المحتوى الرئيسى

«جزيرة الكلاب».. العبيد يصنعون الطغاة!! | المصري اليوم

02/17 04:01

المهرجانات السينمائية الكبرى هى بمثابة درس عملى للمقولة العربية الشهيرة (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) فكل شىء يخضع لعقارب الساعة، قطع تذكرة الدخول، أو الوقوف فى الطابور فى انتظار الفيلم، أن تحدد متى تفتح الكمبيوتر لتكتب، ثم كيف تراجعه وتنقحه فى عجالة بين الفيلمين، أسوأ كتابة هى تلك التى نسرقها من الزمن، بين فيلم وآخر، وفى العادة لا يرضى الكاتب عن المقال، لأنه مجبر على إرساله فى وقت محدد، ولم يمنحه ما يستحق من التأمل والتفكير، ويبقى الحل الثانى هو أن تنتظر حتى العودة لأرض الوطن، ومع انتشار (النت) الذى يجعل القارئ والحدث على موجة واحدة، بات هذا الحل خارج نطاق الزمن، لأن القارئ صار يسبق الكاتب.

أنت فى الخارج وبسبب الخوف المرضى من الإسلام (الاسلاموفوبيا)، وعندما تشى ملامح وجهك بأنك عربى بغض النظر عن ديانتك مسلما أم مسيحيا، فإن عليك أحيانا أن تجيب عن أسئلة من نوعية هل الإسلام مثلا يبيح فى حالة الضرورة للزوج أكل جزء من لحم زوجته؟ وبرغم أنى أنكرت أساسا وجود فتوى على هذا النحو إلا أننى اكتشفت عند عودتى فى المساء، أنها منتشرة فى العديد من المواقع ويتم تبادلها، ولا أدرى حقيقة ما مصدرها، هى فتوى شاذة بل مجنونة، ولكنها سواء موجودة أو مدسوسة لا تفرق، لأن البعض صار يتعامل معها باعتبارها حقيقة.

الإسلام، كما ترى، محور للسؤال حتى فى مهرجان فنى، وكل عربى فى عرف الأغلبية مسلم، فهم يخلطون الأمر فى كثير من الأحيان بين العربى والمسلم، ولهذا أرى أن علينا جميعا أقصد لكل من يحمل الجنسية العربية واجب تفنيد تلك الفتاوى، نعم قد يرى البعض أن الأمر ليس له علاقة بالسينما، ولكن الحياة وما يجرى فيها لا أتصور أنها من الممكن أن تغيب عن الناس، مع تكرار التواجد فى حدث ما سنويا، تجد أن هناك مساحة من العلاقة مع زملاء تسمح بالعديد من الأسئلة والتى يبدو كثير منها خارج النص.

وسط ترقب ضخم جاء عرض فيلم الافتتاح (جزيرة الكلاب) للمخرج الأمريكى ويس أندرسون، وبطولة إدوارد نورتون وليف شرابير وبيل مورى وتيلدا سويتون، الفيلم تلعب فيه الموسيقى دور البطولة ويمزج المخرج بين مساحات من التأمل فى الرؤية وما يجرى حقيقة على الشاشة، التعبير البسيط هو سلاح المخرج، كان حجم الترقب أكبر كثيرا من النتيجة الفعلية على الشاشة، الخيال الجامح الذى تملكه هذه النوعية من الأفلام والتى يحلو للبعض أن يطلق عليها (الفن الثامن) على اعتبار أن السينما مع بداية ظهورها قد صارت هى (الفن السابع)، إلا أن الخيال كان محدودا، ولا أعنى هنا الإبهار الزائد ولكن فقط تحقيق مفاجأة للمتلقى، القيمة الفكرية التى يستند إليها الفيلم تنويعه للمقولة الشهيرة (لا يوجد طغاة بل يوجد فقط عبيد وهم الذين يصنعون الطغاة).

كثيرا ما أسأل نفسى، ولا أجد إجابة قاطعة، كيف يتم التقييم؟ أقصد لجنة التحكيم عندما يعرض عليها هذا الفيلم الذى يتسابق فى الحصول على الجائزة مع 18 فيلما روائيا طويلا، حيث إن التقييم والمقارنة قائمة بين أفلام من نفس النوع، ولكن أكبر المهرجانات تسمح، وبالتالى صار الأمر مفتوحا للجميع بأن يسيروا على الدرب ويسمحوا بتواجد كل النوعيات داخل لجنة التحكيم لتقارن فيلما تسجيليا مع آخر روائى مع ثالث للرسوم المتحركة، والشرط الوحيد الذى تلتزم به هو الزمن، يجب أن يصل زمن الفيلم إلى ساعة، وما فوقها ليصنف كشريط سينمائى طويل، وبعدها تسقط كل الحواجز؟ أين المرجعية الواحدة التى من خلالها تختار الأفضل بين كل الأفلام المعروضة؟ نظريا مثلا حتى تصبح هناك مقارنة صحيحة بين ممثل وممثل فإنه ينبغى أن تضعهما تحت نفس المعيار الشرطى، فإذا قلت إن توم كروز يتفوق على جورج كلونى أو براد بت فإن المنطق يقضى بأن يلعبوا جميعا مثلا شخصية (هاملت) لشكسبير، ولكن هذا بالطبع مستحيل فصار (الترمومتر) هو إجادة فن الأداء بعيدا عن الشخصية الدرامية، ستعثر على مرجعية واحدة وهى درجة التقمص، طبعا مع اختلاف طبيعة الدور، ولكن ما الذى من الممكن أن تستند إليه، لو كنا بصدد ممثل ينافس فقط بالصوت فى فيلم رسوم متحركة مثل (جزيرة الكلاب)، وممثل يؤدى بكل أسلحته الإبداعية وأولها ملامح وجهه ونظرة عينيه وباقى لغته الجسدية، أتصور أن المرجعية هنا للممثل فى فيلم الرسوم تأتى فى قدرته على تكثيف كل شىء فى الصوت ليعبر عن كل التفاصيل، وهكذا يراعى المخرج أن ملامح الشخصية الكارتونية على الشاشة تمنح الصوت درجة عالية من المصداقية ليمتزجا معا، ولو قلنا مثلا إن هناك فيلما تسجيليا طويلا يشارك فى المسابقة، هذه المرة فلن يصبح هناك مجال للحديث عن ممثل، لأن الأصل هو أن من يشارك فى الفيلم التسجيلى لا يمثل. الرسوم المتحركة تملك أدوات للتعبير تتعارض مع الروائى، ولكن لديك ممثل تقارنه بممثل، بينما فى التسجيلى تريد من البشر أن يعبروا عن أنفسهم بدون تمثيل، ويبقى الرهان الممكن هو المخرج، وكيف أنه اقتطع جزءا من الحياة وأجاد التعبير عنه فى زاوية ما لتجد ما يمكن أن يتم من خلاله التقييم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل