المحتوى الرئيسى

«الشرقية».. المواقع التاريخية «مراتع» للماشية فى «تل الضبعة» و«قنتير»

03/08 10:17

حفريات وغرف أثرية مستطيلة الشكل ومختلفة الأحجام، تشير إلى منطقة أثرية تمتد على مساحة تقترب من فدان كامل، غابت عنها البعثات الاستكشافية منذ نحو 3 سنوات، فتحولت إلى مكان يلهو فيه الأطفال على أطلال التاريخ، بل أصبحت مرتعاً للماشية، تنتشر فيها أكوام القمامة والمخلفات، هذا هو المشهد الذى أصبحت عليه المنطقة الأثرية بقرية «تل الضبعة»، التابعة لمركز فاقوس، بمحافظة الشرقية، التى تضم قطعاً أثرية ترجع إلى عصر غزو «الهكسوس» لمصر، وفق بعثة نمساوية، عملت لسنوات طويلة فى المنطقة، لكشف أسرارها التاريخية.

فعلى بعد نحو 7 كيلومترات من شمال مدينة فاقوس، يشق طريق متهالك الأراضى الزراعية، ليؤدى إلى أول منزل بقرية «تل الضبعة»، وهو المنزل المعروف باسم «بيت البعثة النمساوية»، الذى تم تشييده على مساحة كبيرة، ويضم عدداً من الغرف المتلاصقة، وملحق به حديقة، ويكسوه اللون الأبيض، إلا أن أبوابه بقيت موصدة، يتفقده بين الحين والآخر بعض الخفراء المكلفين بحراسة المكان، فى انتظار عودة البعثة النمساوية، أو وصول غيرها من البعثات الأثرية، لاستكمال أعمال التنقيب عما تحتويه المنطقة من كنوز أثرية.

أسرار غزو الهكسوس «لعبة» فى أيدى الأطفال وجدل حول مكان خروج اليهود من مصر

«منذ عام 1964 تتوافد البعثات الأثرية على القرية، أبرزها البعثة النمساوية، كانت تضم أعضاءً من دول مختلفة، منها اليونان وألمانيا والصين وإنجلترا»، بهذه الكلمات بدأ «محمد محمود أبوالقاسم»، 65 سنة، مدير عام بالتربية والتعليم على المعاش، حديثه لـ«الوطن» عن حالة الإهمال التى تعانى منها آثار «تل الضبعة» بعد غياب البعثات الأثرية عن القرية، مشيراً إلى أنه ما زال يتذكر الشخص الذى كان يتولى الإشراف على عمل البعثة، ويُدعى «مانفريد بيتاك»، قبل أن يتم تعيين سيدة أخرى مديرة للبعثة خلال السنوات الأخيرة، قبل توقف عمل البعثة بشكل كامل، مشيراً إلى أن أعمال التنقيب كانت تتم على فترتين يومياً، الأولى تبدأ فى السادسة صباحاً ولمدة 3 ساعات، بينما تبدأ الفترة الثانية فى الثانية ظهراً لـ3 ساعات أخرى، وأضاف «أبوالقاسم» أن الأهالى كانت تربطهم علاقات طيبة مع أعضاء البعثة النمساوية، الذين كان معظمهم يحرص على مشاركة أبناء القرية أفراحهم، ويجلسون معهم فى الأعياد، إلى أن بدأ خلاف بين الجانبين بعد سعى عدد من أعضاء البعثة إلى تحويل جزء من المنزل الذى كانوا يقيمون فيه إلى كنيسة، وقاموا ببناء «قبة» وضعوا بها أحد الأجراس، فما كان من الأهالى إلا أن أبلغوا الشرطة، وبرر أفراد البعثة ذلك بأن تركيب الجرس ليس الغرض منه تحويل المنزل إلى كنيسة، وإنما لاستخدامه كأداة تنبيه لتجميعهم وقت تناول الطعام،

وأشار الرجل الستينى، الذى يقع منزله بجوار مقر إقامة البعثة، إلى 4 غرف تبدو صغيرة المساحة، مشيدة من الحجر وأرضيتها مغطاة بطبقة أسمنتية، تتوسط جدرانها أبواب حديدية مغلقة، وضع عليها «الشمع الأحمر» يغلفه كيس أسود بلاستيكى، ويجلس أمامها رجلان يرتديان ملابس الشرطة، وبحوزتهما أسلحة نارية، يرافقهما آخران يبدوان من الخفراء، قائلاً إن هذه الغرف كانت عبارة عن مخازن للاحتفاظ بالقطع الأثرية التى يتم العثور عليها من قبل أعضاء البعثة، وعادةً ما كان يتم إطلاع الباحثين وطلاب كليات ومعاهد الآثار عليها، لتحديد فتراتها التاريخية.

وبنبرة بدت عليها الحسرة، استطرد الرجل حديثه قائلاً إن محتويات المخازن تعرضت للسرقة أثناء أحداث «ثورة 25 يناير» 2011، وأضاف: «فوجئت فى إحدى الليالى بأحد أفراد الشرطة يطرق باب منزلى فى نحو الساعة الثالثة فجراً، وطلب منى الاتصال بمركز شرطة فاقوس، للإبلاغ عن قيام مجهولين بالاستيلاء على أسلحة أفراد الأمن وهواتفهم، واقتحموا المخازن، وسرقوا المقتنيات الأثرية الموجودة بها».

والتقط «عادل محمد»، أحد أبناء القرية، طرف الحديث قائلاً: «كنت طالباً فى المرحلة الإعدادية، عندما عثرت البعثة على عظام تعود لمومياء عملاقة لأحد الأشخاص، يصل طولها إلى نحو 13 متراً، وحضر وقتها عدد من المسئولين فى هيئة السياحة والآثار إلى القرية، وكذلك محافظ الشرقية، آنذاك، الدكتور محمود الشريف، وتم نقل المومياء إلى مكان غير معروف»، وأضاف أن «الكشف عن هذه المومياء العملاقة، كان دليلاً جديداً على أن القرية كانت جزءاً من «أفاريس»، العاصمة القديمة لسلالات العمالقة الهكسوس، ويُعتقد أن المدينة بالكامل ما زالت مدفونة تحت الأرض»، ولفت الشاب إلى أن أهالى القرية يعانون العديد من المشاكل بسبب وجودهم فى منطقة أثرية، منها عدم قدرتهم على تغيير مواسير المياه، التى تتسبب فى إصابتهم بأمراض السرطان والفشل الكلوى وغيرهما، وكذلك رفض المسئولون فى وزارة الآثار الطلب الذى تقدم به الأهالى لإنشاء مدرسة إعدادية على مساحة 6 قراريط، ملحقة بالمدرسة الابتدائية، التى تعمل على فترتين، ابتدائية فى الصباح، وإعدادية مساءً، ما أدى إلى ارتفاع الكثافات بها، لتصل إلى ما يقرب من 60 طالباً فى الفصل الواحد، رغم انتهاء أعمال التنقيب فى المساحة التى طلب الإهالى إقامة المدرسة بها، قبل عدة سنوات.

وكانت البعثة النمساوية، التى نشرت تقريراً بنتائج أعمالها سنة 2008، قد أكدت أنه «من خلال المسح الجيوفيزيائى وعمليات التنقيب، تم الاستدلال على وجود قصر للملك خايان، أحد ملوك الهكسوس البارزين بمنطقة تل الضبعة، حيث تم العثور على العديد من الأختام المدون عليها اسمه، كما تم العثور على عدد من حفر القرابين، التى عادةً ما ترتبط بالمعابد، بالإضافة إلى العثور على فخار مهشم، مثل حوامل دائرية، وجرار مستدقة القاعدة، وكؤوس، وعظام حيوانات، كما استطاعت البعثة تحديد مجموعة كبيرة من البيوت والشوارع وميناء، كانت موجودة بمدينة «أفاريس» القديمة، وعدد من الآبار مختلفة الأحجام».

وفى 24 نوفمبر 2015، أعلنت وزارة الآثار أن إحدى البعثات النمساوية اكتشفت سوراً حجرياً ضخماً لمدينة قديمة، شُيدت فى نهاية الدولة الوسطى، التى تعود إلى الفترة بين عامى 1768 و1567 قبل الميلاد، وقال وزير الآثار السابق، ممدوح الدماطى، إن «اكتشاف هذا السور يسهم، بشكل كبير، فى كشف النقاب عن واحدة من أهم فترات التاريخ المصرى القديم، خلال غزو الهكسوس، حين كانت تل الضبعة عاصمة للبلاد».

وفى السياق ذاته، كان المجلس الأعلى للآثار، برئاسة الدكتور زاهى حواس، قد أعلن أن البعثة عثرت على بقايا طابعة ختم من الطين المحروق، محفور عليها بـ«الكتابة المسمارية» اسم أحد كبار الموظفين فى الدولة، ويمكن أن يعود تاريخها لـ«العصر البابلى القديم»، خاصة فترة حكم الملك «حمورابى»، فى الفترة بين عامى 1792 و1750 قبل الميلاد، كما عثرت البعثة على ختم مشابه داخل قصر الملك «خايان»، أحد ملوك «الهكسوس»، بين عامى 1653 و1614 قبل الميلاد، كما تم اكتشاف قصر يعود إلى منتصف عصر «الهكسوس»، فى الفترة بين 1664 و1565 قبل الميلاد، عُثر بداخله على العديد من الأختام لأحد الملوك البارزين.

أما قرية «قنتير»، التى تبعد نحو 200 متر فقط عن قرية «تل الضبعة»، فقد نشرت البعثة الألمانية، التى تولت مهمة التنقيب عن الآثار فى القرية قبل أكثر من 30 عاماً، أن المنطقة كانت عاصمة لمصر فى عهد الملك «رمسيس الثانى»، خلال القرنين الـ19 والـ20 قبل الميلاد، وتبدو الشواهد الأثرية واضحة عند مدخل القرية، حيث يوجد مقر إقامة البعثة الألمانية، ويضم السور الخاص به من الخارج عدداً من الأحجار دائرية الشكل، يبدو من هيئتها أنها تعود للعصور القديمة.

وقال «إبراهيم. ع»، أحد أبناء القرية، إن هناك مخاوف من أهداف البعثة، حيث كان يتولى رئاستها شخص يهودى، يُدعى «إدجار بوش»، وخلفه فى رئاسة البعثة مدير مشروع كلية لندن الجامعية فى قطر، لافتاً إلى أن عدداً من أعضاء البعثة كانوا يروجون إلى أن قرية «قنتير» شهدت قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، حيث يوجد بها مكان يسمى «بركة الديوان»، وهو «اليم» الذى ألقت فيه أم موسى بولدها، كما أنه مكان خروج اليهود من مصر، وهو ما دفع أبناء القرية إلى مطالبة وزارة الآثار بأن تقتصر أعمال التنقيب فى القرية على البعثات المصرية، دون الاستعانة بأى بعثات أجنبية، حفاظاً على تراث مصر وثرواتها، والتأكد من صحة ما توصلت إليه البعثة الألمانية، وعدم ترك تاريخ مصر «لعبة» فى يد الأجانب.

وقال «خالد حافظ»، وهو صاحب المنزل الذى تستأجره البعثة الألمانية، إن «البعثة جاءت إلى القرية منذ أكثر من 30 عاماً، وقمت بتأجير المنزل لهم منذ سنوات طويلة، ليقيموا فيه مقابل إيجار سنوى»، مشيراً إلى أن أعضاء البعثة كانوا يقومون بأعمال التنقيب والحفر فى الأراضى الزراعية، بعد تأجيرها من الأهالى، لمدد تتراوح بين عام و3 سنوات، مقابل مبالغ مالية يتم الاتفاق عليها، فيما أكد «محمد فوزى»، موظف بالتربية والتعليم على المعاش، أنه ليس هناك مكان محدد لعمل البعثة، وإنما تقوم بالتنقيب فى مناطق مختلفة، معظمها أرض زراعية مملوكة للأهالى، بينما أشار أحد الأهالى، رفض ذكر اسمه، أن بعض الأهالى يقومون بالتنقيب عن الآثار بأنفسهم، وفى حالة عثورهم على أى قطع أثرية، يقومون ببيعها إلى الأجانب، لافتاً إلى أن «بعض الأشخاص ظهر عليهم الثراء بشكل مفاجئ».

أما «محمد عبدالسلام»، أحد الخفراء المسئولين عن تأمين مقر إقامة البعثة الألمانية، فقال إن أعضاء البعثة يوجدون خلال شهور مارس وأبريل ومايو من كل عام، ثم يغادرون، ويعودون مرة أخرى خلال شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، مشيراً إلى أنهم يستعينون بعمال من الصعيد، وبعض المحافظات الأخرى، للقيام بأعمال الحفر والتنقيب، بحضور لجنة من هيئة الآثار المصرية والشرطة، ولا يتم السماح للأهالى بالاقتراب من أماكن الحفر، وما يتم استخراجه من قطع أثرية، يتم نقله إلى المخازن، تحت إشراف البعثة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل