المحتوى الرئيسى

«حراس التراث».. تجارب شبابية للحفاظ على الهوية

02/21 09:51

"التاريخ هو تراث الأمة وكنزها.. ومن ليس له ماضي لا مستقبل له".. هكذا تحدث الحكماء قديما، محاولين تأكيد أهمية التراث والتاريخ لكل بلد وحضارة، لكنها كلمات تاه معناها في زمن التكنولوجيا وعصر السرعة، وبات التاريخ وآثار الحضارة المصرية في ركن مظلم، رغم كل ما يذخر به.

ولأن لكل قاعدة استثناء، أقدم عدد من شباب المصريين على كسر قاعدة إهمال التراث والتاريخ، وقرروا تقديم أفكار يُسهمون بها في الحفاظ على التراث المصري بأشكاله المختلفة.. "الدستور" تحدثت مع عدد من هؤلاء الشباب، لتستعرض أفكارهم المبتكرة، التي مزجت بين استغلال التكنولوجيا وطرق التقليدية.

بعيدا عن بلاده الأصلية "النوبة" نشأ وترعرع، وبين "الإسكندرانية" قضى حياته منذ صغره، بعدما اضطرت عائلته إلى الانتقال بعيدا عن النوبة بعد غرق قريتهم عام 1964 في مياه السد العالي، لكن ذلك لم يكن عائقا أمام الشاب حتى يعرف من يكون وما هي لغته الأصلية بل ويتحدث بها.

"شباب نوبيون لا يعرفون النوبية، ولا يعرفون شيئا عن عادات وتقاليد أجداهم".. واقعا لاحظه "مؤمن طالوش" الشاب العشريني، وقرر أن يغيره بنفسه، ولم ينتظر أن تأتي النجدة من أحد آخر، يقول: "النوبيين اتخلوا عن عادات زمان، وبقوا زي الأسر المصرية العادية، واللغة النوبية جزء من الحاجات اللي اتخلينا عنها، بعد ما كنا بنتعلمها قبل اللغة العربية".

يحكي "طالوش" عن جده الذي كان يتحدث مع جدته باللغة النوبية، وكان حريصا على الذهاب إلى بلاد النوبة في زيارات مستمرة في الأعياد وكلما تحين فرصة لذلك: "جدي كان من الناس اللي شايلة الثقافة النوبية والتراث على أكتافها، كان بيحكيلي عن حكايات النوبة والبلاد القديمة هناك، وكان عايز يزرعها فينا وفعلا تحققله ما يريد".

الشاب النوبي قرر أن يكون حالملا للواء حفظ التراث النوبي، لكنه لم يعرف الطريقة المناسبة لفعل ذلك إلا بعد بحث وتفكير عميق، ليتوصل إلى فكرة استغلال عمله في البرمجة، وابتكار تطبيق للهواتف الذكية يمكّن مستخدميه من تعلّم اللغة النوبية، وأطلق عليه اسم "نوبي".

يوضح: "حصل موقف كنت بعلم أحد أبناء العائلة اللغة النوبية، لكني لقيته بيستخدم التابلت أكتر ما بيركز معايا، عشان كدا لقيت إن الأبلكيشن هو الطريقة الأفضل، واللي ممكن توصل لأعداد أكبر من الناس، وأنشر الفكرة أكتر".

رحلة إتمام التطبيق لم تكن سهلة، فبعد أن استعان "طالوش" بورشة لإدارة المشروعات الصغيرة لوضع خطة جيدة، احتاج إلى التواصل مع معلمين للغة النوبية، حتى يتمكن من تجميع مادة عملية كافية للتدريس، وأضاف إليها عددا من الأغاني والمواد الأدبية وبعض الحكم والأمثال النوبية، جمعها من خلال بعض الكتّاب والمطربين النوبيين، ليتحول التطبيق من مجرد معلّم للغة النوبية، إلى أرشيف متكامل للتراث النوبي.

ولأن التراث النوبي جميل ويستحق بأن يراه الأجنبي قبل المصري، قرّر الشاب ترجمة محتوى التطبيق إلى اللغة الإنجليزية، ليعقد صفقة شراكة ترجمة مع "ديمة محمود"، وبعدها عاونه صديقه "وليد توكا" في تجهيز الشخصيات الكرتونية المستخدمة في التطبيق.

"القلم".. مدرسة تعليم أناقة الخط العربي

"الخط حياتنا".. شعار رفعه مجموعة شباب قرروا أن يدافعوا عن أهمية الخط العربي التي اندثرت خلال عقود مضت، وحلت مكانها الثقافة الأجنبية، حتى تم تهميش اللغة الحربية وفنونها.. محمد ناصر، أحد مؤسسي فكرة "القلم"، تحدث لـ"الدستور" عن الفكرة، وكيف تطورت خلال فترة قصيرة.

البداية من المشكلة، فالمادرس أهملت الخط العربي، وحوّلت أغلب إدارات المدارس حصة الخط إلى "فسحة" أو "ألعاب"، لذلك لم يعد الطلاب يشعرون بقيمة الخط، إضافة إلى عدم وجود معلمين متخصصين في تدريس المادة.

"ميزة الخط العربي إنه متصل، ودا بيخليه قابل لاكتساب أشكال مختلفة".. جملة يبرز بها "ناصر" كيف يتميز الخط العربي عن غيره من اللغات الأخرى، فهناك عدة فنون ترتبط بالخط العربي، منها الزخرفة و"الأرابيسك" وغيرها، يردف:"الخطوط والكتابة على الكمبيوتر ضيعت فن الخط العربي، وقللت عدد الموهوبين فيه وممارسيه، حتى الصحف تحولت إلى خطوط الكمبيوتر، بما في ذلك العناوين، ودا خلى القارئ ميحبش القراءة.

يضيف "ناصر" أن المبادرة تستهدف كل الشرائح العمرية، خاصة الشباب والصغار ممن يحتاجون إلى تعلم فنون الخط، حتى يتم اكتشاف الموهوبين منهم، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تهتم المدرسة بضم الموهوبين والمحترفين ودمج كل تلك الجهود من أجل توصيل رسالة الخط العربي إلى أكبر عدد ممكن، والمساهمة في إعادة فن الخط العربي إلى الواجهة مرة أخرى.

يواصل الرجل الأربعيني حديثه: "نقيم عدة أحداث أو إيفنتات نجمع فيها ناس وشباب نحببهم في الخط بطريقتنا الخاصة، إننا نكتبلهم أساميهم بخطوط عربية جذابة، ونحسسهم ازاي لغتنا حلوة وفيها فنون مش زي ما اتعودوا عليها في الموبايلات والكمبيوتر".

المبادرة لاقت إعجاب الكثيرين، وهو ما دفع العشرات من الشباب إلى الالتحاق بالمدرسة لتعلم فنون الخط من مختلف الأعمار، وبعدها حصدت المدرسة عدة جوائز، منها جائزة مسابقة نواة لريادة الأعمال المجتمعية 2017، وجائزة مسابقة إنجاز مصر العام، إضافة إلى منحة مؤسسة مدد.

التراث السيناوي.. محفوظ "في إيد حنان"

لم تكن اهتمامات طفولتها تشبه نظيراتها، فكنّ ينشغلن باللعب في أوقات فراغهن بعد الاهتمام بالواجبات الدراسية، لكنها كانت تفضل شيئا آخر "الخيوط الملونة وتناسقها"، لتصبح هوايتها فيما بعد أهم ما تفعله في حياتها، وتتحول إلى قدوة لنساء شمال سيناء.

"حنان مقيبل" سيدة تعيش في "بئر العبد" بشمال سيناء، تنتج يداها مشغولات يدوية بألوان التراث السيناوي بإتقان لا مثيل له، بعدما تعلمت على مدى سنوات كيف تمزج الأشكال والألوان المحببة إلى "السيناوية" لتخرج في النهاية قطعا فنية تعكس الثقافة السيناوية بشكل مبهر.

25 عاما هي فترة خبرتها التي اكتسبتها من الممارسة رغم دراستها في كلية الهندسة الزراعية، وهي خبرة أهلتها لتؤسس "جمعية تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ببئر العبد"، بالتعاون مع عدد من سيدات المدينة، من أجل تدريب الفتيات على تعلّم التطريز السيناوي، وتسويق منتجاتهن في الأماكن المختلفة.

"التطريز السيناوي نتعلمه بالفطرة".. كلمات أكدت بها "حنان" أن للتراث السيناوي المكتسب عبر الحياة دور أساسي في تعلّم ذلك النوع من التطريز، فلا يتم تعلّمه بسهولة لغير السيناوية، بل يتم توريثه من جيل إلى جيل، لذلك تحاول السيدة استمراره حتى يكون جزء من التراث السيناوي في امان.

"شنط، إكسسوارات وملابس مختلفة الأنواع".. بعض منتجات "حنان وفتياتها المساعدات، وكلها منتجات تحمل عبق التاريخ في طياتها، ويتجول التراث بين خيوطه وألوانها، توضح: "حصلت على منحة من الوكالة الكندية جهزت بيها المشغل، وتساعدنا مؤسسات خيرية وهيئة تنشيط السياحة على نشر منتجاتنا، لذلك تراثنا لن يندثر، هيفضل موجود بلغتنا المميزة وطريقة ملابسنا وألواننا".

إقبال كثيف من قبل المواطنين في المحافظات الأخرى على شارء منتجات سيناء التراثية، لذلك تبحث "حنان" دائما عن الاستفادة من ذلك الرواج، وتنقل خبرتها في فنون التطريز إلى عشرات الفتيات من بنات المحافظة الحدودية، تردف: "بنصنّع كميات كبيرة من المنتجات السيناوية البدوية، عشان كدا الفترة الأخيرة أصبحت أميل أكثر للاهتمام بالإدارة وأتيح الفرصة لطاقات الفتيات الجداد على بدء حياتهم ونشر التراث السيناوي".

توضح "حنان" أن الفكرة لاقت إعجابا من قبل أهالي المدينة، لذلك سارعوا إلى إرسال بناتهن ليتعلمن التطريز السيناوي، ويرون فيه طريقة مثالية لحفظ التراث السيناوي.

"رابطة تراث مصر".. التاريخ في إيد أمينة

للتاريخ جنود يحملون راياته ويحافظون عليه من الضياع.. "رابطة تراث مصر" مجموعة شباب وحدت مجهودات عدة مبادرات في محافظات مختلفة، وساهمت في قانون يحمي التراث المصري بكل أشكاله.

أحمد منصور أحد مؤسسي "رابطة تراث مصر" بدأ في تأسيس الرابطة منذ أشهر قليلة، وذلك من خلال تجميع عدد من الشباب المهتمين بحفظ التراث، ومحاولة المشاركة بطرق مختلفة في حفظ ما تبقى من الذاكرة المصرية والتراث بأشكاله المختلفة، ومحاولة توحيد جهود عديد الروابط المهتمة بالتراث من مدن ومحافظات مختلفة، من أجل تحقيق أهدافها بأفضل الطرق الممكنة.

الخطوة الأولى الناجحة للرابطة كانت في إقناع اللجنة المسئولة بالبرلمان، بإضافة مادة تتعلق بحفظ التراث المصري بأشكاله المختلفة، يوضح "منصور": "الفكرة كانت إن المادة متبقاش مقتصرة على نوع واحد من التراث، بل تكون شاملة التراث الإسلامي والفرعوني إضافة إلى التراث المعاصر، اللي بيعاني من إهمال وعدم اهتمام مقارنة بالتراث الأقدم".

يضيف "منصور" أنه مع مرور الأيام تكتسب "رابطة تراث مصر" انتشارا أفضل، وتشترك في أنشطة متجددة مع مبادرات أخرى، منها أنشطة في محافظات بورسعيد، الإسكندرية، القصير والقاهرة وعدة مدن أخرى: "كل مبادرة أو رابطة ليها طريقتها في العمل، يعني فيه مبادرة بتهتم بالمباني الأثرية في بورسعيد، ومبادرة تانية اهتمامها الأكبر البشر، احنا بنحاول نجمع كل دا ونستغله في صالح فكرة جمع التراث الشامل".

مؤخرا أقامت الرابطة فعاليات "ناس وتراث"، أقيمت في عدة محافظات في نفس الوقت، يوضح الشاب: "بنشتغل في المبادرات اللي زي دي على احتفاليات في المحافظات المختلفة كل محافظة بطريقتها، وبنحاول نخلي كل احتفالية معبرة عن ثقافتها وتراثها وتاريخها، ودا بيحول الفعاليات دي لامتزاج ثقافي هايل".

"عبد الرحمن".. باحث يبسط قواعد الهيروغليفية في كتاب مصري

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل