المحتوى الرئيسى

"عم عبود".. الدواعش سرقوا أمواله و"فيسبوك" أعاده لأهله | أسايطة

02/21 21:47

الرئيسيه » بين الناس » وجوه » “عم عبود”.. الدواعش سرقوا أمواله و”فيسبوك” أعاده لأهله

منذ 37 عامًا مضت أقلعت الطائرة من مطار القاهرة متجهة صوب بغداد حاملةً على متن أجنحتها حلم “عبود” ابن السبعة عشر عاما في توفير حياة كريمة لزوجته وابنه الصغير.

ولكن الطائرة التي أقلعت به أبت على أن تُعيده إلا بعد غياب سنين فقد فيهم كل ما يثبت شخصيته ليعيش غريبا بلا اسم، بلا سكن، بلا وطن، وفجأة تشاء الأقدار أن يعود حيا…”الأسايطة” كانت في بيت عم عبود تسمع حكايته عن قرب.

بيت صغير سرائره عبارة عن حُصرٌ متهالكة يُخفف حدة ارتطام عظامهم بطين الأرض أثناء غفوتهم عليها بطاطين تعلو تلك الحُصر ولكنها لا تُغنى ولا تُسمن من جوع، وروائح فقر تفوح من جميع جنباته.

ومن على تلك الدكة الخشبية يجلس عم عبود بملامح طمست سنوات الغربة بريقها المصرى وانعجنت كل تجاعيد وجهه بالملامح العراقية حتى لهجته وحركات يده لا تجعلك تشك لحظة فى أنه ليس عراقيا، ليبدأ العم عبود فى رواية قصة سنوات غربته شارحا: اسمى عبدالحليم أحمد ويلقبوننى بـ”عبود”، من قرية قاو النواورة، مواليد عام 1955، سافرت للعراق وعمرى 17سنة فى 1982 وقبل سفرى كنت عامل بحلوان “مثلى مثل ها العالم بالكريك”، وقضيت سنتين بعد السفر فى بغداد وفى 1984 أوراقى كلها ضاعت ومعها جواز السفر بعدما انهار أكثر من 20 منزل بالمنطقة التى كنت بها.

ويضيف: كنا فى العمل وعدنا وجدنا المنزل مساويا للأرض وكان معى 17 مصريا آخرين جميعهم ضاعت أوراقهم ماعدا الهوية، أما أنا فكنت أضع جميع أوراقى فى شنطة وأتركها فى المنزل فضاع كل شيئ، ورجعت السفارة ببغداد ولا يوجد أى شيئ يثبت شخصيتى وأربع مرات أطلب منهم مساعدتى ولكن لم يفعلوا لى شيئ فجلست فى محافظة كركوك العمر كله هناك، وعملت مزارعا ولم تسأل فىّ الحكومة المصرية ففقدت الأمل بهم ولم يكن لدى شيئ أرجع به لمصر.

وضعنا طيلة فترة الحروب التى خاضتها العراق “كان مو زين بهدلة اتبهدلنا” كل المصريين ليس أنا فقط ولو كان معى جواز سفرى لرجعت، وقضيت طوال الفترة بداخل منطقة الحويجة التابعة لكركوك لم أخرج منها قط ودمرها الدواعش، وكنت أعيش شعورا سيئا جدا كنت أفتقد أهلى بشدة يوميا أتذكر أهلى وابنى وأحزن وخاصة بعدما تعرفت عليهم فى 2014 كنت يوميا حزين.

وكنت أعمل هناك فى مزرعة لم أخرج منها نهائى بمنزل عبدالله حسن صالح الفيحان، والذى ساعدنى أخوه أحمد الفيحان فى استخراج أوراقى من خلال معارفه بارك الله فيه.

يتابع العم عبود: الخطابات من 1991 توقفت وتوقف كل شيئ حتى الهواتف بسبب حرب الكويت والعراق وفقدت جميع وسائل الاتصال بأهلى ولم يكن هناك هواتف وأخ عراقى قال لى “هنخدمك لله هتفضل معانا حالك حالنا وإذا مِت سنتكفل بدفنك”، أنا لم أراسل أسرتى منذ 1985 قطعت نفسى عنهم لأنى حزنت “كنت مستحى” كل من معى كونوا أموالا إلا أنا أوراقى ضاعت ولم أكون أى شيئ، حتى كبر ابنى وبدأ يبحث عنى وأعادنى لمصر والفضل لابنى فلولاه ما كنت أتيت.

وفى العام 2014 تعرفت على شخص على الإنترنت وحكيت له حكايتى، فقال لى إعطنى عنوان أهلك ومنطقتك وسنجد لك أهلك فأعطيته العنوان ورقم هاتفى ولكنى لم أصدق قوله فى الحقيقة، وبعد ساعتين رن على هاتفى رقم من مصر ففتحت الهاتف وجدته لغة صعيدية لم أفهمها فإذ به ابنى الذى تركته وعمره ستة أشهر، فلقد حدثنى الصديق الساعة 12صباحا وقالى لى عم أبو ناصر الآن لديك رقمين لأهلك، وتحدثت مع ابنى بالليل الساعة 12 ونصف بتوقيت كركوك.

وبعدها قال لى الشاب لماذا لا تحدثهم صوت وصورة؟، فقلت يا حبذا حتى أتأكد هل الأمر حقيقى أم لا، وحينما رأيت زوجتى وأختى عرفتهم أما إبنى فلم أعرفه لأنه شبّ وكبر فسألتهم من هذا قالوا ابنك ناصر، تعبت “وزعلت نفسيا” فذهبوا بى للطبيب ليلا ومكثت بها ساعتين.

يستطرد: عاودت الحديث مع أهلى هاتفيا فسألنى إبنى لماذ ا لا تأتِ يا أبى؟، فقلت له ليس لدى أوراق فقل سأذهب للقاهرة واستخرج لك أوراق، وكانوا قد استخرجوا لى شهادة وفاة على أساس أنى ميت لطول الغيبة وذهب ابنى لوزارة الخارجية بالقاهرة واستخرج لى شهادة ميلاد ثم حادثونى من القنصلية المصرية بالعراق وقالوا “تعالوا هنسفرك على أرض الوطن”، قلت لهم أنا مُحاصر لا أستطيع الخروج لا أنا ولا أى شخص بالمنطقة وظللت أؤجل حتى 2018، فاستخرج لى ابنى شهادة ميلاد أخرى وأرسلها لى على محافظة أربيل.

وتحدث معى مصرى من القنصلية بأربيل فعرفنى لأنه من نفس بلدى وقال “إن شاء الله يا عم عبدالحليم تسافر”، فقلت: “كويس إن شاء الله” فاستخرج لى وثيقة سفر وصلت لى من شخص لشخص حتى تمكنت من الحصول عليها لأنى لا أستطيع الخروج وأخرجونى من كركوك من منطقة الحويجة ووصلت لكركوك وأنهوا لى معاملاتى وأوراقى من الحكومة العراقية ووثيقة السفر بمبلغ مليون دينار عراقى.

فجأة امتزج حديث العم عبود بتنهدية قاسية وتابع حديثه قائلا: كل أموالى التى كونتها أخذوها منى المجرمون الدواعش فكانوا يقومون بمداهمات فى الفجر يأتى سيارتين أو ثلاث للمنطقة وكان بها حوالى 90بيت ويسرقون ما بداخلها حتى ذهب النساء، وأخذوا منى أكثر من 9دفاتر حوالى 900ألف دولار كنت أتمنى أن أعود بهم لأهلى أبنى بيتا وأحقق لهم ما يتمنون “لكن سبحان الله راحت”، ولو وجدوا الجلابية طويلة يذبحوننا “واللحية لازم تكون لصدرك الكلاب الأنجاس اللى خربوا بيتى الله لا جزاهم الخير”.

بعدما تعرف علىّ ابن بلدى وأنهى لى كل الأوراق دفع لى تذكرة الطيران واسمه محمد حمود عطيه يعمل بالقنصلية ووصلت مطار القاهرة ووصلت لإبنى وأهلى وناسى.

وبسؤاله هل يتمنى العودة ثاينة للعراق قال: “لا آكل تراب هنا ولا أرجع العراق تانى على اللى شوفته”، وبعد عودتى ليس لدى شيئ أفعله “قاعد وساكت” ليس لدى مال لعمل مشروع أو أى شيئ ليس أمامى أى بديل، كنت أعيش هناك فى بيت جيد مثل أهلى هان يحترمونى ويقرونى ولا أشعر بغربة أبدا، أريدكم تساعدونا والله جنيه بالبيت ما عندى. وأتمنى أن أجد من يساعدنى فى سرعة استخراج بطاقتى وأشكر كل المسؤولين وكل من بادر بالوقوقف بجانبى.

رفعت أحمد، أحد أبناء القرية الذين التقوا عبود فى رحلة العراق وعاد قبله ليقول: سافرت العراق 14/11/1981وعدت فى 2/2/1990 والتقيته هناك  فى أول 1986 وانقطعت وسائل الاتصالات أيام “الغزوة”، ولكنى أتيت قبلها بخمس وعشرين يوم وبعدها بدأت حرب العراق والكويت وكان من الصعب أن يتواصل عبود مع أهله، وسألونى ناس عليه مرات وقلت لهم “الحى على الباب واقف لازم يجيى مدام قاعد حى إن مجاش النهاردة يجى بكرة”.

وقت السفر كان ابن الستة أشهر وعند العودة صار ابن السابعة والثلاثين، وحول شكل الحياة عبر كل تلك السنين يروى ناصر عبدالحليم، 37 سنة، ابن الأب العائد: حصلنا على شهادة وفاة لأبى حكم محكمة وتركنا وعمرى ستة أشهر وكبرت وأردت استخراج أوراق وبطاقة ولا يوجد أى إثبات لوالدى فأخذت حكم محكة بوفاته واستخرجت بطاقتى، وفى 2014 اتضح أن والدى حى من خلال موقع التواصل الاجتماعى وقال لى شخص والدك حى فلم أصدق وكان شخص قادم من العراق بالإسكندرية قابل شخص من القرية، وقال أريدك أن تسأل على “فلان الفلانى” وإن وجدته أعطه رقم التليفون هذا وأخبره أن يحدثنى.

فجاء رجل قريب لى  وقال: “يا ناصر أبوك حى”، وحدث هذا الشخص لتصل لوالدك فاستغربت طبعا وبدأت الاتصال بالرجل فحدثنى بلهجة لا أفهما “أفهم كلمة وعشرة لأ” فقال سأرسل رقمك برسالة على العراق وأجعل والدك يحدثك وفى نفس اليوم حدثنى والدى ولكنى غير متأكد “أنا مشفتوش ومعرفش إنه أبوى” كل هذا وأنا غير واثق وغير مهتم لأنى لا أصدق  للدرجة، وفى اليوم الثانى طلب منى أبى أن يحدثنا صورت وصورة ولأنى لا أعرفه أحضرت عمتى وأمى وقلت لهم هل تعرفونه؟ “قالوا حد ميعرفش اللى ليه”، فعرفوه وسلم عليهم ثم سألهم من هذا الذى يقف خلفكم قالوا ابنك.

ظل ينطر إلىّ طويلا ويتأمل فىّ وأنا كذلك، واستغربت الأمر وبعدها تعب أبى من الموقف ثم بدأنا نتحدث هاتفيا وبسؤاله لماذا لا تأتِ يا أبى، قال ليس معى أوراق تثبت إنى مصرى فأرسل لى أوراق من عندك، فذهبت إلى السفارة فقالوا ليست مهمتنا لو كان عراقى كنا سنُعيده لبلده أما ذلك مهمة الخارجة المصرية توجه إليها فذهبت إليهم فساعدونى وطلبوا شهادة ميلاد ووثقتها من العباسية فأرسلوها عن طريق بغداد، فقالوا له تعالى يا عبدالحليم فقال صعب أن أصل إليكم “الدواعش يموتونى”، فظللنا هكذا والسنوات تمر حتى 2016 فأرسلت شهادة ميلاد جديدة على قنصلية أربيل حتى أكرمه الله بشاب يعمل فى قنصلية أربيل فى 2018 هو الذى ساعده وانهى الأوراق المطلوبة.

يتابع ناصر: عشنا أنا وأمى حياة صعبة وخرجت من أولى إعدادي “ملاقيتش حد يصرف عليا هطلع أمى تصرف عليا؟ يوم اشتغل عند ده ويوم عند ده” وعملت سائقا وتزوجت وأنجبت ست أبناء “بس اتبهدلت الناس يقولوا انت مليكش أب يا واد الريح الواحد كان بيسمع ألفاظ قذرة أنا جايته عندى تسوى الدنيا كلها خلانى رفعت راسى بين الناس”.

يتابع: استلمت هذا البيت من المحافظة بعدما طردنى عمى، وربتنى جدتى والدة أمى وصرفت على وساعدتنى عند زواجى والفضل كله لأمى لو واحدة غيرها كانت رمتنى واتجوزت بس هى اتهجلت عليا وربتنى لما بقيت راجل قالت اقعد على والدى وهفضل شايلها فوق راسى من فوق”.

تحية على ضيف، زوجة عم عبود، تروى قصتها: تركنى زوجى منذ العام 1982 لضيق الحال وتسلف أموالا وسافر بها وبعدها انقطعت الاتصالات، ومرت الأيام والسنين ودخل ابنه المدرسة ولكنى لم أقوى على المصروفات فترك المدرسة، وطلب كثيرون من أمى أن أتزوج ولكنى رفضت وقلت لن أترك ابنى، وكفلتنا أمى، وعندما أراد ابنى استخراج بطاقة قالوا سيأخذونه الجيش فقال سأستخرج بطاقة وفاة لأبى وإلا سأدخل الجيش ولو دخلت من سيصرف عليكِ، فاستخرجها واستخرجوا لى معاش 320جنيها.

تتابع: بعدما تعرّف ناصر على الشخص الذى أوصلنا بوالده جاء قائلا “تصدقى فى ناس بتقول أبوى عايش قلت له إيه يا ناصر فين أبوك اللى عايش ده أنا مش متأكدة من الكلام ده”، فقال لى والله يا أمى هناك أشخاص يقولون أبوك عايش وأخذوا رقم التليفون وسيحدثنى أبى، وبعدها تحدثنا معه على الإنترنت صوت وصورة أنا وأخته عرفناه، وكان يوميا يتصل بنا ويقول أنا مُحاصر ولا أستطيع الخروج وليس لدى أى أوراق وبدأ ناصر يُرسل له أوراقا وشهادة ميلاد حتى يتمكن أبوه من العودة وحتى بعد إرسالها لم يستطع زوجى الذهاب لبغداد وكل كام يوم تبنى يتسلف أموالا لاستخراج الورق حتى وصل المبلغ 40ألف جنيه. فغضب ناصر وقال لأبيه “إيه يا أبوى انت كل شوية تقول جاى جاى ومتجيس انت بتضحك علينا أكيد انت مش أبويا”، فقال يا بنى هذا رغما عنى فقال له محمد عطيه الشاب الذى يساعده لا تضغط على أبيك فليس بمقدوره الخروج فالحويجة مُحاصرة ولو خرج سيذبحوه. واستكمل معه الشاب المسيرة وأنهى له جميع الأوراق حتى وصل إلينا سالما.

تحية على ضيف زوجة عم عبودأمنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل