المحتوى الرئيسى

عبد الإله بنكيران ـ ملكي أكثر من الملك.. ولكن!

02/22 21:32

سطوع نجم عبد الإله بنكيران شدَّ اهتمام المغاربة للمشهد السياسي بشكل لم يسبق له مثيل، فقد حوّل نقاشات البرلمان من جلسات مملة كئيبة إلى حلبة مثيرة يتابع المواطنون أطوارها بشغف يذكرهم بمباريات كرة القدم المصيرية. فبلغة بسيطة تجمع بين الفصحى والعامية تمكن من مخاطبة الشعب المغربي كما لم يخاطبه سياسي قبله. ويجمع أسلوبه السلس بين التشويق والنكتة وسرعة البديهة واستحضار التراثين الديني والشعبي. وتمكن بنكيران من تبسيط أعقد المعضلات السياسية والاقتصادية أمام المغاربة بلغة يفهما المثقف والأمي، الشاب والشيخ، بعدما ألفوا من السياسيين لغة خشبية نمطية.

فصاحة بنكيران تعلمها في دروب حي العكاري الشعبي بالرباط حيث وُلد قبيل حصول المغرب على الاستقلال عام 1954 في أسرة محافظة معروفة باهتمامها بالشأن العام في فترة حرجة من تاريخ البلاد تميزت بالنضال الوطني والصراع من أجل بلورة ملامح مغرب ما بعد الاستقلال.

من اليسار الراديكالي إلى الإسلام السياسي

القليلون يعرفون أن بنكيران بدأ نشاطه السياسي وهو متعاطف مع جماعات يسارية راديكالية من قبيل "حركة 23 مارس" الماركسية اللينينية التي تحولت إلى منظمة العمل الديموقراطي الشعبي عام 1983. كما استهواه حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" الذي تحول فيما بعد إلى "الاتحاد الاشتراكي" إضافة إلى "حزب الاستقلال" أحد أعرق الأحزاب المغربية الذي ارتبط اسمه بمقاومة الاستعمار الفرنسي.

خلال أقل من عشرة أيام فقط بعد تكليفه من قبل العاهل المغربي بتشكيل الحكومة الجديدة، كشف سعد الدين العثماني عن تحالف حكومي يتألف من ستة أحزاب، لينهي بذلك حالة الجمود السياسي المستمرة منذ نحو ستة أشهر في المغرب. (28.03.2017)

استقال عبد الإله بنكيران من منصبة كنائب بالبرلمان المغربي ليفتح الباب على مصراعيه أمام القراءات في الدوافع الحقيقية لقراره وتداعياتها على تماسك الحزب، الذي أضحى أمام تحديات قد تهدد استقراره. فهل الاستقالة تمرد؟ وعلى من؟ (13.04.2017)

نقطة التحول في مسيرة بنكيران ستكون عام 1976 حين انضم إلى تنظيم "الشبيبة الإسلامية" السري قبل أن ينسحب منه خمس سنوات بعد ذلك احتجاجاً على تبني مرشد التنظيم، عبد الكريم مطيع، للعنف في مواجهة النظام وكذلك تبنيه لخيار انفصال إقليم الصحراء الغربية عن المغرب. وبمعية المستقيلين أسس بنكيران تنظيماً إسلامياً سرياً جديداً حمل اسم "الجماعة الإسلامية" قاده لمدة ثمانية أعوام قبل أن يخرج إلى العمل العلني تحت اسم جديد هو "حركة الإصلاح والتوحيد".

وسعى التنظيم الجديد إلى توحيد الحركات الإسلامية المغربية بالتحول إلى حزب سياسي بعدما احتضنها حزب عبد الكريم الخطيب آنذاك "الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية" الذي تحول اسمه فيما بعد إلى "حزب العدالة والتنمية". هذا المشوار تخللته مراجعات أيديولوجية وعقائدية لعل أهمها الاعتراف بمؤسسة "إمارة المؤمنين" التي تؤسس الشرعية الدينية للملك باعتباره أعلى سلطة روحية في البلاد.

شد وجذب في العلاقة مع القصر

يمكن اختزال مخاض اندماج حزب العدالة والتنمية بزعامة بنكيران في المشهد السياسي من خلال العلاقة الجدلية البالغة الدقة والحساسية التي تربط الأخير بمؤسسة القصر وبشخص الملك بالتحديد. فكل الدهاء السياسي لبنكيران يتجلى في علاقة الشد والجذب مع المؤسسة الملكية، فهو يكرر في كل خطاباته تشبثه بالنظام الملكي كصمام أمان وضمان وحدة واستقرار المغرب.

وتحدث بنكيران عن شخص الملك كما لم يفعل ذلك أي مسؤول سياسي مغربي قبله. ومما قاله بهذا الشأن: "جلالة الملك عينني وأعفاني جزاه الله خيراً"، "الملك ليس إلاها..ولكنه إنسان يصيب ويخطئ"، "أنا مجرد موظف في حكومة الملك"، "لا يقال لا لجلالة الملك"، "الملك أيقظني فجرا وعاتبني بسبب "أمانديس" (شركة مفوض لها بإدارة الماء والكهرباء بطنجة) "الملك يغضب علي مرة وجوج..عادية راه سيدنا هذاك"، "الملك أحضر لوالدتي هدية من أمريكا"، "الملك جعل لي أربعة حراس يرافقونني أينما تحركت"، أنا ما مطلوبش مني رضا جلالة لملك"، "أنا مطلوب مني السمع والطاعة فيما هو واجب للدولة أو النصح من قبلي لجلالة الملك"، "أخذت عهدا ألا أقول لجلالة الملك إلا الحقيقة".

حرص بنكيران (في أقصى الصورة) على عدم مزاحمة الملك الفضاء العام

يوحي بنكيران بكثير من العفوية والتلقائية في حديثه عن شخص الملك، غير أن العفوية هنا لا تعني بالضرورة السذاجة، لأنه بخرجاته المثيرة كسر أعرافاً غامضة غير مكتوبة تقضي بتفادي الخوض في شخص الملك وفي قراراته في الفضاء العام.

يحظى الملك دستورياً بدور محوري في الحقلين السياسي والديني، كما يتمتع بشرعية متجذرة تاريخياً، غير أنها تصطدم من حين لآخر بمطالب الإصلاح والتحديث كما حدث خلال ما يسمى بالربيع العربي حيث التقت طموحات الإسلاميين بحاجة القصر لتجاوز الإعصار الذي عصف بأكثر من نظام في المنطقة العربية. ففي التاسع من مارس / آذار 2011 ألقى الملك محمد السادس خطاباً اعتبِر تاريخياً وعد فيه بإصلاحات سياسية شاملة منها تعديلات دستورية استجابة لحراك الشارع المغربي. وعلى إثر ذلك تمكن حزب لعدالة والتنمية من الفوز بالانتخابات ليصل بنكيران كأول شخصية إسلامية في تاريخ البلاد إلى رئاسة الحكومة واحتفظ بمنصبه إلى غاية الخامس من أبريل / نيسان عام 2017.

ظروف إعفاء بنكيران من قبل عاهل البلاد أسالت الكثير من المداد وقيل فيها الكثير، خصوصاً وأنها جاءت بعد أشهر من أزمة سياسية وصفها بعض المراقبين بالمفتعلة حالت دون تشكيل حكومة يرأسها بنكيران وهو ما اصطلح عليها إعلامياً في المغرب بـ"البلوكاج الحكومي".

ورغم انسحابه من رئاسة الحكومة، لا يزال بنكيران يتمتع بشعبية عارمة، وكل خرجة أو تصريح منه تكون له ارتدادات سياسية وإعلامية. وهناك تحليلات ذهبت لحد المقارنة بين شعبية الملك وشعبية بنكيران، غير أن في ذلك مجازفة لا تساعد على قراءة سليمة لدور الطرفين. فشعبية الملك تقوم على آليات أوسع ومصادر شرعية مغايرة.

من المفارقات أن فشل بنكيران يكمن في نجاحه، فما يُصطلح عليه بـ"المخزن" أو الدولة العميقة لا تثق في مشروع الإسلام السياسي في المغرب وترى فيه تهديداً استراتيجياً. وربما تستحضر في ذلك النموذج التركي حيث استغل رجب طيب أردوغان وصوله للسلطة لتغيير قواعد اللعبة بالاستيلاء على دواليب الدولة وإقصاء كل منافسيه السياسيين.

ينص الدستور المغربي على حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية. كنيسة القديس بيير شيدت سنة 1923 في الرباط، وتعتبر نقطة التقاء روحي للمسيحيين الكاثوليك في المغرب.

يناهز عدد المساجد بالمغرب 50 ألف مسجد. ويعتبر مسجد حسان، المعروف باسم صومعة حسان، من أقدم دور العبادة بالعاصمة الرباط، إذ يعود تشييده إلى القرن الثاني عشر ميلادية إبان حكم دولة الموحدين.

في أبريل 2014 فتحت الكنيسة البروتستانتية ونظيرتها الكاثوليكية في المغرب معهد تكوين لاهوتي لتخريج أطر دينية من المهاجرين الأفارقة، ويتمحور التكوين حول الحوار بين الثقافات والأديان وتاريخ العلاقات بين الإسلام والمسيحية.

يعاقب القانون المغربي بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات كل من يُدان بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى".

بالرغم من مظاهر التعايش فإن السلطات المغربية تقوم من وقت لآخر بمنع مبشرين من القيام بأنشطتهم وتهدد بعضهم أيضا بالمتابعة القضائية ويتم ترحيلهم خارج البلاد ما ينتج عنه انتقادات منظمات حقوقية دولية.

الإسلام دين الدولة في المغرب وغالبية المغاربة يعتنقون الإسلام بذلك فصوامع المساجد والمآذن تعلو فوق باقي البنايات بالمدينة مثل هذا المسجد القديم وسط قصبة الأوداية الأثرية بالعاصمة الرباط.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل