المحتوى الرئيسى

«الفواعلية» يلهثون بحثاً عن لقمة العيش: «لو ما اشتغلناش هنموت من الجوع»

02/16 10:28

على مقهى «العمال» بمنطقة حلوان، يجلس العشرات من عمال اليومية أو «طائفة المعمار»، كما يطلقون على أنفسهم، باحثين عن «لقمة العيش»، التى ربما تغيب عنهم لأيام عدة، يتسامرون ويضحكون فيما بينهم رغبة منهم فى تخفيف آلامهم، فهم «أرزقية» على باب الله، لا يملك أحدهم وظيفة ثابتة ينفق منها على أسرته، لذا قرروا وبدون اتفاق مسبق الرحيل من محافظاتهم المختلفة قاصدين القاهرة للاستقرار والعمل بها.

خلاف رياض، 54 سنة، من محافظة الفيوم، جاء بمفرده إلى القاهرة منذ أكثر من 30 عاماً، بحثاً عن باب للرزق، بعدما ضاقت عليه بلدته، حيث ظل لسنوات طويلة يتنقل من عمل لآخر حتى استقر على مهنة «الفواعلى»: «بلدنا فقيرة، مفيهاش فرص عمل، كنت بشتغل هناك شيال لكنها ما بقتش تأكل عيش، ولما جيت هنا كنت فاكر إنى هلاقى وظائف لكن مالقتش غير إنى أشتغل باليومية»، قبل 5 سنوات كان «خلاف» يعتمد على معارفه من المقاولين الذين يطلبونه خصيصاً للعمل معهم، لكن بعد ارتفاع أسعار مواد البناء أصبح من الصعب أن يطلبوه، حتى أخبره أحد زملائه بوجود مقهى ينتظر فيه عمال اليومية بعض الزبائن أو المقاولين، وفقاً لكلامه: «كنت بفضل فى السكن والزباين كل يوم تتصل بى وأروح لها وفى نهاية اليوم آخد اللى فيه النصيب لكن دلوقتى بقيت أستنى بالساعات على القهوة عشان بس ييجى زبون يختار حد مننا، والباقى بيفضل من غير شغل».

«خلاف»: «بستنى بالساعات على القهوة عشان ييجى زبون أو مقاول ياخدنا نشتغل».. و«رجب»: «ورايا 3 عيال بصرف عليهم وبشقى طول اليوم عشان آخد 100 جنيه ولو تعبت ماحدش بيسأل فيّا»

معاناة أخرى يعيشها «خلاف» زادت من أعبائه، حيث فقد الرجل الخمسينى إحدى عينيه أثناء عمله، ما يدفع أغلب الزبائن إلى الابتعاد عنه وعدم اختياره للعمل معهم: «بقالى 36 يوم مطلعتش شغل لأن مفيش حد عايزنى بعد ما نظرى راح، ده غير إن عندى الكبد ومش بقدر أشتغل وقت طويل بس هعمل إيه محتاج فلوس عشان أتعالج وأصرف على ولادى»، لافتاً إلى أن لديه ولدين ما زالا فى مراحل دراسية مختلفة.

وأمام المقهى وقف «رجب عبدالله»، 58 سنة، يرتدى عباءته التى دلت على أصله الصعيدى، ملتحفاً شالاً حول رأسه لحمايته من برودة الجو، يقول إن ظروفه المادية هى التى أجبرته على ترك محافظته التى شهدت صرخته الأولى والسفر إلى أكثر من بلد عربى للعمل به قبل أن يستقر بالقاهرة: «سافرت أكتر من 4 دول، كنت بشتغل فى أى حاجة تقابلنى عشان أكسب قرشين، لكن الغربة ماكانتش جايبة همها، ورجعت أسيوط من كذا سنة لكن الدنيا خبطت معايا كتير بعد ما الأسعار زادت، وقررت إنى آجى القاهرة أشتغل، بس الوضع ميختلفش كتير، يعنى يوم شغل و10 لأ».

وعن يوميته التى يحصل عليها مقابل عمله طوال اليوم فى هدم البيوت، يقول «رجب»، بنبرة غاضبة: «بشقى طول اليوم عشان فى الآخر آخد 100 جنيه، ولو بنهد بيت باخد 150 جنيه، بس المبلغ ده ما بقاش بيكفى أى حاجة واللى بنصرفه أكتر بكتير من اللى جاى»، لافتاً إلى أن مهنة «المعمار» أصبحت مرهقة بالنسبة له بسبب كبر سنه، ورغم ذلك مجبر على العمل بها لعدم وجود فرصة عمل أخرى متاحة له: «ورايا 3 عيال بصرف عليهم فى البلد، وبدفع لهم إيجار وكهربا وميه شهرياً ده غير مصاريفهم الشخصية، بجانب إنى بدفع هنا إيجار شهرى، لو مشتغلتش هنموت من الجوع كلنا».

يصمت الرجل الخمسينى قليلاً، ثم يعود إلى حديثه مرة أخرى، قائلاً: «إحنا حقنا مهدور ومالناش جهة نشتكيلها من الهم اللى بنشوفه أو حتى نقابة تطالب بحقوقنا، ده إحنا لما حد فينا بيتصاب أثناء شغله بيدوخ على المستشفيات عشان يتعالج لأننا غير مأمن علينا»، لافتاً إلى أنه أصيب أكثر من مرة فى قدميه ويديه، الأمر الذى يجبره على الاقتراض من بعض زملائه حتى يتمكن من شراء العلاج: «لما بتعب بقعد فى البيت من غير شغل ومفيش حد بيصرف عليّا، ولولا زملائى كنت زمانى بشحت».

وعلى بعد خطوات جلس «شعبان على» وبجواره كيس بلاستيكى به بعض الملابس المهلهلة يرتديها أثناء عمله، إضافة إلى معداته الخاصة من شاكوش ومرزبة كبيرة يستخدمها فى كسر سيراميك أحد المنازل أو هدمه، يقول الرجل الستينى إن مهنة «الفواعلية» لم تكن مثلما كانت عليه من قبل، حيث أصبح المقاول يعتمد على عدد قليل منهم لمساعدته توفيراً للنفقات: «لما بييجى مقاول هنا الكل بيهجم عليه على أمل إنه ياخدنا معاه لكنه بيختار واحد أو اتنين بالكتير، وبيفضل يفاصل معانا فى الأجرة وكأن مجهودنا ده ببلاش لكنهم بينتهزوا فرصة إننا محتاجين للقمة العيش»، ويوضح «شعبان» أن لديه 6 أبناء، أكبرهم تمت خطبتها منذ 9 أشهر إلا أنه لم يتمكن من تجهيزها حتى الآن لضيق الحال، فيما ما زال أخواتها الأصغر فى مراحل دراسية مختلفة، لافتاً إلى أنه سعى كثيراً للحصول على معاش شهرى من الشئون الاجتماعيه إلا أنه لم يتمكن: «اللى بكسبه مش بيكفى مصاريفى لأنى مش بشتغل كل يوم، يعنى الأسبوع كله ممكن أطلع فيه يومين بس، ولو تعبت مش بطلع شغل خالص»، يستيقظ «شبعان» ابن محافظة بنى سويف، يومياً فى الساعة الـ6 صباحاً، متجهاً إلى مقهى «العمال»، لانتظار قدوم الزبائن التى تأتى بين حين وآخر، إلا أنه فى أغلب الأيام ينتظر طوال النهار وحتى أذان المغرب دون أن يذهب إلى أى عمل، ليقرر بعدها العودة إلى مسكنه بمنطقة حلوان.

لم يختلف الوضع كثيراً على رصيف المريوطية فى منطقة فيصل، إذ وقف شاب ملتحف بشاله وثيابه البسيطة وقطعة من الشاش الأبيض يخفى بها آثار جروح أصيب بها جراء سقوطه من الطابق الحادى عشر أثناء حمل «الطوب والزلط والرمل» خلال عمله بأحد العقارات، وقف هو والعشرات من أبناء مهنته تجول أعينهم بين المارة علهم يهديهم القدر إلى الشخص المنشود ممن لديه بعض الأعمال اليومية فيكفيهم قوت يومهم دون التفكير فيما سيحمله الغد لهم ولذويهم.

يتحدث محمد حامد، 45 عاماً، من الفيوم، عن مهنته التى لا يعرف غيرها، إذ يبدأ يومه مع صلاة الفجر فى شقة صغيرة لا ترى الشمس ويستأجرها بمبلغ 450 جنيهاً شهرياً «عندى 3 أولاد محمد 12 سنة ومحمود 8 سنين وسمية 3 سنين بقوم الفجر أصلى وأصبح على ولادى وأنزل أشوف رزقى، ويا عالم هلاقى شغل ولا هرجع إيد ورا وإيد قدام وببقى خايف معرفش أجيب فلوس فى اليوم ده ومببقاش عارف هرجع لولادى وهما جعانين وأقولهم إيه وما اشترتش أكل ليه، ميت حاجة بتدور فى دماغى، وزيادة على كده أمى العيانة اللى بتحتاج كل شهر علاج بمبالغ مش قليلة مش عارف هلاقيها منين ولا منين أنا مربوط فى ساقية ويا ريتها جايبة همها»، ويضيف والدموع تملأ عينيه «محدش بيقدر التعب ولا الظروف اللى بنبقى فيها وممكن صاحب الشغل يقعد يفاصل معايا على 10 و15 جنيه وأنا كل اللى باخده فى يوميتى مابيزدش على 150 جنيه والفلوس دى بتبقى مش فارقة معاه فى حاجة بس معايا ومع اللى زيى كل جنيه بيفرق» واستكمل حديثه عن قانون الرئيس السيسى بإنشاء نقابة للعمال باليومية، أن الفكرة عظيمة ولكن لا يضمن تطبيقها على نحو صحيح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل