المحتوى الرئيسى

مستشفيات «العباسية والخانكة والمعمورة»: مبانٍ ضخمة وإمكانات متواضعة

02/14 11:02

بوابة حديدية كبيرة مفتوحة على مصراعيها، يقف بجوارها بعض أفراد الأمن ينظمون دخول الأهالى، تقودهم إلى بوابة أخرى مكتوب عليها «مستشفى العباسية للصحة النفسية.. ترحب بالزائرين»، على يسارها تقع العيادات الخارجية التى يجلس أمامها عشرات المرضى بانتظار كشف العلاج من الإدمان.

وعلى جانبى المستشفى الذى تتعدد مبانيه بين أقسام العلاج النفسى للرجال والسيدات والأطفال ووحدات علاج الإدمان، والطب الشرعى، تمتد حدائق خضراء متسعة، إلا أن بعضها مهمل، يتناثر به فروع الأشجار ومخلفات البناء، ورغم حداثة بعض هذه المبانى، لكن إمكانياتها شبه منعدمة، حسب عدد من الممرضات اللائى رفضن ذكر أسمائهن، خوفاً من التنكيل بهن من جانب الإدارة، موضحات أن المستشفى يعانى نقص عمال النظافة، وعدم وجود أمن داخلى لحماية المرضى من الهرب أو الخطر، إضافة لنقص الخامات التى يحتاجون إليها، الأمر الذى يدفعهم إلى شرائها على نفقتهم الخاصة.

«العباسية»: عيادات مغلقة وحدائق غير مستغلة.. وممرضة: «مفيش أمن داخلى.. وهناك معدات غير موجودة بمعمل التحاليل.. ونشترى مواد تنظيف الحمامات من جيوبنا»

وتقول إحدى ممرضات المستشفى، إنها تخدم أكثر من 30 مريضة بمفردها، نظراً لعدم وجود مساعدى تمريض أو عمال نظافة يساعدونها فى الاهتمام بنظافة المرضى والعنبر نفسه، مضيفة «المفروض دورى آخد ملاحظات على المرضى فقط، لكن بسبب إن مفيش حد بيسأل فينا بضطر آخد بالى من تصرفات المرضى وأهتم بلبسهم، لأن أغلبهم يعانى من تبول لا إرادى، وفى الوقت نفسه أمسح العنبر والحمامات لأنى لو ما عملتش كده المرضى هتتعب».

لم يكن نقص أعداد عمال النظافة هو المشكلة الوحيدة التى اشتكت منها الممرضة، لكنها أضافت أن خلو المستشفى من أفراد الأمن أزمة أخرى، وقالت إن الإدارة اكتفت بوجود الأمن على البوابة الخارجية فقط، ما تسبب فى هرب أكثر من مريض مؤخراً، وتابعت قائلة: «الأمن موجود لحد الساعة 7 بس، وبعد كده أنا اللى بتحمل مسئولية المريض، ولما بيحصل والمرضى يحاولوا يهربوا أو يتخانقوا مع بعض مش بلاقى اللى بيمنعهم معايا».

شكاوى عديدة قدمتها الممرضة وزملاؤها للأمانة العامة للصحة النفسية، حسب قولها، والرد واحد «مفيش ميزانية»، مشيرة إلى أنهم ظلوا أكثر من أسبوعين يطالبون بتصليح «مغسلة المستشفى»، وتقول: «عندى أكتر من 150 بطانية محتاجين يتغسلوا، وطالبنا بوجود بديل لما يحصل عطل لكن مفيش حاجة بتتنفذ، بجانب إن الغسيل بيرجع لنا فى الأيام العادية كأنه متغسلش، ونضطر نرجعه تانى وننتظر لحد ما يتغسل وينشف لأن المريض مش هيستحمل»، لافتة إلى أن المستشفى به مغسلتان فقط، رغم وجود أكثر من 40 قسماً داخله، منها 16 قسماً للرجال و16 للسيدات، إضافة إلى العيادات الخارجية ووحدات علاج الإدمان.

وتحدثت ممرضة أخرى عن مشكلات المستشفى، قائلة إنه تنقصه خدمات عديدة للمرضى، من بينها معدات كثيرة غير موجودة بمعمل التحاليل، وبعض الأجهزة نتائجها غير دقيقة، وتضيف: «أى تحليل المرضى تحتاجه بنعمله بره لأن إمكانيات معمل المستشفى ضعيفة، وندفع ثمنه من جيوبنا، لأن لو ماعملناش ده للمريض ممكن يموت».

وفى القليوبية، وعلى بُعد 40 كيلو من بنها، عاصمة المحافظة، يقع أقدم مستشفى للأمراض العقلية فى مصر، المعروف باسم «مستشفى الخانكة للأمراض العقلية» أو «دار الصحة النفسية بالخانكة».

«الخانكة» أقدم دار للصحة النفسية: عنابر مكدسة وسيارات الإسعاف «خردة».. ومدير المستشفى: 32 طبيباً يخدمون 2850 مريضاً بمختلف الأقسام

جولة بسيطة بالمستشفى تكشف حال مرضى غابوا عن الحياة وطوى أهلهم صفحة حياتهم جبراً بوجودهم خلف أسوار المستشفى، الذى يصفه المواطنون القريبون منه بأنه «مقبرة للمرضى» بسبب ما يعانيه من إهمال جسيم.

المستشفى شهد منذ عامين كارثة عندما لقى 11 مريضاً من نزلاء المستشفى مصرعهم إثر موجة طقس حار شديدة، كما أصيب أكثر من 15 آخرين بإجهاد حرارى بسبب الموجة الحارة، وهو الحادث الذى كشف زيادة أعداد المرضى بشكل كبير داخل العنابر، ووقتها شهد المستشفى نوبة صحيان وتلقى عشرات من أجهزة التكييف للعنابر وتركيب عدد كبير من المراوح للتغلب على الطقس الحار.

خلال جولتنا بالمستشفى شاهدنا 3 سيارات إسعاف متهالكة أكلها الصدأ، بدلاً من إحلالها وتجديدها أو تكهينها، رغم أن المستشفى بحاجة لهذه السيارات، حيث إن المستشفى يعانى من عدم وجود وحدة إسعاف قريبة منها، كما يوجد بالمستشفى، الذى يقع على مساحة 20 فداناً، عدد كبير من العنابر المغلقة على مساحات شاسعة غير مستغلة أو مجهزة لاستيعاب المرضى المكدسين فى العنابر.

«الوطن» التقت بعض المرضى الذين يقيمون بالمستشفى دون أدنى رعاية ولو بالسؤال من ذويهم، منهم أحمد زكريا، أحد النزلاء الذى أكد أن أحداً لم يزره منذ٣٠ عاماً عندما دخل المستشفى عام ١٩٨٧، الحال نفسه يتكرر مع «ميلاد» الذى لم يزره أحد من أهله منذ ١٠ سنوات تقريباً، مشيراً إلى أنه لا يتذكر سوى أنه كان يسكن بمنطقة «السيدة عائشة».

خلال الجولة بالمستشفى تجد بعض المرضى عند مشاهدتهم للزائرين يقبلون عليهم للتسول وطلب الأموال لشراء السجائر، والبعض يؤكد حاجته للمال لشراء شاى وسكر، وأكد أهالى المرضى المقيمين بالمستشفى، أثناء الزيارة، أن المرضى يشكون الإهمال والمعاملة السيئة للمرضى وحجزهم فى عنابر غير آدمية.

ويقول محمود سعيد، أحد أقارب مريض بالمستشفى، إن العنابر مكدسة بشكل لا يطاق، والعنبر يضم أكثر من 80 مريضاً، بينما القدرة الاستيعابية المناسبة للعنبر الواحد بين 40 و60 مريضاً، حسب حديث الممرضين معنا أثناء الزيارة، كما أن بعض العنابر ليس بها مراوح بحجة الخوف على أرواح المرضى، والبعض الآخر به واحدة أو 2 على الأكثر، إضافة للحالة السيئة للعنابر والحمامات الملحقة بها، التى تخلو من أبسط قواعد الآدمية، حيث يستحم المرضى بخرطوم مياه باردة فقط.

مدير «المعمورة»: لدينا 830 مريضاً والعلاج الاقتصادى بـ300 جنيه شهرياً.. ورئيس «التأهيل»: نقدم أنشطة لتوسيع مدارك المعرفة

وكشف أحد الأطباء بالمستشفى، رفض ذكر اسمه، أن المستشفى يعانى من نقص حاد فى الأطباء، فيما يبلغ عدد المرضى ٢١٩٠ فى ٣٥ قسماً، بجانب مرضى محتجزين فى ١٠ أقسام للمذنبين، بإجمالى ٦٥٠ مريضاً سجيناً، بنسبة إشغال تصل إلى٩٠٪، لأن عدد الأطباء الذى يخدم كل هذا الكم 30 فقط و400 ممرض وممرضة فى تخصصات مختلفة، وطبيبين فقط للأمراض الباطنة.

وقال الدكتور وائل فؤاد، مدير المستشفى، إن نسبة الإشغال تصل إلى 95%، حيث يوجد بالمستشفى ما يقرب من 2850 مريضاً بمختلف الأقسام، بمن فيهم المذنبون المودعون فى أقسام الحجز الجنائى لقضاء فترة عقوبة جنائية، وأشار إلى أن المستشفى يعانى من نقص الأطباء والإداريين، حيث يوجد ٢٤ إخصائياً و٨ أطباء مرضى نفسيين، فقط ولا توجد وحدة إسعاف والسيارات الخاصة بالإسعاف بالمستشفى تهالكت وتحولت لخردة.

وفى الإسكندرية، ورغم المساحات الشاسعة والمبانى الضخمة، فإن إمكانيات مستشفى المعمورة للأمراض النفسية والعصبية محدودة، وكثير منها يعتمد على الجهود الذاتية للمرضى والأطباء والعاملين بالمستشفى، ونظراً لارتفاع أسعار الأدوية النفسية التى تضيع عليها معظم ميزانية المستشفى لعلاج المرضى داخله، يعيش المرضى على زيارات ذويهم أو تبرعات الأطباء لهم بمتطلباتهم الشخصية، وذلك بالإضافة إلى فتح مركز لتأهيل المرضى وتدريبهم على الأعمال اليدوية وتشغيلهم بأسعار رمزية لا تتعدى الـ4 جنيهات يومياً.

«الوطن» التقت بعدد من مرضى الإدمان والحالات النفسية الذين يسمح لهم بالتحدث لوصولهم إلى نسب شفاء متقدمة، ويقول إسلام. م، 35 سنة، يعانى من اكتئاب، إنه يتردد على المستشفى منذ 10 سنوات، بسبب مروره بظروف اجتماعية قاسية بعد انفصال والديه وبقائه مع جدته التى تولت تربيته، وقال «رفضت أتزوج نهائياً خوفاً من أن أظلم أى إنسانة معى، وفقدت الأمل فى الحياة، وحزين لأنى لم أحقق أحلامى».

ويؤكد وائل. ح، 37 سنة، «أدمنت كل أنواع المخدرات منذ صغرى، وحاولت الإقلاع عن الإدمان كثيراً بعد وفاة والدى، لشعورى بأنى السبب فى وفاته، ولكنى فشلت، ومنذ 10 سنين بدأت التردد على مركز الإدمان بمستشفى المعمورة، والتزمت بالبرنامج التأهيلى ونجحت واستطعت الإقلاع عن المخدرات وحالتى تتحسن».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل