الأشراف، بأن الذكور في القبيلة، يمكنهم الزواج من خارج القبيلة بعكس الفتيات، على الرغم من أن ذلك فعل منبوذ أيضا، لكن الرجل يجني ثمار ذلك فيما بعد، لأن القبيلة "تعيره وتعير أبناءه بأن الأم من غير الأشراف".

الهوارة: ماعندناش بنات في الجواز تطلع بره.. واللي تطلع مالهاش دية

"ماعندناش بنات في الجواز تطلع بره، واللي تطلع مالهاش دية، لو خرجت عن طوعنا ندبحها ونغسل عارها"، عبارات بدأها أحمد الهواري، أحد كبار قبيلة الهوارة بمحافظة قنا، رافضا زواج أي فتاة من قبيلته من رجل من خارج القبيلة أو خارج فروعها المنتشرة بمدن ومراكز المحافظة بل ومحافظات الصعيد بأكملها شمالاً وجنوبا. 

الهواري ألمح إلى أن القبيلة ترفض زواج فتياتهم من قبيلة أخرى مهما كانت الأسباب، قائلا: "مافيش حاجة عندنا اسمها حب، البت لابن عمها والواد لبت عمه، دي عادات وتقاليد وموروثات قديمة لن نتخلى عنها حتى لو دخلنا في القرن المليون، مش الواحد والعشرين". 

الهواري أكد أن قبيلة الهوارة لا تقلل أو تنقص من عائلة أو قبيلة أخرى، ولكن الهواري للهوارية والهوارية للهواري، فهم أحفاد شيخ العرب همام الهواري، ومن تحاول الخروج عن تلك العادات وكسرها يكون مصيرها الموت فقط لا غير، ولا وجود لحلول أو بدائل أخرى. 

عزوة القبيلة والحفاظ على الأرض والمال

وبرر الهواري في سياق حديثه، أن رفض القبيلة زواج فتياتهن من الخارج، وتلك العادات والتقاليد القديمة، من أجل الحفاظ على عزوة القبيلة حيث إنها تقف يدا واحدة، فضلاً عن الحفاظ على مكانة القبيلة الاجتماعية وأرضها ومالها، قائلا: "الهوارة عندها آلاف الأفدنة من الأرض، مش هنجوز بناتنا لحد ماعندهوش فدانين تلاتة وياخد مالها اللى تعبنا وشقينا فيه أكتر من عشرين وتلاتين سنة، عشان خاطر حب وكلام فاضي".

صعيديات: الزواج القبلي ظلم للفتيات

نور راغب، سيدة مقيمة بمحافظة قنا، ذكرت أن الزواج القبلي هو القضية الكبرى التى يجب تفجيرها، لأنها أكبر ظلم للفتيات، لأن الفتاة تربى على عادات وتقاليد وأسلوب معين في حياتها، وبمجرد أن تخرج إلى الانفتاح ترى دنيا غير الدنيا التى تعيشها وسط أسرتها وعائلتها، بل وترتبط لأن لها أحاسيس ومشاعر تختلف تماما عن التربية التى عاشت عليها، قائلة: "إذا ارتبطت الفتاة من خارج القبيلة، وعاشت معه تجربة الحب سيكون مصير ذلك الحب الإعدام، لأنها من عائلة ترى أنها راقية لا يمكن أن تتزوج من عائلة أخرى".

القتل والحبس بسبب محاولة الزواج من الخارج

وأفادت راغب أن الزواج القبلي سلبي جدا، ولا يعطي للفتاة حرية أن تكون أما مثالية لأبنائها، خصوصا في المستقبل وسط حالة التقدم والعولمة والانفتاح التى نعيشها، لافتة إلى أنها حاولت الزواج من خارج القبيلة من قبل وقاومت مع أهلها وأسرتها، وتعرضت للعديد من الضغوطات، مثل الحبس في المنزل، والضرب والاعتداء عليها من أسرتها، والتهديدات والقتل والسم ومنعها من تناول المأكولات أو المشروبات.

أما منى جمال عبد الله، سيدة مقيمة بمحافظة قنا، لا تنتمي لأي قبيلة بالمحافظة، ولكنها ذات أصول صعيدية، فأكدت أن الإجبار على الزواج القبلي يؤدي إلى إهانات كبيرة، في حالة محاولتها الخروج عن العادات والزواج من خارج القبيلة. 

وتابعت: الزواج القبلي يؤدي إلى ارتفاع نسبة العنوسة لدى الفتيات بمختلف القبائل التى تتمسك بتلك التقاليد والأعراف القديمة، حيث إن هناك العديد من الفتيات يمتلكن الجمال والأخلاق والعلم، لكنهن تخطين السن في أن يجدن الزوج المناسب، لانتظار عائلاتهن أبناء أعمامهن وأخوالهن أو أحد أبناء القبيلة، على الرغم من أنه قد يتقدم لزواجها شخص من خارج القبيلة يكون على درجة من العلم والأخلاق، قائلةً: "هنالك حرمانية، حيث إن القبائل تمنع حلال إزاي في العصر ده، نخشى العادات أكثر من أن نخشي الله في التمسك بعادة ليس لها أي أساس ديني".

مروة: العائلات بتدور على الأصل والنسب

مروة علي، فتاة من محافظة قنا، قالت إن فكرة الزواج القبلى منتشرة في مختلف أنحاء الصعيد، حيث إن العائلات تبحث عن الأصل والنسب في حالات الزواج للفتيات، وترفض العائلات النسب والزواج من بعضها في حالة إن كان أصل العائلة الأخرى أقل منها، مشيرةً إلى أن قبيلة الأشراف قضيتها الأولى هى الحفاظ على النسب، ولكن لا بد من الحفاظ على النسب دون الإكراه، قائلة: "انا ضد فكرة الإجبار ولكن مع فكرة المحافظة على النسب والنسبة الكبرى بين العائلات ترفض الزواج من خارج القبيلة، ولا بد للمجالس التنفيذية وقيادات العائلات التعامل مع القضية بشكل كبير لمحاولة حلها".

رفضت الزواج من ابن عمها فمنعتها أسرتها من التعليم

وألمحت ميريت أمين، مقيمة بمركز دشنا شمال قنا، أن هناك العديد من الفتيات يجبرن على الزواج من داخل قبائلهن، وفى حالة الرفض تمنع من استكمال التعليم، مستشهدة بقصة لزميلة لها رفضت الزواج من ابن عمها، فتم منعها من استكمال تعليمها.

أسماء: حاولت الزواج من خارج القبيلة وفشلت

أسماء عطا، والمقيمة بمركز قوص جنوبي قنا، قالت إنها حاولت الزواج في وقت معين من خارج القبيلة، ولكن قبيلتها رفضت ذلك، وفشلت كل محاولاتها، واستسلمت للأمر الواقع، مشيرةً إلى أن الزواج القبلي، منتشر تماما بين القبائل والعائلات المختلفة بمدن ومراكز قنا بل ومحافظات الصعيد بأكملها، على الرغم من كوننا في القرن الحادي والعشرين. 

محامية: الفتيات المتعلمات يتزوجن غير متعلم

مروة عبد الرحيم، المحامية بالاستئناف العالي بقنا، قالت إن الزواج القبلي بحكم العادات والتقاليد منتشر كثيرا بالصعيد، وتتعرض الفتيات للزواج القبلي، ولا يمكن للفتاة أن تخالف تعليمات القبيلة، حيث لا بد أن تتزوج الفتاة من أحد أقربائها ولا يمكنها الرفض أو مخالفة الأوامر.

وأوضحت المحامية بالاستئناف العالي، أن الفتاة حتى ولو كانت متعلمة أو وصلت إلى درجة علمية كبيرة، سواء الدكتوراه أو غيرها من المراحل والدرجات العلمية، فتتزوج ابن عمها حتى لو كان شخصا غير متعلم بالمرة.

وأوردت عبد الرحيم، أن الفتيات بالمحافظة ليس أمامهن سوى أمرين، إما الزواج من داخل قبائلهن وقبول العادات، أو بقاؤهن دون زواج، وبذلك تصل إلى سن العنوسة، وإذا فكرت أن تخرج عن العادات فقد يعرضها ذلك للقتل، خاصة إذا حاولت الزواج من قبيلة أخرى، وقد يتسبب ذلك في نشوب خلافات ثأرية بين العائلات، لأن من تريد الزواج منه يتعرض أيضا إلى جانبها للقتل.

وتفيد المحامية بالاستئناف العالي أن الزواج القبلي وإجبار الفتيات على الزواج، تسبب في زيادة حالات الطلاق، والانفصال والتفكك الأسري، نظرا لإجبار الفتاة على الزواج على الرغم من رفضها الزوج، وتزيد حالات الانفصال والطلاق في زواج الأقارب أكثر من حالات الانفصال لزواج الأغراب، بحكم أن كلا منهم يتمسك بأن ابنته أو ابنه هو الأصح.

أحمد عبد الغني، محام بمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، قال إن الصعيد يمتلك صبغة للقبليات التى تفرض الزواج القبلي للأقارب والمتجذرة بداخله، فكل قبيلة بالصعيد تنظر كونها القبيلة الأكبر والأحسن والقبائل الأخرى قبائل أقل منها، مما يتعارض مع الحقوق والمساواة، لافتا إلى أن الآلاف من القضايا في محاكم الأسرة بسبب الزواج القبلي، فهناك طبيبات يتزوجن من أشخاص غير حاصلين على مؤهلات تعليمية بسبب كونهم أحد أبناء العمومة.

محاولة انتحار كل 72 ساعة

حسب مصدر أمني بمديرية أمن قنا، فإن مديرية الأمن سجلت قرابة الـ150 محاولة انتحار منها ما نجح خلال عام 2017 الماضي، بسبب الإجبار على الزواج القبلي، مشيرا إلى أن جميع محاولات الانتحار لفتيات ما بين الـ16 والـ30 عاما، وكان الغرض هو الهروب من الضغط والإجبار على الزواج، وأن مراكز قنا وأبو تشت ودشنا هى الأعلى فى تسجيل هذه المحاولات.

جواز عتريس من فؤادة باطل

ومن أبرز وقائع الزواج القبلي، كانت واقعة تشبه طريقة الفيلم العربي "شيء من الخوف" ومقولة الفيلم الشهيرة "جواز عتريس من فؤادة باطل"، في واقعة أشد مأساة من أفلام الرعب التى من الممكن أن تفزع الكبار والصغار، بعدما تحولت حياة أسرتين إلى جحيم بسبب العادات والتقاليد القديمة في صعيد مصر خاصة لدى قبائل "العرب والهوارة والأشراف".

"الطلاق أو القتل" شبح واجهته فتاة تدعى، راندا.أ.ب، ابنة قبيلة الهوارة في مركز أبو تشت شمال محافظة قنا، بسبب زواجها من شخص خارج قبيلة "الهوارة"، مما أدى إلى تهديدها بالقتل هى وزوجها من قبل أفراد عائلتها بسبب تقاليد العائلة الرافضة لزواج فتيات القبيلة من خارجها.

الفتاة استغاثت بالشرطة ووزير الداخلية بسبب حبسها هي وأفراد أسرتها بداخل منزلهما، ومحاولة قتلهما من قبل أفراد قبيلة "الهوارة"، وروت الفتاة قصتها قائلة: "البداية كانت عندما أحببت شخصًا يدعى أشرف من خارج قبيلة الهوارة، وقررنا الزواج وجاء إلى منزل أسرتها وطلبها للزواج".

وأضافت الفتاة أن والدها وافق على زواجها من الشخص على الرغم من كونه ليس من أبناء قبيلتها، وقرر عقد قرانهما دون معرفة أبناء قبيلتها، مما أدى إلى حدوث ثورة غضب من قبل القبيلة بأكملها ضد أسرة الفتاة وكذلك أسرة زوجها، وقاموا بحبسها بداخل منزلها وتهديدها بالقتل أو بالطلاق من زوجها.

وذكرت أنها ستغاثت بوزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار وقوات الأمن في محافظة قنا لإنقاذها من أبناء قبيلتها الذين قاموا بإطلاق وابل من الأعيرة النارية تجاه منزل أسرتها، وقاموا بحرمانها من زوجها وتهديدها بالقتل إذا لم يتم طلاقها من زوجها وتزويجها من ابن عمها، وفي النهاية انفصلت عن زوجها بسبب عادات وتقاليد الأسرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل