المحتوى الرئيسى

هل تضطرب إيران «بلعبة تناقضاتها الذاتية الخاصة»؟

02/13 08:54

شكلت إيران خلال عقودها الأربعة الماضية مصدر تفكير مختلف لعلاقة قطبَيْ الإسلام السنة والشيعة، وقد تم إحياء نموذج مختلف من المعالجة التاريخية للعلاقة الشيعية - السنية، وهي علاقة لم تعرف الهدوء منذ انطلاقتها في لحظات مبكرة من تاريخ الإسلام، في الحقيقية إن التاريخ بين هذين القطبين لم يكن مهيئاً ليكون تاريخاً سلساً على مر العصور، ولن يكون بحسب معطيات التاريخ، وكل ما أمكن فعله عبر التاريخ للحد من آثار هذا الصراع كان ضرورة الاعتماد على معطيات أيديولوجية بحتة في محاولة لرسم حدود افتراضية حول علاقة قطبي الإسلام.

عددياً ظل القطب السني تاريخياً هو الأقوى والأكثر اكتساباً للتابعين، والأكثر إقناعاً لعموم المسلمين، ولعل السبب يرجع إلى طريقة انشقاق المذهب الشيعي في فجر الإسلام مما اضطر مؤسسو هذا المذهب إلى بناء تركيبة مضادة فكرياً، ولعل الأكثر تأثيراً في هذه التركيبة الفكرية قامت على الاعتماد وعلى التأكيد على قراءة خفية للعلاقة السياسية بالدين ،حيث وجدت هذه التركيبة الفكرية في هذه العلاقة مصدر تأجيج مستمر للتذكير بالظلم وفقدان الحقوق.

عندما جاء الخميني، رجل الدين الشيعي، إلى السلطة بدا للجميع أن مشهد التنافس السني- الشيعي سوف يترقى من جديد كجزء من تاريخ مستمر، وقد بدا ذلك واضحاً فخلال أربعة عقود مضت تحدث العالم العربي والسنة تحديداً عن استراتيجية إيرانية في المنطقة، وكانت الأزمة هي وما زالت حول نوعية هذه الاستراتيجية، فحتى على مستوى النظام في إيران هناك أسئلة مهمة عن نهاية دقيقة لهذه الاستراتيجية، الكل يدعي أن الاستراتيجية الإيرانية تعرف طريق النهاية، ولكن الحقيقة أكبر من هذا الفهم المباشر السريع.

"ولاية الفقيه" هي الفكرة التي تبناها الخميني ليحولها إلى منهج جديد قابل للنجاح والتفوق، وعندما انطلق المشروع الإيراني الخميني تمحورت فكرته السياسية إجبارياً، وقادته لتبني مشهد من التنافس الشيعي - السني، وعبر التاريخ لم تكن محاولة الخميني هي الوحيدة لإنشاب الصراع بشكل جديد بين السنة والشيعة.

سؤال مهم، هل تدرك الاستراتيجية الإيرانية نهاية دقيقية لها؟، ليس الهدف من هذا السؤال تبسيط الفكرة، ولكنها دعوة من أجل فهم الكيفية التي يمكن بها إدارة تاريخ مهم، وجزء أساسي من المسار الإسلامي شكل فيه الصراع المذهبي عنواناً مستمراً لايكاد يختفي حتى يعود للظهور مرة أخرى، والحقيقة أن الاستراتيجية الإيرانية وهي التي ترى نفسها الأكثر تطوراً في وصولها إلى نشر فكرة ولاية الفقيه؛ تبرز اليوم في حالة ارتباك يعكس ضعفها بوضع تصور دقيق لمستقبلها.

الصراع القائم في الداخل الإيراني، والذي كان آخر تعبير عنه تظاهرات نهاية العام 2017م، يحتم علينا أن نفهم المدلول الحقيقي للأسباب الكامنة وراءها، فالنزعة المجتمعية للشعب الإيراني تشبعت من الاستهلاك الأيديولوجي المفروض عليها، والتي خلقت بشكل حرفي في فضائها الاجتماعي، فهذا الفرض أغلق الطريق أمام كل الرغبات الطامحة إلى مستقبل سياسي واجتماعي مناسب، الرغبات الحالية للمجتمع الإيراني تنضج بشكل تدريجي بوضع شروطها بعيداً عن الشروط التاريخية التي وضعتها فكرة ولاية الفقيه من أجل إدارة شعب عمره الحضاري يتجاوز عمره الإسلامي.

حجم التشيع في المسرح السياسي الذي تتواجد فيها الاستراتيجية الإيرانية أثبت عجزاً كبيرًا في عمليات التشييع وكسب المزيد من المتشيعين، ولذلك يصعب أن تجد الإعلام الإيراني أو حتى المؤيدين له يتحدثون عن نجاحهم في فكرة تشييع المزيد من الأفراد بل ما يحدث هو العكس، لهذا السبب تلجأ إيران في مشروعاتها السياسية إلى عمليات التغيير الديمغرافي عبر استجلاب منتمين إلى مذهبها كما في مليشيات "الفاطميين"، "والزينبيين" وتم استجلابهم من أفغانستان وباكستان.

أنا لا أبشر بسقوط سريع لهذه الاستراتيجية لأن التاريخ كفيل بذلك، ولكن الوعي بالتاريخ والذي يجعلنا نفهم الكيفية التي يدرك بها التاريخ مواطن الخير والشر، تمنحنا الفرصة لكي نقول: إن إيران ومع اعتقاد كبير ينتشر بيننا أنها تملك استراتيجية واضحة، وهنا يجب الإشارة إلى أن اعتقادنا هذا مبني فقط على إحساسنا ومشاعرنا ذات العلاقة بالتنافس المذهبي، بينما يغيب عنا أن إيران لا تمتلك نهاية دقيقة وواضحة يمكن وصفها لما ترغب الوصول إليه.

لن يجيب خامئني أو حتى قاسم سليماني، وهما ما تبقى حقيقة من الاستراتيجية الإيرانية على سؤال أكثر من افتعال مشكلات وبناء مليشيات وطغيان الصورة المنتصرة، فعندما قرأ "هيغل" هذا البعد في مسيرة الدول أكد أن التاريخ يتقدم بمسار متواصل ولا يسير وفق تطور العقل الثابت، ولذلك يمكن التنبؤ أن أزمة إيران القادمة تكمن "بلعبة تناقضاتها الذاتية الخاصة".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل