المحتوى الرئيسى

شقيق الشهيد يجهش بالبكاء أثناء تسلم المذكرات فى منزله بالقاهرة: «رجعتولى حتة من أخويا لم أكن أتخيل عودتها يوماً من الأيام»

02/15 10:38

«رجعتولنا حتة من ابننا».. هكذا كانت أولى عبارات نبيل بسطويسى، شقيق شهيد حرب أكتوبر الجندى «سيد بسطويسى»، وذلك بعد أربع سنوات من المحاولات لاستعادة الكشكول الثامن والأخير لمذكرات الجندى سيد، الذى استشهد فى 16 أكتوبر عام 1973 أثناء المعركة الصينية، إحدى معارك ثغرة الدفرسوار، لتتوج تلك المحاولات باستعادة الكشكول بعد 44 عاماً.

«الوطن» التقت شقيق الشهيد الأكبر «نبيل» فى منزله الواقع على كورنيش منطقة الملك الصالح، من أجل تسليم الكشكول فى حضور الباحث عمرو زكريا، الذى نجح فى استعادته نظراً للعلاقة التى جمعته بالصحفى الإسرائيلى «جاكى خوجى» -بعد ترجمة عدد من مؤلفاته إلى اللغة العربية- الذى تواصل مع الجندى «عوديد يارون» الذى عثر على المذكرات أثناء الحرب واشترط العثور على أهل الشهيد حتى يوافق على إعادتها.

شهادة «سيد» عن لحظة عبور القناة: تخيلنا أننا سنمر فوق جسر من الجثث وبحر من الدم وسماء من نار.. لكن حدثت معجزة لنحقق حلماً راودنا جميعاً

محاولاً كتم أنينه، وحبس دموعه التى تجمعت بعينيه بقدر عدد السنوات التى مضت على استشهاد شقيقه، تحدث الرجل السبعينى «نبيل» عن شعوره عندما أخرج زكريا من الحافظة التى يحملها «كشكول أخيه»، إلا أنه سرعان ما أجهش بالبكاء، وبدأت تلك الدموع تأخذ طريقها إلى خارج عينيه، قائلاً بصوت ينطق بصعوبة: «سيد ده مش أخويا.. سيد ابنى».

سريعاً ما بدأ يتحسس بيديه ذلك الكشكول الصغير وكأنه «أخوه» يعطيه القبلات، وينظر إلى صفحاته: «أيوه هو ده توقيعه.. هو ده رسمه، ربنا يرحمك يا حبيبى»، مضيفاً: «جبتولى حتة من ابنى سيد.. أنا مبسوط علشان قدرتوا ترجعوا مذكرات الشهيد بعد 44 سنة، ماكنتش متخيل إن فيه حاجة زى دى ممكن ترجع فى يوم من الأيام».

من جانبه، قال «زكريا» إنه يشعر بالفخر بعد نجاحه فى استعادة تلك المذكرات، مؤكداً أن ذلك كان واجباً تجاه أسرة قدمت ابنها شهيداً دفع روحه ثمناً من أجل استعادة الكرامة، مشيراً إلى أهمية تلك المذكرات التى تعد تسجيلاً وشاهداً على فترة عاشها أبطالنا على الجبهة فى مواجهة العدو، وأنه يجب أن نعرف جيداً كيف عاش الجنود فى هذه المرحلة وماذا دار بخاطرهم عند تحرير الأراضى المصرية.

وقال «زكريا»، بعد اطلاعه على الكشكول، إن «سيد» لم ينقل من وجهة نظر واحدة، ولكن المذكرات سجلت حياة أصدقائه على الجبهة، وكيف كان يفكر كل منهم، وماذا حلم كل منهم، وكل ذلك بأسلوب أدبى رائع ورسومات جميلة، ودعا «زكريا» الدولة ألا تتخلى عن الشهداء الذين راحوا، ويسقطون كل يوم، سواء كانت فى الحروب القديمة أو الحرب الدائرة الآن ضد الإرهاب، وذلك إلى جانب دور الجمعيات الأهلية والمنظمات الذين يجب أن يوفروا الدعم لأسر الشهداء وتخليد ذكراهم عن طريق إطلاق أسمائهم على المنشآت والشوارع حتى لا ننساهم أبداً.

واستطرد «زكريا»: «بالطبع أشعر بالفخر للمساهمة فى هذا العمل لأنى أعتبر هذه المذكرات ملكاً للشعب المصرى كله وليس لأهله فقط، وعودتها هى عودة شىء يخص المصريين. كما أشعر بالبهجة لمساهمتى فى عودة هذه المذكرات لأهل الشهيد لتعزيهم بعد هذه السنوات الطويلة وليعلموا ماذا مر به الشهيد سيد فى شهوره الأخيرة، وأشكر الله تعالى على أن شرفنى بهذا العمل النبيل وأسأل الله أن يتقبله منى».

الكشكول الثامن يحتوى على 10 قصص لأبطال شاركوا فى الحرب المجيدة، لم يظهر مصيرهم فى هذه القصص، ولكن حاول «سيد» أن يشرح نشأة كل منهم على حدة، فمنهم «من الصعيد» وآخر من «وجه بحرى»، وكل ذلك فى صورة أدبية، تصحبها صورة لصاحب الشخصية يرسمها بقلمه الرصاص كما اعتاد رسم عائلته، ولكن اختلف فى هذه الصور أنه يرسم كلاً منهم وفقاً لما يراه ذهنه، فـ«سيد» عندما رأى زميله «القهوجى» فلم يتخيله غير ذلك، وكذلك المزارع والشيال.

الكشكول الثامن احتوى على 10 قصص لأبطال أكتوبر.. كل واحدة تضمنت رسم صورة صاحبها بالقلم الرصاص وتفاصيل حياته ورأى الشهيد فيه وأبرز مواقفه

فجأة انقطع سيد عن تسجيل قصص زملائه مع انتهاء شهر سبتمبر 1973، عندما بدأت الأحداث تتسارع، ليشرع فى تسجيل ما يحدث يومياً عندما استدعيت الإجازات والرديف، وسيطر القلق والصمت والوجوم والترقب نحو المجهول، متنبئاً أنها الحرب التى لا مفر منها، حتى اجتمع بهم القائد فى أول أكتوبر مؤكداً عليهم الخروج إلى عمليات بعد يومين أو ثلاثة أيام.

وفى يوم العبور، كتب «الشهيد»: «اجتمع بنا الرائد يوسف جاد بعد ظهر اليوم، نحو الساعة الثانية عشرة تماماً، وقال إن (المشروع لم يعد مشروعاً كما قد أشيع، ولكن تحول إلى عمليات حقيقية.. أول طلقة مدفعية سوف تقذف فى الساعة الثانية، وخمس دقائق بعد الظهر.. وأول قارب سوف يهبط إلى مياه قناة السويس فى الثانية وعشرين دقيقة، أى بعدها بـ 15 دقيقة).. ولأول مرة تذكر صحف الصباح أنباء الحشود الإسرائيلية فى مواجهة القوات المصرية السورية على طول جبهات وقف إطلاق النار، ورددت الإذاعات هذه الأنباء».

يتابع فى مذكراته عن يوم العبور: «الصمت الآن والسكون.. هو ذلك السكون الذى يسبق هبوب العاصفة.. والجميع فى حالة من الترقب والصمت والرهبة.. فقال لى صلاح إبراهيم -وهو أحد زملاء سيد- (حتى الآن لا أصدق.. لكن يراودنى إحساس أنه لو اندلعت الحرب أشعر أنى سوف أموت، لست أدرى لماذا أريد أن أموت مع صلاح فبطول العشرة والصداقة أصبحت أنتمى إلى ذلك الإنسان.. ولكنه سيكون فى عربة، وأنا فى عربة أخرى».

وأضاف أنه «بعد أن كنت أسير كإنسان مستسلم تماماً لما سوف يحدث.. إنسان يعيش بلا مستقبل وبلا أمل.. انتعش الأمل فى الجميع عندما جاء وقت الغروب دون أن يحدث شىء لما كان متوقعاً، وكما كان يتردد بين الجنود»، وتحت عنوان «عبور القناة وعودة الروح»، وهامش يقول فيه «الضفة الشرقية للقناة.. سيناء المحررة.. الساعة 2:45 بعد الظهر»، كتب سيد: «كانت لحظة تاريخية حقاً، جديرة بالتسجيل، حلم راودنا جميعاً.. ولم نكن نتخيل كيف سيحدث ذلك، كنا نعد أنفسنا لأننا سوف نعبر القناة فوق جسر من الجثث، فوق بحر من الدم، وسماء من نار.. ولكن الذى حدث تماماً لا يمكن تسجيله وتصوره.. كيف أننا نعبر القناة فى وضح النهار.. دون طلقة واحدة ولو من طائرة أو مدفعية.. ودون حدوث أى إصابة، حتى خدش أصبع واحد من جنودنا.. هذه هى المعجزة».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل