المحتوى الرئيسى

أسباب التعثر | المصري اليوم

02/20 06:31

سألتنى: «لماذا تكون حياة بعض الناس صعبة وكلها ابتلاءات؟ فيما آخرون حياتهم سلسة وميسرة؟».

سؤال- على إيجازه- يحوى الكثير والكثير. أنا لا أدعى الحكمة ولا توجد لدى مصادر للمعرفة أكثر مما لديكم. ولكنى فقط أستشرف القوانين الغامضة التى تسيّر هذا العالم. أجبت: لعل هناك أكثر من سبب. خذى عندك مثلا:

البعض قد تكون اختياراته خاطئة فى مواقف مفصلية يترتب عليها مشاكل فى العمل مثلا، أو فى حياته الاجتماعية. أحيانا تكون شخصية الإنسان غير ناضجة فيقع فى كثير من المشاكل. أو يكون ضيق الخلق ملولا سريع الغضب، فيفقد الأصدقاء سراعا الواحد تلو الآخر، أو يتشاجر مع رئيسه فى العمل. أو يتهور بتقديم استقالته دون تفكير كاف. أو يكون غشيما فى ردوده يصيب غيره بالحرج، وبالتالى يبتعد الناس عنه وتجده يشكو الوحدة دون أن يصارح نفسه أنه السبب. هذه كلها عيوب فى الشخصية، وليس من العدل أن يرميها المرء على غيره، أو يدعى أنه قليل الحظ، أو يتهم الأقدار باضطهاده. أعتقد أن العلاج السلوكى لهؤلاء قد يفيدهم حقا.

وربما يكون سبب التعثر، بالعكس تماما، ناجما عن نفس نبيلة تأبى إلا فعل الصواب مهما كان فعله مكلفا. بالطبع لا يحدث التعثر طيلة الوقت، ولكنه يحدث فى مواقف مفصلية. فى هذه الحالة تكون اختياراته صحيحة تماما من الناحية الأخلاقية ولكن يترتب عليها أذى. وما أكثر ما يحدث الأذى للنبلاء فى المجتمعات المستبدة.

إذا وقف النبيل فى وجه الفساد، إذا صدع بكلمة الحق مهما كانت الضغوط عاتية، هذه كلها مواقف يترتب عليها أذى بالغ، قد يصل إلى الرفت من العمل وأحيانا السجن، خصوصا إذا كان من حوله خانعا يغلب جانب الحذر على نصرة الحق، ولا ينتصر للمظلوم مهما كان نبيلا.

هذه مواقف من فرط تكرارها صارت مملة. وإن أشياء نسمعها لو تفكرنا فيها لأصبنا بالجنون. مثلا: تصور أن الإمام على، فارس الإسلام وحبيب رسول الله، ظل يُسب على المنابر سبعين عاما كاملة. يسب من فوق منبر رسول الله الذى يشهد بحبه. سبعون عاما كاملة والمسلمون يسمعون سبابه، فكم عدد من تحرك وأعلن الرفض أو أبدى سخطه؟ واحد! اثنان! عشرة! وبقى مئات الألوف، ممن يُطلق عليهم خير القرون، صامتين، يغلّبون الحذر مع الخنوع على مضارب سيوف بنى أمية؟

الإمام على، وهو مضرب الأمثال فى النبل، عاش تعيسا ومات وهو يدعو على قومه! هذه حقيقة غير مستطاع إنكارها. فهل نرمى الذنب عليه؟ أم على قومه الذين لم يرتقوا إلى أفق نبله؟

بالتأكيد تحدث المتاعب بسبب المواقف الشجاعة النبيلة، فيما الناس الذين يغلّبون جانب الحذر ويأبون المجازفة تكون حياتهم هادئة وميسرة.

أحيانا نفهم وكثيرا لا نفهم. أحيانا نهضم وكثيرا لا نهضم. لكن فى النهاية، ومهما حدث، ينبغى أن نتذكر حقيقة أن الدنيا ليست هى نهاية المطاف، وأن القاعدة الكبرى التى تحكم كل ما لا نفهمه فى مقادير العباد، أوجزتها هذه الآية: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل