المحتوى الرئيسى

وجهة نظر: مؤتمر ميونيخ للأمن ـ هل وصلت الدبلوماسية إلى النهاية؟

02/19 17:21

سادت في السابق أوقات انطلقت فيها من مؤتمر ميونيخ للأمن إشارات التفاهم والأمل. إلا أنها ظلت غير ملموسة خلال مؤتمر الأمن الـ 54 الذي جاء تحت عنوان " إلى الحافة ـ والعودة؟"، وهو ما ينسجم إلى حد ما مع الوضع العالمي. وبعد ثلاثة أيام بات واضحا أن علامة الساعة تشير إلى النزاع، وعلامة الاستفهام وراء الرغبة العامة في مغادرة الحافة يجب أن تبقى. وبرهن مؤتمر الأمن مجددا على أنه مكان تُطرح فيه المخاطر المختلفة للعالم على الطاولة للفرز والدراسة. لكن يبدو أن الدبلوماسية وصلت إلى نهايتها في هذا المؤتمر. ويبقى أن الفضل الكبير يعود لرئيس المؤتمر فولفغانغ إيشنغر في حشد فاعلين مختلفين من معسكرات مضادة في مكان واحد. لكن قاعة المؤتمر تحولت في الأثناء إلى منصة للخطابات المتناقضة غير القابلة للانسجام فيما بينها. تفاهم حقيقي، ومقترحات حلول بناءة في مواطن نزاع؟ لا وجود لها!

نبرة خشنة عوض تعامل حاذق

واتضح هذا بوجه خاص في اليوم الأخير للمؤتمر. فالاتهامات المتبادلة طغت على النبرة في التصريحات ـ المنفصلة ـ لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير. وعلاوة على ذلك ذكّرت تصريحات الجبير وظريف بمتاهة الوضع قبل عام. وحتى رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشنغر ـ كدبلوماسي ملتزم في الحقيقة بتفاؤل حذر ـ لم يكن بوسعه في ختام المؤتمر سوى ملاحظة أنه لم يتم الاستماع إلا إلى القليل حول خطوات ملموسة لنزع فتيل المخاطر المختلفة.

ومثال إضافي هو إطلاق سراح الصحفي دينيز يوجيل من المعتقل التركي الذي طغى في اليوم الأول للمؤتمر على المحادثات في ممرات المؤتمر. وبعدها بيوم اتضح التباين في مواقف السياسيين الألمان والأتراك: فالسياسي جيم أوزدمير من حزب الخضر نزل في نفس الفندق الذي أقام فيه رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم. وبما أن حراس الأخير وصفوا أوزدمير كإرهابي، وجب وضع السياسي الألماني من الخضر تحت حماية الشرطة. والظهور الفظ للحراس الأتراك بات معروفا منذ الزيارة التي قام بها اردوغان لواشنطن. وأن يتهم وزير الخارجية التركي شاووش أوغلو لاحقا أوزدمير بالافتراء، فإن هذا لا يحسن من الوضع. وفي هذا الإطار لا يجب التعجب من الدفاع القوي عن التدخل العسكري ضد الأكراد من قبل يلديريم وشاووش أوغلو.

وبرهن الرئيس البولندي ماتويس مورافييسكي على نهاية الدبلوماسية كفن للتعامل الحاذق مع اللغة. فعندما سُؤل من قبل صحفي عما يسمى "قانون الهولوكوست"، اعترف مورافييسكي بوجود جناة بولنديين. ليواصل "...كما وُجد جناة يهود وآخرون روس وأوكرانيون وليس فقط جناة ألمان".

وحتى في العلاقة الصعبة للغرب لم تطغى الدبلوماسية على المشهد، بل الاتهامات المتبادلة. فرئيس أوكرانيا بوروشينكو عرض موسكو كمنبع لجميع الشر في أوروبا. وطالب بممارسة ضغط أقوى على موسكو، ورفض كل تخفيف للعقوبات وتمنى انضماما سريعا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

في المقابل اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي بدت عليه معالم القلق أوروبا بالعودة إلى زمن النازية، ووصف الاتهامات الأمريكية بسبب التأثير على الانتخابات بالكلام الفارغ، وأعلن بالنظر إلى مخططات التسليح النووي الأمريكية أن روسيا مجبرة بالطبع على المواكبة. والوفد الأمريكي ادعى ـ باستثناء وزير الخارجية السابق جون كيري ـ ملكية التفوق الأخلاقي. فبدون أية شكوك ذاتية أطلق الوفد دون محاولات واضحة لفهم المواقف المتضاربة اتهامات ضد روسيا وإيران، وراهن على الضغط والقوة العسكرية. ويبدو أن الدبلوماسية تعني القليل بالنسبة إلى واشنطن، كما اشتكى الأوروبيون عدة مرات الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا تكشفه الاقتطاعات في ميزانية وزارة الخارجية. وإذا كانت المحادثات ـ حتى ولو حصلت ـ تتم فقط انطلاقا من موقع التفوق العسكري، فإنها ليست محادثات، بل إملاءات.

وعلى الأقل إلى جانب نحو 30 جلسة في قاعة المؤتمر، حصلت 1000 من اللقاءات الثنائية في غرف الفندق الذي احتضن المؤتمر. ولذلك قارن فولفغانغ إيشنغر الجزء الرسمي للمؤتمر "بقمة جبل جليد". وهنا يأمل المرء في أن لا تكون هذه القمة ممثلة للجزء غير المرئي تحت الماء.

انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن للمرة الأولى في عام 1963. آنذاك كان يُسمى بـ" اللقاء الدولي لعلوم الدفاع". وكان الآباء المؤسسون هما الناشر الألماني إيفالد فون كلايست، وهو أحد مؤيدي المقاومة ضد نازية أدولف هتلر في "الرايخ الثالث" - والفيزيائي إدوارد تيلر. بيّد أن المؤتمر غير اسمه لاحقاً إلى "المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع"، ومن ثم أصبح اسمه "مؤتمر ميونيخ للأمن".

تكمن أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن في كونه منصة فريدة من نوعها على مستوى العالم يتم من خلالها بحث القضايا الأمنية. كما أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل بشكل غير رسمي على مدار ثلاثة أيام. وخلال تصنيفها الجديد وضعت جامعة بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر ميونيخ للأمن للمرة الرابعة على التوالي في مرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم.

يتوقع أن يشارك في مؤتمر الأمن الدولي، الذي افتتح اليوم الجمعة (16 شباط/ فبراير 2018) في مدينة ميونيخ الألمانية أكثر من 500 مشارك رفيع المستوى من جميع أنحاء العالم. ويتكون الحضور من 21 زعيم دولة وحكومة، من بينهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتمثل الحكومة الألمانية وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين.

يعقد المؤتمر وسط مدينة ميونيخ، في الفندق الفاخر "بايريشر هوف" (Bayerischer Hof). وبالرغم من توفر الفندق على 340 غرفة - بما في ذلك 65 جناحاً - و 40 قاعة للمؤتمرات، إلا أن كثافة الحضور الدولي، تشكل تحدياً للفندق. ولهذا شُغل حوالي 250 موظفاً إضافياً خلال المؤتمر، إضافة إلى عدد موظفيه الاصليين البالغ حوالي 700. ويثمن المشاركون جودة الفندق وموقعه المركزي، كما يشكل المؤتمر دعاية مجانية هائلة للفندق.

يتم تأمين المنطقة حول فندق المؤتمر. ولا يسمح بالدخول لهذه المنطقة سوى للأشخاص الذين يمتلكون تصريح بالدخول. ويذكر أنه في العام الماضي تم نشر حوالى 4 آلاف شرطي حول المنطقة من أجل حماية المؤتمر. وبحسب معطيات الشرطة، يتوقع أن يتم الحفاظ على نفس العدد من أفراد الأمن هذا العام.

وكما يحدث في كل عام، أُعلن هذا العام أيضاً عن مظاهرات مناهضة مؤتمر ميونيخ للأمن. وفي العام الماضي، حشد "التحالف ضد مؤتمر أمن الناتو" معظم المشاركين، الذين بلغ عددهم نحو 4 آلاف مشارك. ويخطط التحالف هذا العام أيضاً للتظاهر والتطويق الرمزي لمؤتمر "ميونيخ للأمن" تحت شعار "السلام بدل التسليح، ولا للحرب".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل