المحتوى الرئيسى

«عماد الدين» و«عابدين».. «على قديمه» والتكرار سمة مميزة | المصري اليوم

03/08 01:46

«الناس لها اسم واحد، وحارتنا لها اسمين، اسم حكومة واسم أهالى، اسم الحكومة حارة خوشقدم- شوف الغلاظة!، وده اسم سلطان مملوكى قديم، ومعناه بالعربى الفصيح (قدم الخير!)، لكن الظاهر والله أعلم إن المصريين زى عوايدهم ما كانوش مصدقين العبارة، خير إيه اللى ممكن ييجى من ورا المماليك والسلاطين؟!، فراحوا لاغيين اسم الحكومة زى عوايدهم برضه، وزى ما عملوا فى شارع أمير الجيوش، اللى سموه (مرجوش)، وعملوا فى شارع البيرق دار، وسموه (بين قدار)، كذلك حارة خوشقدم، سموها (حوش آدم).. شوف الرقة وخفة الدم؟!».

السُطور السابقة وارِدة فى ديوان شاعر العاميّة الراحل أحمد فؤاد نجم، الأول، «المُرجيحة» فى تقديم لقصيدته «حارتنا»، يُعبر فيه عن حالة التفاعُل بين المصريين وأسماء الشوارع التى لا يفهمون فلسفتها والسرّ وراء تسميتها على هذا النحو، ومن ثم يغيرون الاسم عادةً أو يحرفونه على نحوٍ يجعلها أسهل فى النُطق، ويصرِف النظر عن دلالتها التاريخية، ومن ناحية أخرى، يتمسكون عادةً بالأسماء القديمة للشوارع التى رأت الدولة تغييرها بحُكم الاعتياد والعِشرة.

بجولة بسيطة فى شوارع العاصمة وجارتها الجيزة، يُدرك المتأمل رفض السُكان عادةً للمفروض عليهم، فميدان عابدين فى قلب القاهرة ظل «عابدين» فى كُل العصور، رغم أنه تم تغييره لميدان الجمهورية فى بعض الأوقات، كذا شارع «عماد الدين» فى ذات المنطقة، والذى أطلق عليه لاحقًا شارع محمد فريد، احتفظ باسمه بين السُكان والمترددين عليه، وأحيانًا بـ«محمد فريد» كأنه مزدوج الهوية، ربُما للنزاع ما بين مكانة الزعيم محمد فريد، والاعتياد على اسم عماد الدين، القديم.

تسمية الشوارع فى القاهرة والجيزة، تبرُز فوضى واضحة، وعدم تعريف واضِح لماهية الأعلام التى تُخلِد، أو على الأقل، عدم الاتفاق عليها من عصرٍ إلى عصر، والأمثلة على ذلك عديدة، فالقائد العسكرى عبدالمنعم رياض، وافر الحظ فى التسمية، إذ يتسمى باسمه ميدان وسط القاهرة الحيوى، وشارع آخر متفرع من شارع البطل أحمد عبدالعزيز فى حى المهندسين، وكذلك الزعيم جمال عبدالناصر، ليس لديه شارع واحد بل شوارع اثنان بالقاهرة (جسر السويس وفيصل)، وآخر بالإسكندرية، وثالث بالشرقية.

وفى حين تُعاجل السُكان من حين لآخر تسميات جديدة لشوارعهم، تخليدًا لذكرى شهداء الوطن فى الحوادث الإرهابية الحديثة، مُعرفةً بوضوح رؤية المُحافظة ومن قبلها الدولة لماهية العلم أو البطل الذى ينبغى تخليد ذكره فى أسماء الشوارع، بينما تبرُز لافتات شوارع أخرى احتفاءً بشخصيات ليست «وطنية» بالتعريف الحالى للوطنية، ورُبما ليست مصرية من الأصل.

شارع «قُرة بن شريك» بالجيزة، يُخلد واليًا أمويًا مُختلفا عليه تاريخيًا، ويعتقد بعض المؤرخين أنه جمع الضرائب بالسوط والقسوة، ويعتقد آخرون أنه مُفترى عليه، بينما تُخلده محافظة الجيزة. كذلك منطقة التوفيقية بحى روض الفرج تُنسب إلى الخديو توفيق أحد حُكام الأسرة العلوية، والذى كان مواليًا للاحتلال الإنجليزى لمصر ضد الحركة الوطنية فى عهده.

لذا ومن وجهة نظره يعقد الروائى والكاتب حمدى أبوجليل، جدوى حركة تبديل وتغير أسماء شوارع العاصمة على وجود خطة قومية مسبقة تستهدف تبديل وتعديل كافة أسماء الشوارع المنسوبة لشخصيات غير مصرية أو غير وطنية، إذ تبدو التحركات الفردية من وجهة نظره مجرد «رد فعل»، فيقول مؤلف «القاهرة: شوارع وحكايات»: «تغير اسم «سليم الأول» مقبول ما إذا تم فى إطار خطة متكاملة مش مجرد ردة فعل على توتر العلاقة القائم فيما بين مصر وأردوغان أو تركيا بشكل عام، فعلى سبيل المثال هنلاقى بالقرب منه شارع (ابن سندر) وهو شخصية غير مصرية».

يصف «أبوجليل» حال الشوارع المصرية وكأنها بحاجة لعملية «غربلة» أى «تنقية» من تلك الأسماء غير المعبرة بالضرورة عن الهوية المصرية، والمستخدمة فى إطار العلاقات الدولية، ويطرح من بينها ميدان «سيمون بوليفار» بمنطقة «جاردن سيتى» وهو القائد الفنزويلى الذى اخُتير اسمه للميدان بعد ثورة يوليو فى إطار تقريب العلاقات المصرية بأمريكا اللاتينية.

أما إجابته عما إذا كان يسبب غياب الخطة الموحدة ظلما لبعض الشخصيات التاريخية والوطنية يقول «أبوجليل»:«لأ دا مش ظلم للشخصيات التاريخية، دا ظلم لنا، لسكان هذه المدينة وأجيالها الجديدة»، يصف الكاتب تقليد تسمية الشوارع المحلية بأسماء الشخصيات التاريخية بـ«تقليد غربى» اكتسبته فى عهد الخديو إسماعيل إبان إنشاء قاهرة حديثة على الطراز الفرنسى، إلا أن تجاهلها أو خروجها من الإطار النظامى للعشوائى، من وجهة نظره، يضيع على الأجيال الجديدة فرصة التعرف على رموزهم والافتخار بها سواء كانوا من الرجال أو السيدات: «المرأة مظلومة مجتمعيًا وفى الحقيقة أحنا عندنا سيدات عظيمات من الواجب تكريمهن بالشكل الملائم، لم لا توضع أسماؤهن على شوارع رئيسية؟».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل