المحتوى الرئيسى

لماذا لم تفز رواية مصرية بجائزة البوكر العربية بعد "عزازيل" و"واحة الغروب"؟

02/24 09:12

السؤال ليس لي، إنما يطرحه كثيرون منذ العام 2009، ويبدو أنه كثير الطرح هنا في الحالة المصرية، أشعر أحيانا أنه لا توجد جماعات أدبية غير الجماعة المصرية مشغولة بهذا الطرح، جماعة تنظر إلى الماضي، أكثر مما تنظر إلى المستقبل، تنظر إلى الماضي، فترى نجيب محفوظ، وترى يوسف إدريس، ثم تنظر إلى الحاضر، وتسأل: لماذا لا تفوز الروايات المصرية بجائزة البوكر العربية..؟

وتتوالى أسئلة من عينة: لماذا لا يتصدر الأدب المصري الساحة الأدبية العربية مثلما حدث عامي 2008، و2009، عندما انطلقت الجائزة في أول عامين، هل تراجع الأدب المصري منذ ذلك الحين..؟ هل يكره البعض الأدب المصري، ويرى أنه ليس الأجدر بالتكريم، والحصول على جائزة في الوقت الراهن؟

ولكن هناك جانب آخر لموضوع الجائزة، ألا وهو: هل الأفضل لجائزة أن تُكرم بالتساوي الروائيين والكُتاب من الدول العربية جميعها؟ أم الأفضل أن تذهب للرواية الجميلة؟ الرواية المدهشة؟

هل في فكرة "المحاصصة الجغرافية" أي شيء له علاقة بالأدب؟ أن تتحول جائزة إلى قطار، يجب أن يتوقف في كل المحطات، بصرف النظر عن جودة الأعمال المُكرمة أو التي يتوقف عندها القطار- الجائزة.

في الأيام القليلة المنقضية، منذ إعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، انطلق السؤال الذي عده كثيرون تكرارا لبكائية معتادة منذ سنوات، ألا وهي: لماذا إقصاء الأدب المصري من المشهد الروائي العربي؟

وعلى الرغم من أنني أرى أن مثل هذه البكائية ليست إلا أنانية محضة، تتصور أن الرواية المصرية يجب أن تتصدر وأن تفوز دائما في أغلب المسابقات التي تخوضها، إلا أنه بالنظر إلى ما ذهبت إليه بوصلة الجائزة في بعض الأعوام، بمنحها لثلاثة روائيين سعوديين، تتبرر فكرة..لماذا لم تعد سفينة الجائزة لترسو في مرفأ الرواية المصرية مرة أخرى مقارنة بالسعودية..؟

ولكن بنفس الفكرة ..كيف تعود الجائزة إلى مصر، وهي لم تمنح لروائيين من أقطار "الجزائر"، أو "السودان" أو "اليمن" أو "سوريا" وفي كل هذه البلاد إرث روائي كبير، لا يمكن تجاهله، ففي الرواية السورية هناك الإرث الكبير للروائي السوري ممدوح عزام، وإبداعات فواز حداد، وحنا مينه، وغادة السمان، وحسب تقرير منشور في جريدة الشرق الأوسط لرياض معسعس، فإنه صدر في سوريا ما يقرب من 700 رواية، وفي مقال رياض معسعس، يعدد أسماء الروايات والروائيين الذين أبدعوا في فن الرواية منذ الخمسينات، فكيف تتجاهل الجائزة أحفاد هؤلاء الآن؟

في ملتقى الرواية العربية الذي تم عقده في المجلس الأعلى للثقافة عام 2015، فاز الروائي المصري الكبير بهاء طاهر بجائزة الملتقى، وسط حضور عربي من الروائيين، وسرت حالة من الاستياء بين بعض ضيوف الملتقى الذين رأوا أن منح الجائزة لبهاء طاهر في غير محله، وأنه كان ينبغي منحها لروائي عربي، على الرغم من أن لجنة تحكيم جائزة ملتقى الرواية، تشكلت برئاسة الروائي الجزائري واسيني الأعرج.

كان الملتقى قد اعتاد منح جائزته كل دورة لروائي عربي أو مصري كبير، لكن هيمن المصريون على جوائزه، إذ فاز في دورته الأولى عبد الرحمن منيف عام 1998، وفي دورته الثانية رفضها صنع الله إبراهيم، وفي الدورة الثالثة عام 2005 نالها الروائي السوداني الكبير الراحل الطيب صالح، وفي الدورة الرابعة فاز بها المصري إدوار الخراط عام 2008، وفي الدورة الخامسة عام 2010 نالها الروائي الليبي إبراهيم الكوني، ثم نالها الروائي بهاء طاهر عام 2015، أي فاز بجائزة الملتقى 3 روائيين مصريين مقابل روائي سعودي، وسوداني وليبي.

على العكس من ذلك، تسير جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأمريكية التي تشكلت من لجنة تحكيم تتألف من الدكتورة شيرين أبو النجا أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، والدكتورة تحية عبد الناصر أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بالجامعة الأمريكية، والدكتورة منى طلبة أستاذ مساعد الأدب العربي بجامعة عين شمس، وهمفري ديفيز المترجم المعروف للأدب العربي، والدكتور رشيد عناني أستاذ الأدب العربي الحديث.

فاز بجائزة نجيب محفوظ 22 روائيا وروائية، منهم 8 كاتبة، و14 كاتب، جنسياتهم هي 12 مصري، أي أن الغلبة للروائيين المصريين، إذ نالها من مصر كل من عادل عصمت، عام 2016، وعزت القمحاوي عام 2012، وميرال الطحاوي عام 2010، وحمدي أبوجليل عام 2008، وأمينة زيدان عام 2007، ويوسف أبو رية عام 2005، وخيري شلبي عام 2003، وسمية رمضان عام 2001، وإدوار الخراط عام 1999، وإبراهيم عبد المجيد عام 1996، ولطيفة الزيات نفس العام.

ويصاحب إعلان جائزة نجيب محفوظ جوائزها، جدل مماثل عن غياب الرواية المصرية عن التتويج بالجائزة حتى أن منح الجائزة للإبداع المصري عام 2011 بمناسبة الثورة، أطلق دعابة أن الجائزة لن تذهب لروائي أو روائية من مصر، لأنه نالها أكثر من 90 مليون، لكن عادل عصمت فاز بها عام 2016.

الناقد الأدبي والكاتب الصحفي إيهاب الملاح يقول لدوت مصر عن مسألة غياب التتويج عن مصر: جائزة البوكر أفقدت كثيرين الشغف، ببساطة عشر سنوات من الحضور والجدل والصخب يكفي، أدت البوكر أدوارها تماما، لعبت دورا غير منكور في تنشيط الرواج بالرواية، وجذب أسماء كتاب عرب من المحيط إلى الخليج في بؤرة الضوء، نجحت في كسر المركزية المصرية التي لابد أن نعترف بوجودها بصورة ما.

ويضيف إيهاب: في النهاية عشر سنوات مدة كافية لإعادة القراءة وتجديد الدم، وتغيير الأدوار، إذا لم يع القائمون على الجائزة هذا الأمر وينتبهون له، سيدخلون نفقا مظلما يفقد الجائزة شيئا كبيرا من جاذبيتها وبريقها.

يتطرق إيهاب إلى جدل هذا العام، بقوله: أظن أنها هذا العام فقدت جزءا لا بأس به من هذا البريق، من دون أي أحكام قيمة تتعلق بالروايات التي اختارتها لجنة التحكيم، مضيفا: أنا ضد التسييس، وضد فكرة الإقليمية، حتى لو كانت موجودة لدى البعض، لا يهمني شيء، كل ما أعلن فوزه، أو تتويجه من روايات في دورات سابقة هو نتاج اختيار لجنة تحكيم بذاتها، وأنا ممن يحترمون قرارات اللجان، واختياراتها، مع احتفاظي بكامل الحق في إعلان رأيي في تلك الأعمال.

عن الرواية المصرية، يقول إيهاب: بكل الإيجابيات التي تحدثت عنها مرارا عما أحدثته البوكر من حراك، تركت آثارا سلبية بالتأكيد على عدد لا يستهان به من الكتاب والروائيين في مصر، أو غيرها، الغالبية – حسب إيهاب- صارت تكتب من أجل الجوائز لا من أجل الكتابة.

يثير الملاح قضية مهمة أيضا في مقال له منشور بموقع جريدة الشروق، ألا وهو قضية القيمة الأدبية، يقول إيهاب في مقاله: العبرة دائما هي القيمة الأدبية وحدها..ولا مليون جائزة يمكنها أن تمنح عملا بلا قيمة، أي قيمة، والأمثلة أكثر من أن تعد.

يقول الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي جامعة القاهرة: لا أتصور أن هناك مشكلة تتعلق بالكتابة الروائية المصرية، ولا بقيمتها، و لا بوفرة نتاجها..وأتصور أن الرواية المصرية مزدهرة إلى حد بعيد جدا. وإذا كانت هناك مشكلة جزئية تتعلق بعدم حصول الرواية المصرية على ما تستحق من جوائز، فهذه المشكلة يمكن تفسيرها بعيدا عن مشهد الرواية المصرية الغني بالملامح.

يضيف حسين حمودة: ربما هناك أولويات تتعلق بالتوزيع الجغرافي في بعض الجوائز، تضعها لجان التحكيم ضمن أولوياتها، وربما هناك نظرة تتعلق بالرسائل الإيدولوجية، أو بالتغطية لبعض الأوضاع الاجتماعية، أو التاريخية اهتمت لها لجان تحكيم أخرى، على حساب القيم الفنية، وربما يكون هذا عائقا دون حصول روايات مصرية على هذه الجائزة، أو تلك.

ويتابع حمودة: علي أية حال الجوائز العربية تذهب دائما إلى روايات عربية أصبحت تمثل جزءا مهما وأساسيا من الإبداع الروائي العربي، الذي لم تعد فيه مصر هي صاحبة الإسهام الوحيد، أو الأكثر بروزا، كما كان الحال في فترة تاريخية ما..الآن المشهد الروائي العربي تشارك فيه أطراف كثيرة، من بلدان عربية متعددة.

الناقد المصري الدكتور ممدوح النابي، يقول لدوت مصر، أنه لا يمكن أن ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية الضيقة، فليس معنى عدم فوز الرواية المصرية بالجائزة، أن ندين الرواية المصرية ، والدليل أن كثيرا من الروائيين فازوا في مسابقات أخرى ككتارا، وجائزة مؤسسة الفكر العربي.

يضيف النابي: كما أنني بصفتي متابعا للرواية المصرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، أؤكد أن الرواية المصرية بخير، وهذا التنافس صحي، ودليل على أن بعض الدول العربية لم تعد متلقية للإبداع بل منتجة، ومساهمة لحد بعيد في عملية الحراك التي لا تغفلها عين، حتى لو لم تكن قدر الطموحات والرهانات في ظل انطلاق مشروع النهضة.

Comments

عاجل