المحتوى الرئيسى

للزجر أم للتطبيق؟.. الحدود في الشريعة الإسلامية بين التأويلات المتعددة - صوت الأمة

02/21 12:39

لم تنل أي قضية شرعية ودينية جدلا كبيرا كقضية الحدود المقررة في الشريعة الإسلامية، حيث تعرضت الحدود الشرعية لتأويلات عديدة، ومعارضات شادة، رغم أن هناك نصوص صريحة نزلت في الحدود الشرعية المقررة في الإسلام، فنجد القرآن الكريم يحكي عن حد السرقة قائلا "" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، ويحكي أيضا عن حد الزنا فيقول "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ".

وقد أجمع الفقهاء والعلماء، على أن الحدود شرعية ومقررة في الإسلام، وقد خصها الفقهاء بأبواب خاصة في الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، فنجد المذهب الحنفي يفرد له أبوابا، وفي المذهب المالكي يفرد له كتبا ومجلدات، وفي الفقه الشافعي يؤلف فيه عدة مؤلفات، جميعها يتحدث عن إقامة الحدود وكيفيتها وشروطها.

ويظهر الإختلاف في الحدود في كيفية التطبيق، والتأويل، حيث يذهب أغلب العلماء بأن الحدود في الإسلام والتي فرضتها الشريعة هي للزجر، ويتم تطبيقها وفق شروط معينة حددتها الشريعة، وتجب في حق من يثبت ثبوتا قاطعا في أحد الجرائم الحدودية التي حددتها الشريعة الإسلامية وورد ذكرها في القرآن الكريم، وهي:  السرقة، والزنا وقطع الطريق، والقذف، وشرب الخمر، والردة، والبغي والإفساد في الأرض.

فيرى أصحاب هذا الاتجاه أن الحد ينفذ كما ورد نصا، فمثلا حد السرقة يكون قطع كف اليد، وإن عاد للسرقة تقطع يده الأخرى، وإن عاد تقطع يده للكوع، وهكذا، معللين ذلك بأن الإسلام حين وضع الحدود لم يكن يهدف من ورائها إشباع شهوة تعذيب الناس، بل يطبق الحدود في حدود ضيقة، فيدرأ الحد بأدنى شبهة، ولا يقام إلا إذا وصل إلى الحاكم فهو المكلف بتطبيق الحد.

أما المذهب الآخر فيرى أن الحدود في الإسلام رمزية، ولايأخذ باللفظ الصريح، لأن المعنى في النص القرآني قد يستعمل في الكناية والمجاز، كقوله تعالى " أو لامستم النساء" حيث أخذ اللمس كناية عن الجماع، وكذلك يأخذ معنى قطع اليد في حد السرقة على أن يتم إحداث جروح باليد، ليتم وضع علامة ليستدل بها على السارق، ولايأخذ اللفظ بصراحته بأن يكون القطع المقصود به البتر، كما أن حد الزنا هو جلد على الجسم للإيلام، وليس لإحداث عاهة بالجسم.

ومن أبرز أصحاب هذا الرأي هو الفيلسوف  المسلم "ابن رشد"، الذي كان ابرز الذين كتبوا عن الاستدلال العقلي والنصي،وإشكالية العقل والدين، فيذكر "ابن رشد" في كتابه "فصل المقال" أن الشرع فيه ظاهر وباطن، وأن التأويل ضروري للتوفيق بين الشريعة والفلسفة فمثلا الحدود الشرعية إنما شرعت للزجر، وأن إقامة الحدود في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعهد الخلفاء الراشدين لم يتعد حدود أصابع اليدين، ولم يرد كيف كان هذا الحد".

أخبرتنا كتب السنة بأن النبي وصحابته من بعده لم يطبقوا الحدود إلا في أضيق الحدود، ولم تخبرنا عن الكيفية التي تمت بها الحدود في عهدهم، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبق سوى حدان فقط، من الحدود المقررة شرعيا، وهما حد الزنا، وحد السرقة.

فحد الزنا طبقه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين الأولى من قبيلة "جهينة"، وأرجئها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أن وضعت ولدها وفطمته من الرضاع، والثانية في "ماعز" من قبيلة "أسلم"، ثم حد السرقة والذي طبقه في المرأة المخزومية.

يوضح الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الحدود في الإسلام إنما هي مفروضة للزجر، وهي مطروحة للتأويل، ولهذا كانت محل خلاف بين الفقهاء، ولا إنكار في المختلف فيه، والاختلاف يكون في طريقة إقامة الحد، مشيرا إلى أنه لا يمكن اعتبار الحدود عقوبات نظامية، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ادرَؤُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مَخرج فخلُّوا سبيلَه، فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خير من أن يُخطئ في العقوبة" فالحدود تسقط بالشبهات.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل