المحتوى الرئيسى

رحلة «تنظيم داعش» في تجنيد 500 إخواني خلال عامين

02/18 19:04

​أعمارهم تتراوح ما بين 24 و30 عاما.. وأشهرهم الضلعي «أمير الحسبة» وعمر الديب والبراء حسن الجمل

إرهابي خلية أرض اللواء كان أحد تلامذة «حسان وفوزي السعيد».. ووالده اعتُقِل 15 مرة وكان متهمًا في خلية اغتيال نجيب محفوظ.. وشقيقه محتجز في «طرة»

​ما إن انتهى الشاب أحمد مختار (اسم مستعار) من الاحتفال بعيد ميلاد طفلته الصغيرة منى التي أتمت عامها الأول حتى جهزت له زوجته حقيبة سفره في ساعة متأخرة من ليل الشتاء وحملته بـ"الزوادة" التي تكفيه طيلة الشهر الذي يغيبه عنهم، ومع طلوع الفجر ارتدى مجند الشرطة بدلته الميري ثم سلم على والديه وقبَّل يديهما وضم طفلته النائمة بين ذراعيه وودع زوجته، وودع قريته الصغيرة الواقعة في أطراف إحدى محافظات الوجه البحري ووصل إلى مقر خدمته العسكرية في محافظة شمال سيناء.​

هناك في قلب صحراء مترامية الأطراف داخل مركز بئر العبد لا يسمع المجند أحمد وزملاؤه الثلاثة الآخرون سوى صوت صداهم، حيث يقتلون اليوم وساعاته الطويلة في الحديث عن ذكريات الطفولة واجترار وقائع وحكاوى الريف على رائحة القهوة التي تنبعث من السبرتاية المجاورة، وبينما هم كذلك قطع صوت هدوئهم قذيفة صاروخية مباغتة استهدفت الحاجز الأمني الذي يتمركزون فيه ووقعوا جميعا بين قتيل وجريح، لم يتحمل أحمد الشظايا المتفرقة التي سكنت جسده الضعيف ومات أثناء الهجوم الغادر وأصيب زملاؤه الثلاثة ونقلوا جميعا إلى مستشفى بئر العبد ونزل الخبر كالصدمة على زوجته ووالدته المريضة بالقلب والسكر فلم تتحمل وقع الصدمة فماتت كمدا على رحيله.

​أحمد كان واحدًا من بين 720 شخصا وقعوا ضحايا لأعمال العنف والإرهاب في سيناء خلال الفترة من 25 يناير عام 2011 حتى عام 2016 حسب بيانات وزارة الداخلية والمتحدث العسكري، منهم 154 ضابطا و333 ما بين أمين وفرد شرطة و22 خفيرا نظاميا و206 مجندين و5 موظفين مدنيين وما يقرب من ألفي مصاب خلال نفس الفترة.​

يوما تلو الآخر يدفع المجندون وضباط الجيش والشرطة الذين يخدمون في سيناء أرواحهم جراء تلك الهجمات الإرهابية الغادرة التي تتصاعد وتيرتها مما يدفعهم للرد المناسب، وقبل 10 أيام أطلقت القوات المسلحة عملية عسكرية كبرى في سيناء لتطهيرها من العناصر الإرهابية تحت عنوان "العملية الشاملة سيناء 2018"، نجحت خلالها مع قوات الشرطة المدنية في تدمير عشرات الأوكار ومخازن الذخيرة والسلاح إلى جانب تصفية عشرات العناصر الإرهابية في مناطق شمال ووسط سيناء وما زال التطهير مستمرا.

​في سياق متصل أثار الظهور المفاجئ للشاب العشريني عمر إبراهيم الديب نجل القيادي الإخواني وخريج جامعة «ملتميديا» بماليزيا، المنضم حديثا إلى صفوف «داعش» مهددا ومتوعدا قوات الجيش والشرطة بالقتل والانتقام بعد أن أعلن مبايعته لأمير التنظيم أبو بكر البغدادي، كثيرا من الأسئلة حول قواعد جماعة الإخوان المسلمين المنضمين إلى التنظيمات الإرهابية، والموجودين حاليا على جبهات القتال المتفرقة فى سوريا والعراق وسيناء يحاربون بالوكالة عن التنظيم.

أثناء اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية خرج القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي المحبوس حاليا في أحداث قصر الاتحادية عقب أحداث 30 يونيو 2013 والإطاحة بمرسي ليؤكد بين أنصار الجماعة أن «هذا الذي يحدث في سيناء من تفجيرات وأعمال إرهابية يأتي ردا على ما سماه بـ(الانقلاب العسكري) الذي لن نقبل به ولو على رقابنا وسوف يتوقف في الثانية التي يعلن فيها عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، أنه تراجع عن هذا الانقلاب، ويصحح الوضع ويرد الحق إلى أهله ويعود الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى سلطاته في قصر الاتحادية».

هنا بدأت العلاقة تتشكل شيئًا فشيئًا بين عناصر الجماعة وبخاصة الأشبال أو ما يعرف بالقواعد، وتلك التنظيمات المسلحة التي تنتشر في أرض سيناء، وفي بلاد الرافدين، تعددت المسميات لكيانات إرهابية عدّة متباينة في الأسماء فقط، متحدة في الأيديولوجية والفكر والعتاد للسير في طريق داعش تارة من أجل الثأر القديم وتارة أخرى لإثبات الولاء وتولي القيادة.. مستندات ووقائع تاريخية وعناصر إخوانية رصدناها تؤكد جميعها، بل وتثبت أنه مهما كثرت الفروع فإن الأصل واحد.

عبر تسجيلاتهم المتعددة ورسائلهم المتفرقة على موقع "يوتيوب" توصلنا إلى مدى العلاقة الوثيقة التي تربط قيادات تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بأفكار حسن البنا وسيد قطب المرجع الفكري الذي اقتبس منه أبو مصعب الزرقاوي، أمير تنظيم القاعدة من كتاباته وأفكاره الدموية، قائلًا: "إن الطريق مفروشة بالأشلاء، لا بل إنها مفروشة بالأشلاء والجماجم".

ليس الزرقاوي وحده من سار على نهج قطب، بل سبقه مؤسس التنظيم عبد الله عزام، الزعيم الروحي للأفغان العرب الذي كان يتحرك وفق كتابات البنا ومنهج قطب وكذلك خليفته الحالي المهندس المصري أيمن الظواهري كانوا جميعا قيادات سابقة في جماعة الإخوان المسلمين.. قادوا رجالهم بأفكار الجماعة، ففي فيديو منشور له عبر الإنترنت وجه عزام رسالة غاضبة ومهددة جاء فيها: «إذا كان حسن البنا قُتِل في أكبر شوارع القاهرة بميدان رمسيس وقُضي عليه في داخل غرفة العمليات، ولم يُصلّ عليه إلا أربع نساء فقط، إلا أن دمه أحيا أجيالًا.. أي سنة هذه وأي ثبات وحبل المشنقة يلوح حول ناظريه يطمئن الأحياء على قدر الله وبقدره".

وهناك نصوص عدة صارخة وردت داخل كتاب سيد قطب «معالم في الطريق» تصم المجتمع بالجاهلية ويقوم صاحبه بتكفير المجتمع والدولة وإسقاط المؤسسات وتحقير الدولة بشكل مباشر ووضع نواة تتجدد مع تغير الزمن لإسقاط الدولة وإقامة دولة الخلافة المزعومة.

وفي كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» الذي ينقل فيه جزءا من حياة رفقائه في التنظيم جاء فيه أن سيد قطب هو الذي وضع دستورهم عبر كتابه "معالم في الطريق" ومصدرهم لإحياء الأصولية حين أكد أن «النص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها فهي حدود الطاقة إلى أقصاها بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقاتها».

بعيدا عن المرجعيات القطبية والفكرية التي يسير عليها قادة التنظيمات المسلحة، فإن هناك عدّة عوامل ساعدت على تلاقى الأفكار المتطرفة بين التنظيمات الإسلامية المختلفة، بين الشرق والغرب وكان خطاب رابعة العدوية قبل فض اعتصام الإخوان في أغسطس 2013 بمثابة الشرارة التي قتلت السلمية بين أبناء الجماعة والعناصر الإخوانية الشابة حسب القيادي السابق بالجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم والذي حولهم من مجرد أشخاص عاديين يحملون الفكر إلى تكفيريين وقتلة، فالخطاب التكفيرى والحربى كلاهما يصب فى معين واحد، وبالتالى تولد لدى قطاع عريض من شباب الإخوان يقين وإيمان تام بأن المواجهة الدامية واجبة بناء على تعليمات قادة الجماعة لهم ثم جاء أمر الفض الذى اتسم بالعنف والقوة الزائدة.

هنا تحول الشباب السلمي المؤمن بأفكار الجماعة إلى تبني الفكر التكفيرى والقيام بالتفجيرات الدامية سواء من خلال تنظيمات إرهابية مثل "لواء الثورة" و"حسم" وغيرهما ممن يمثلون نموذجًا رافضًا للسلمية، أو عبر السفر والانضمام لتنظيم داعش بعد أن تولدت عندهم مشاعر الرغبة فى الانتقام، خاصة أن "الإخوان" نفسها فقدت السيطرة على قواعدها وأصبحت جماعة ممزقة ومفككة من الداخل عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وخطأ الدولة هنا -بحسب ناجح- أنها لم تترك الحكماء والعقلاء من الجماعة خارج السجون للتأثير على شباب الجماعة المتحمسين، فضلا عن الأحكام المتشددة التى صدرت فى حق قيادات الإخوان والتي جعلت هؤلاء الشباب الصغار يفقدون الأمل فى أى تحرك سلمي.

وكشفت مصادر لـ«التحرير» أن أعداد شباب الجماعة المنضمين لصفوف داعش يتراوح بين 300 و500 شاب من إجمالي 3 آلاف شاب مصري من تيارات إسلامية متعددة وغالبيتهم سافروا إلى قطر وتركيا عقب أحداث 30 يونيو 2013 وفض اعتصامي رابعة والنهضة والإطاحة بنظام حكم الإخوان وعزل الرئيس محمد مرسي مما أثار غضب قواعد الإخوان ونقمهم على الدولة وكرهها ويتمنى أحدهم لو أتت له الفرصة لحرقها، وكان التواصل بين الطرفين يجري من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي استغلها التنظيم جيدًا لتجنيد هؤلاء الشباب للانضمام إلى التنظيمات المسلحة في بلاد الشام «جبهة النصرة وجيش محمد وداعش».

ووفق المصادر فإن غالبية هؤلاء الشباب من مواليد التسعينيات وتتراوح أعمارهم ما بين 24 و30 عامًا، وعلى رأس من هاجروا للقتال في صفوف جبهة النصرة وجيش محمد في سوريا والعراق «عمر إبراهيم الديب، وليد السرساوي وشهرته وليد عرفات، عزام مسعود، أبو ياسين الظاهري، محمد مجدي الضلعي وشهرته أبو مصعب المصري، مالك الأمير عطا، أحمد السيد وشهرته أبو مريم، همام عطية وشهرته مجد الدين المصري، مهند غلاب وشهرته أبو سليمان المصري، عبد الرحمن عبد الناصر، أبو صفي المصري، محمد خفاجة، عمر مصطفى وشهرته أبو بكر الموحد، أحمد عبد الحكيم، البراء حسن الجمل».

عمر إبراهيم رمضان الديب ابن القيادي الإخواني والأكاديمي البارز المقيم بماليزيا الدكتور إبراهيم الديب، كان آخر العناصر الإخوانية التي استقطبها تنظيم «داعش» مبكرًا لتنفيذ أعمال مسلحة ضد قوات الجيش والشرطة بسيناء في غفلة من أسرته.

دون مقدمات سافر عمر ابن الـ24 عامًا إلى أرض الشام دون استئذان والده، لإعلان البيعة لأمير التنظيم والانضمام إلى صفوفهم من أجل ما وصفه بـ«نصرة الحق»، بعد عامين على أحداث رابعة وأُرسِل لاحقًا إلى القاهرة لتشكيل خلية إرهابية، أو كما يطلقون عليها «خلية أمنية»، ونشر له التنظيم فيديو في سيناء، وهو يحمل السلاح ويرتدي الزي العسكري الخاص بالتنظيم ويبتسم للكاميرا في بلاهة، موجهًا رسالة شكر وتأييد إلى "أبو بكر البغدادي"، زعيم التنظيم، مؤكدًا أنهم يسيرون على دربه، معترفًا بمشاركته في عمليات عديدة ضد أكمنة الجيش والشرطة وداعيا لوالده بالهداية إلى دينهم.

وادعت جماعة الإخوان وقنواتها الإعلامية التي تبث من تركيا أن عمر كان «مختفيًا قسريا»، بعد القبض عليه خلال زيارة لأسرته في القاهرة، واتهمت السلطات المصرية بـ«تصفيته»، في سبتمبر الماضي مع عدد آخر من المسلحين، وقد نعاه التنظيم عبر فيديو مصور مدته 25 دقيقة اختتمه بعبارتي: «السلمية عار».

وفي ظروف غامضة انقلبت أحوال الأسرة الهادئة وتحول الشاب الجامعي إلى قاتل وعضو نشط في جماعة «حماة الشريعة» التابعة لتنظيم داعش، الوالد فوجئ بما حدث وأصيب بصدمة قلبية نُقِل على أثرها للمستشفى وتواصل "التحرير" معه هاتفيا وبصوت مضطرب أعلن أن عمر لم يمارس العنف في حياته قط، قائلًا: «نحن أصحاب رسالة وتربينا على مائدة القرآن منذ الصغر في جماعة الإخوان.. نحن سلميون وسنظل سلميين ولو قتلوا كل أبنائي».

عمر كان متحمسًا بشدة للإخوان وفكرهم أكثر من والده الذي كثيرًا ما كان يدخل في صدامات فكرية معه ويرفض انتقاداته المتكررة للجماعة في مقالاته لموقع "المصريون" وأحد أقرب أصدقائه كان أحمد عاصم المصور الصحفي بشبكة "رصد" الإخوانية الذي قُتِل في أحداث فض اعتصام رابعة العدوية وهذا تقرير الوفاة بتاريخ 9 سبتمبر 2017 بناءً على قرار النيابة رقم 79 لسنة 2017 أمن الدولة.

الحسرة بدت واضحة على صوت الأب الإخواني الذي فقد اثنين من أبنائه في عام واحد وأعلن براءته إلى الله من كل ما جاء في فيديو داعش بقوله: «ابني اتسرق مني فكريا وروحيا وبدنيا، ووقع ضحية كبرى لمخططات دولية لحساب المشروع الصهيو أمريكي.. والله العظيم أنا مثلكم تماما فوجئت بهذا الفيديو وأنا فى حالة ذهول حتى الآن فالجامعة التي يدرس بها تقع في مدينة تبعد عن سكن العائلة 400 كيلو كان يأتيني يومين فقط كل شهر، خاصة في العام الأخير قبل وفاته، ونزل مصر مع "الجامعة" في مؤتمر تعريف الطلاب الجدد وعادت بعثة الجامعة ولم يعد ابني وأخبرنا بعد ذلك أنه سيظل هناك فترة لزيارة الأهل والأصدقاء والفسحة ومن بعدها انقطعت أخباره حتى فوجئنا بخبر قتله في خلية إرهابية عبر بيان الداخلية».

أعلنت وزارة الداخلية في القضية رقم 79/2017 حصر أمن الدولة تحت مسمى «داعش 4» إلقاء القبض القبض على عمر الديب ضمن عناصر «خلية أرض اللواء»، في محافظة الجيزة داخل شقتين كانوا يستخدمونهما كوكرين لهم، وقتلت قوات الأمن 8 أفراد من عناصر الخلية، لاتهامهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون والدستور، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف قوات الأمن والقضاء.

من جانبها، أكدت مصادر قضائية أن القضية أُحيلت لأمن الدولة وفقًا لنص المادة 158 من التعليمات العامة للنيابات في المسائل الجنائية باختصاصها بالتصرف فيما يقع في جميع أنحاء الجمهورية من جرائم الجنايات والجنح والمفرقعات والرشوة والجنح المتعلقة بالأديان وغيرها.

لم يكن عمر الديب وحده المتهم في خلية أرض اللواء، بل كان معه 6 آخرون جميعهم من مواليد التسعينيات وكان من بينهم الشاب العشريني معاذ أحمد يحيى أحد أبناء إمبابة (شارع النور بتاج الدول) والذي قال عنه أحد جيرانه إنه اختفى قبل الأحداث بثلاثة أشهر بعد انتقالهم إلى عين شمس وكان شابا شديد الهدوء مع أهله وجيرانه منعزلا لا يتحدث مع أحد.

كان الشاب العشريني معاذ يعمل في صيدلية قريبة من منزله طوال فترة الإجازة المدرسية لمساعدة ذويه، وساءت حالته أكثر عقب وفاة والده بصورة جعلته يترك العمل ويغادر المنطقة ويهرب خارج القاهرة حتى فوجئ الأهالي بظهوره ضمن عناصر الخلية الإرهابية التي تم تصفيتها في أرض اللواء.

من حي إمبابة الشعبي إلى أطراف حي المطرية قرب الطريق الدائري داخل حارة شعبية متطرفة تقع في منطقة عرب الطوايلة هناك التيار الديني يحكم الجميع، فغالبية الأهالي موزعون بين تيارين فقط «السلفيون والإخوان» ومن داخل عزبة شوقي التي تقع بالقرب من منطقة الخصوص، التقينا أسرة الطالب بالفرقة الثالثة بكلية آداب حلوان، حمزة هشام حسين إبراهيم، الذي تم تصفيته هو الآخر ضمن أحداث خلية أرض اللواء مع عمر الديب ورفاقه الإخوان، الجيران لا يعرفون شيئًا عن شاب العزبة وتوصلنا إلى عنوان منزله من بين أوراق النيابة العامة في القضية رقم 79/2017 حصر أمن الدولة.

البيت متواضع والأسرة صغيرة مكونة من 6 أشقاء صغار، بينهم فتاتان ترتديان «الإسدال» وباقي الإخوة يحملون أسماء الصحابة «عمر، سلمان، صهيب» وكلهم طلبة في المعاهد الأزهرية باستثناء حمزة، والأم منتقبة، والزوج مطلق لحيته وغرفة الاستقبال بها «بورتريه لمنظر طبيعي» وحيدا معلقًا على الحائط وفي الجوار مكتبة صغيرة لا تتسع إلا لكتاب الله وعدد من الأشرطة الدينية للشيخ حسان ومحمد حسين يعقوب ومجموعة من الكتب الدينية الأخرى التي غطى التراب أوراقها من طول إهمالها.

هشام حسين، والد حمزة أحد أبناء الدعوة السلفية في القاهرة تم اعتقاله أكثر من 15 مرة على مدار العشر سنوات الأخيرة بسبب نشاطه الديني وحضوره الدائم لدروس المشايخ ويعمل سائق تاكسي وأثناء وقت فراغه يوزع أشرطة وكتبا دينية في المسجد على أبناء منطقته، ولكن المفاجأة التي توصلنا إليها أثناء الحديث معه أنه كان واحدًا من بين 25 متهمًا تم اعتقالهم في التسعينيات ضمن تنظيم متهم باغتيال الكاتب والأديب المصري نجيب محفوظ في منتصف التسعينيات بسبب روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا».

«كل ضابط يترقى جديد كان بيستدعيني في أمن الدولة وقلت لهم أنا من عيلة كبيرة وولادي مصيرهم مهدد بوجودي هنا».. يتذكر السائق تفاصيل الاستدعاءات الأمنية العديدة التي وقعت له، موضحًا أن التنظيمات الإرهابية سواء "داعش" أو أي تنظيم آخر مسلح سببه الأكبر الاضطهاد الأمني للشعوب ومنع الدعوة والتضييق عليها وبالتالي يتم تحويل الشاب العادي الذي يكفر بكل شىء إلى الانضمام للخلايا الإرهابية والتنظيمات المسلحة.

يتذكر الوالد الحزين على ولده الأكبر أيام ثورة 25 يناير «الحمد لله ما حضرناش هوجة الثورة بس فرجت العيال عليها من عربيتي من على كوبري أكتوبر، ونزلت اعتصام رابعة زي الناس وكنت بأصلي هناك التراويح والقيام ومشيت قبل الفض».. يقول الوالد الأربعيني إن نجله الراحل حمزة كان أحد تلامذة الداعية السلفي الشهير الشيخ محمد حسان، والشيخ فوزي السعيد القيادي في تحالف دعم الإخوان وكان شديد الحرص على حضور دروسهم الدينية والقوافل الدينية وتربى منذ صغره على المنهج السلفي، وبعد عزل الرئيس محمد مرسي بدأ حمزة يشارك في تظاهرات الإخوان وشقيقه الثاني عمر الذي تم إلقاء القبض عليه قبل 8 أشهر بتهمة الانضمام لجماعة محظورة بعد اختفاء دام لأكثر من 3 أشهر.

من حين لآخر يتذكر الأب كلمات نجله المحبوس التي يشكو من خلالها تصرفات السجناء معه داخل مكان الاحتجاز بأن «الشباب الإخواني هنا بيكفروا أهاليهم».

التحول الأكبر في حياة حمزة الذي كان يعمل "صنايعي" في «الجبس المعلق» بدأت أثناء تعرفه على فتاة جامعية وطلب أن يرتبط بها ورفضه والد الفتاة (الموظف في مطار القاهرة) لمستواه الاجتماعي ونشاط والده الديني، رغم أن عادات العرب أنهم لا يتزوجون من خارج العرب، مما أصاب الابن بحالة نفسية سيئة دفعته للصدام مع إخوته والاشتباك اللفظي مع والديه الذي اعتدى عليه وطرده من البيت رغم ارتباطه الشديد به.

إلى ما يقرب من عام اختفى الابن الأكبر وانقطعت الاتصالات بينه وبين أسرته التي تبكيه حتى الآن حتى جاءهم خبر تصفيته عبر وسائل الإعلام، الأب الملتحي يتساءل: «في حاجة غلط في الموضوع.. المفروض الأمن يفهمها لي، ولك أن تتخيل أول ما سمعت خبر ابني جريت على أمن الدولة وماحدش وصلني لشىء وكل اللي قالوه لي روح استلم جثة ابنك"، وحين استلمت الجثة لم يتم إعطائي تصريح الدفن، ولكن قيل لي «جار البحث» وطوال الجنازة كان معنا سائق من الأمن على تواصل دائم مع أفراد الشرطة من قسمي شرطة السيدة عائشة والوايلي للانتهاء من إجراءات الدفن.

قضية حمزة تركت آثارها الجانبية السيئة على باقي إخوته، فشقيقه الثالث سلمان الطالب في المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة أصبح دائم التردد على المقاهي ويخشى الذهاب للمساجد لأداء الصلاة حتى لا يتم إلقاء القبض عليه مثل أخيه وأثناء استخراج الأب شهادة الوفاة لابنه أخبرته موظفة الأحوال المدنية: «ماتفتكرش إنك تطلع شهادة وفاة» ويستطرد الوالد الحزين: «ضنايا راح أعمل إيه دلوقتي بالشهادة.. مصيبتي دلوقتي في عمر المحبوس وكوم اللحم اللي جوه دول مستقبلهم ضاع ومافيش حد فيهم هيقدر يتوظف أو يدخل الجيش أو الشرطة».

خلال رحلة البحث عن عناصر الإخوان في صفوف تنظيم داعش توصلنا إلى طالب آخر بـ«هندسة القاهرة» يُدعى محمد مجدي الضلعي أحد أبناء مدينة الرياض بمحافظة كفر الشيخ كانت جماعة الإخوان المسلمين أعلنت في بيان لها «اختفاءه قسريا» منذ عام 2015 وفقا لما جاء في تقرير حقوقي يحمل اسم «صرخة وطن.. متى تنتهي» صدر قبل نهاية 2017 عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات «ECRF» ووفقا للتقرير فقد كان الضلعي في الفرقة الأولى من دراسته الجامعية في كلية الهندسة بجامعة القاهرة واختفى عشوائيا في أبريل 2015.

عبر التواصل الهاتفي مع أسرة محمد، التي انتقلت من كفر الشيخ للاستقرار في قرية الرمانة بمحافظة شمال سيناء أكد والده أن ابنه كان متوجها إلى مكتب تجنيد الجيش في مدينة العريش الذي يقع بالقرب من منزله، ولكنه اختفى فجأة وبعد أسابيع من اختفائه تلقت الأسرة معلومات غير مؤكدة تشير إلى أن ابنهم اعتُقِل من قبل كتيبة الجيش رقم 101، ومقرها في منطقة شمال سيناء.

التقينا أحد زملائه المقربين داخل كلية الهندسة، متحفظًا على ذكر اسمه والذي أكد أن "محمد" رغم تفوقه الدراسي كان يمتلك فكرًا سلفيا جهاديا، وكان أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين النشطين في محافظة كفر الشيخ، وكانت له آراء فقهية صادمة مثل تجريم الاختلاط بين الأولاد والبنات في الجامعة أو تدريس الأساتذة السيدات لطلبة الجامعة ولم يتفاجأ صديقه بالفيديو المصور المعروض له عبر موقع «تنظيم داعش» الذي يفتي من خلاله بقتل المصلين في مساجد الصوفية بعد أن انتقل إلى سيناء للانضمام لصفوف داعش.

جاء ذلك عبر الفيديو المصور الذي تبلغ مدته 25 دقيقة يردد من خلالها الضلعي المُكنى بين أفراد التنظيم بـ"أبو مصعب المصري" بعض العبارات التحريضية والأفكار الهدامة التى تروج لنشر الفوضى فى المجتمع المصري وحدد 3 مساجد للصوفية في سيناء وهدد باستهدافها، وهي مسجد الروضة بسيناء الذي شهد المجزرة البشعة، وزاوية العرب بالإسماعيلية، وزاوية سعود بالشرقية، كما هدد باستهداف الزوايا التابعة للطريقة الجريرية الصوفية، وزوايا أخرى للطائفة الأحمدية بسيناء وبسبب فتواه هذه قُتِل 305 مواطنين مدنيين في أحداث مسجد الروضة وهم يؤدون صلاة الجمعة.

المفاجأة التي توصلنا إليها عبر هذا التحقيق أن هذا القيادي المصري البارز في التنظيم المسلح لا يزال مقيدًا في جداول طلبة كلية الهندسة جامعة القاهرة حتى الآن.

في البداية رفض عميد الكلية الإدلاء بأي معلومات أو أخبار عن مصير هذا الطالب الذي يراه مجرد طالب عادي ومن ثم فأي معلومات أو أخبار عنه لا تهم أحدًا من الناس، والأهم من ذلك أنه لم تصله أي تعليمات عليا بشأنه تحديدًا، ولكن حين عرضنا له صور طالب الكلية في التنظيم الداعشي، وحديثه المصور وفتواه بقتل المدنيين أوضح الدكتور السيد تاج الدين، عميد كلية الهندسة أن هذا الطالب متغيب عن الكلية منذ أكثر من عامين بعد أن نجح في مرحلة «إعدادي» وحاليا لا يزال مقيدًا ضمن طلاب الفرقة الأولى.

واستدرك قائلًا: «ليس لدينا أي طالب منتظم في الدراسة بالكلية له نشاط مرصود أو تم رصد أي أنشطة متطرفة أو إرهابية لهم خلال العامين الجاري والماضي، وطلبة الهندسة مثال يحتذى في الوسطية والاعتدال والانتماء والوطنية».. كرر تاج الدين ذلك أكثر من مرة مؤكدًا كلمة «منتظم»، حيث تنص اللائحة الداخلية للكلية أنه في حالة تغيب الطالب أكثر من عامين عن الدراسة فإنه يعامل معاملة الراسب وتُمنح له فرصة أخيرة لدخول الامتحان من الخارج وفي حالة عدم حضوره للامتحان يتم فصله نهائيا من الجامعة.

تاج الدين أكد أن هذا الطالب هو ذاته الموجود في تنظيم داعش، ولكن لو جاءته أي معلومة قضائية أنه متهم في أحداث مسجد الروضة الإرهابي سوف يُفصل فورًا، ولكن حتى الآن لم تأتهم معلومة بشأن هذا الطالب.

البراء حسن الجمل، طفل لم يكن يتجاوز الثامنة عشرة بعد وطالب بالصف الثاني الثانوي، كان يقيم بمنطقة المجزر التابعة لمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية تحكي والدته لنا أنه «تعرض للاعتقال للمرة الأولى في حياته عقب أحداث 30 يونيو وتحديدا في شهر يوليو 2013 حيث تعرض له أفراد مسلحون بزي مدني في أحد شوارع المنصورة واعتدوا عليه بالضرب بالأسلحة البيضاء وأصابوه بعدة جروح قطعية في رأسه وذراعيه وفخذه وتم تسليمه بعدها إلى قوات الأمن وتم ضربه بالهراوات الحديدية حتى الوصول لقسم أول المنصورة».

وخرج الشاب الإخواني نجل القيادي السابق بالجماعة البرلماني حسن الجمل، من الحبس وغادر البلاد حتى فوجئت أسرته بسفره إلى سوريا وانضمامه إلى صفوف تنظيم جبهة النصرة الموالي لتنظيم القاعدة بعد هروبه من مصر إلى السودان (المحطة الأولى للهاربين من مصر) ومنها إلى تركيا بعد الإفراج عنه ووفق مصدر مطلع "كان البراء واحدا من البارزين والبارعين في القتال على الرغم من صغر سنه".

والده حسن الجمل كان أحد المشاركين في حرب فلسطين عام 1948 ضمن كتيبة المتطوعين من جماعة الإخوان المسلمين، توفي في السجن قبل نهاية عام 1998 ودُفِن إلى جوار مرشدي الجماعة عمر التلمساني، محمد حامد أبو النصر وكان عمره لا يتجاوز السبعين عامًا، بينما كان ابنه في هذا التوقيت هاربًا في دولة السودان قبل أن يلقى مصرعه في خلية إرهابية في أكتوبر 2016.

حالة واسعة من الجدل، الدائرة حول التشكيك في قوائم المختفين قسريا خرجت بعد واقعة عمر الديب الذي أعلن انضمامه لتنظيم داعش، يقول المحامي الحقوقي حليم حنيش إن المنظمات الحقوقية دورها الرئيسى أن ترصد أي انتهاك حقوقي وتنبه الدولة له لوقفه ويتم ذلك من خلال منهجية المنظمات بتتبعها، فمنها أن يتم القبض عليه من أفراد تابعين للدولة مثل أفراد الداخلية مثلا وأن يوجد شهود علي عملية القبض أو يحدث انقطاع في الاتصال غير اعتيادي مع الشخص المقبوض عليه ويتم تقديم بلاغات للنيابة العامة ووزارة الداخلية بالواقعة.

هنا يتوقف دور منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني حسب تصريحات حنيش عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» ويبدأ دور مؤسسات الدولة الممثلة في النيابة جهة التحقيق والداخلية بصفتها متهمة عن واقعة القبض على حسب ادعاءات الأهل والدور المفترض من النيابة في مثل هذا النوع، يتمثل في التحقيق وسؤال مقدم البلاغ مع المطالبة بالتحريات اللازمة عن الواقعة وتنفيذ طلبات الشاكي ومنها مثلا "تتبع التليفون الخاص بالمقبوض عليه".

كما أصدرت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" في تقريرها السنوي لعام 2017 أن هناك 134 حالة اختفاء من أصل 378 تم توثيقها بشكل مباشر مع الأسرة أو ذوي الضحايا لحالات تم القبض عليها من الشارع وتتراوح فترات الاختفاء من أيام إلى شهور وفي حالات نادرة تتعدى العام حتى يظهروا بعد ذلك على ذمة قضايا لسنة، ويظهرون بعدها على ذمة قضايا في محاكم أمن الدولة.

وأعلن حنيش أنه لا يوجد أي منظمة حقوقية رصدت أو وثقت حالته كمختف، ولم تقم أي منظمة حقوقية داخل أو خارج مصر بالنشر عنه أنه مختف، ولم تظهر أي تلغرافات تفيد كونه كذلك.

الإشكالية هنا ليست في الاختفاء القسري حسب أحمد كامل البحيري، الباحث في شئون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي أكد أن للاختفاء أبعادا كثيرة جدا قانونية وسياسية وحقوقية، وعملية التشكيك في أعدادهم ليست مرتبطة بالإخوان أو غيرهم، ولكن ما يهمنا هنا هو تنامي انضمام العناصر الإسلامية المتطرفة إلى الجماعات الإرهابية، ومع انهيارات البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين.

وتابع "بدأ الكثير من أفرادها الدخول تحت لواء التنظيمات الإرهابية المتطرفة نتيجة وجود حالة الشعور بالانتقام ضد الدولة المصرية للقيام بعمليات مسلحة تلبي رغبتها في سيكولوجية الانتقام وعدد كبير من هؤلاء انضم لتنظيمات أنصار بيت المقدس أو أي تنظيمات أخرى حديثة مثل بيت الخلافة أو أنصار الإسلام، والجزء الآخر بدأ يشكل تنظيماته المستقلة مثل (حسم) و(العقاب الثوري) و(لواء الثورة) وغيرهم" .

وأوضح أنه: من هنا بدأ ظهور أكثر من خيار أمام القواعد الشبابية لجماعة الإخوان المسلمين للانضمام إلى تنظيمات تقليدية أو تنظيمات مسلحة مستحدثة.

كيف يستقطب "داعش" أفراد وعناصر جماعة الإخوان؟ 

يقول البحيري إن أغلب الوقائع التي تتحدث عن المنضمين لأنصار بيت المقدس وبشكل خاص من جماعة الإخوان المسلمين أو من عناصر أخرى يكون من رغبة الطرف الذي يريد الانضمام وليس من قبل التنظيم وهو ما بدا جليا في واقعة عمر الديب بناء على ما ذكره في الفيديو الذي عرضه التنظيم، فقد كانت الرغبة الأكبر لديه في الانضمام لداعش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل